الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. فاتن - شاهين

كدهوّن!.. فاتن - شاهين

يوسف شاهين المُخرج الوحيد إلى تعامَل مع موهبة فاتن حمامة المتوهّجة فى بدايتها الفنية من غير تنميط أو حاول أن يحبسَها فى قالب مُعَين ولكنه منحها فرصة التلوين والتنوع والأداء النابض بالحياة ومنحها شيئًا من روحه المَرحة فقدّمها وكأنها سعاد حسنى فى أربعة أفلام بصورة مغايرة تمامًا لما اعتاده منها جمهورُها لعل أبرزَها دورُها الرائع فى فيلم (المهرج الكبير) أمام يوسف وهبى



 

لعبت دورَ «أسرار» بنت بلد شقية دمّها خفيف طويلة اللسان ترقص وتغنى بجانب التمثيل طبعًا رغم أن الدور يحتمل أداءً ميليودراميًا أقرب لطبيعة أفلام الخمسينيات ولكننا نفاجأ بأداء فاتن حمامة المرح على غير عادتها وسخريتها من عرض يوسف وهبى «شحاتة» لها بالزواج منه ثم ذهابها ضاحكة لحبيبها تروى له عن هذا العرض من دون بكاء أو أى مَظاهر حزن يمضى الفيلم فى هذا الاتجاه المرح فنشاهد استعراضًا تخيليًا أثناء امتحان يوسف وهبى وتكون المفاجأة هى ظهور فاتن حمامة فى هذا الاستعراض المبهج وهى ترقص وتغنى (تمت الاستعانة بصوت مطربة)، وهكذا يتمكن يوسف شاهين من تسجيل حالة مختلفة تمامًا فى أداء فاتن حمامة فى تلك الفترة، ثم عاد فقدمها فى (صراع فى الوادى) فى دور «آمال» ابنة الباشا، ورغم أن الشخصية تقليدية تشبه أدوار فاتن حمامة التى اعتادت أن تقدمها فى تلك الفترة إلا أننا نرى روح يوسف شاهين تمنحها حياة وبشاشة على الشاشة تكسر جمود تلك الشخصية ونسمع عمر الشريف يناديها (ببطاطس) وأيضًا نراها تتبسط مع (نافع) ذلك الطفل النوبى المرح (عادة ما تظهر شخصية نوبية فى أفلام يوسف شاهين فى تلك الفترة) تمنحها شيئًا من البساطة والإنسانية بل وتذهب معه لحضور حفل زفاف نوبى لتتقرب من حبيبها «أحمد» حتى عندما تتصاعد الأحداث وتتحول إلى مأساة إنسانية نلاحظ أن يوسف شاهين حريص على ألا تقع فاتن حمامة فى فخ الأداء الميليودرامى المُبالغ فيه ولكنها تستمر فى تقديم شخصية «آمال» متدفقة المشاعر والأحاسيس حتى آخر لحظة فى الفيلم.. وكِدَهُوّن نراها مرة أخرى مع يوسف شاهين فى فيلم (صراع فى الميناء) فى دور مختلف تمامًا عن شخصيتها المعتادة فلعبت دور «حميدة» أمام عمر الشريف وأحمد رمزى وظهرت كبُلطية شهية من بحرى لها روح حُرة منطلقة تضحك دون أى قيود وتصرخ بأعلى صوتها «أيووووو» إسكندرانى وترقص على المَعدية أمام الصيادين بمنتهى الجرأة وتملأ الشاشة بهجة وسعادة، فلقد حرص المخرج يوسف شاهين على أن يكسر ذلك القالب الذى يحبس موهبتها المتدفقة داخل إطار من الوقار والحشمة فتفقد الشخصية الدرامية التى تقدمها إنسانيتها وتتحول إلى مجرد إيقونة الأخلاق فقط فنشعر بأنها شخصية محدودة تريد الانطلاق ولكنّ شيئًا ما يمنعها من الانطلاق.. وكِدَهُوّن، حتى عندما قدّمها فى دور «زبيدة» الفتاة الصعيدية فى فيلم (ابن النيل) جعلها شخصية من دم ولحم تحب وتصرخ وتتألم وتتشاجر مع حبيبها كإنسانة طبيعية وليست أيقونة صامتة تكتفى بتسبيل عينيها للشاشة وتكتم وجعها بداخلها وكأن يوسف شاهين يمنح موهبتها السجينة قبلة الحياة ولم يفعل كما فعل المُخرج حسن الإمام وحبسها فى دور البنت الكئيبة المغلوب على أمرها فى عدة أدوار لاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا ورسمت ملامح شخصية فاتن حمامة الفنية فى ذلك الوقت مثل (اليتيمتان، وأنا بنت ناس، وظلمونى الناس، وكاس العذاب) وغيرها من الأفلام التى رسخت لمحدودية الأدوار التى تقدمها فاتن حمامة على الشاشة على عكس موهبتها الكبيرة.. وكِدَهُوّن، نجد المُخرج يوسف شاهين يتعامل مع موهبة فاتن حمامة بجرأة وانطلاق فلم يحصرها فى أدوار الهوانم والفتاة الراقية التعيسة كما رأها دائمًا المخرج عز الدين ذو الفقار وقدّمها فى عدة أدوار متشابهة لعل أشهرها فيلم (نهر الحب) أمام عمر الشريف وفيلم (بين الأطلال) أمام عماد حمدى وفيلم (موعد مع الحياة) أمام شادية وشكرى سرحان، ولعل الجمهور يتذكر دموعها وهى تستمع لأغنية شادية «ليالى العمر معدودة» وإحدى الفتيات تقول لها الجملة الشهيرة: «امسحى دموعك يا آمال» لترد فاتن حمامة بأداء مسرحى: «لا دى من السيجارة»، فتعود الفتاة لتقول لها «طيب اطفيها لأنها خلصت خلاص»- وهنا تتوقف فاتن حمامة لتنظر إلى الكاميرا مباشرة وتسبل عينيها وتقول بنفس الأداء المسرحى: «خلصت خلاص».. ويستمر المخرج عز الدين ذو الفقار فى تقديمها فى أدوار الهوانم التعيسات حتى عندما قامت ببطولة فيلم (موعد مع السعادة) وهو من إنتاجها أيضًا ظلت تقدم ذلك الأداء (الهوانمى) رغم أنها كانت تلعب دور فتاة فقيرة فى عزبة مهجورة ثم تهرب وتعمل كممرضة فى أحد المستشفيات نجدها أيضًا هانم بكل المقاييس رغم أن الشخصية الدرامية التى تقدمها لا تحتمل مثل هذا القالب الذى وضعها فيه المخرج عز الدين ذو الفقار، وهو القالب الذى عشقته فاتن وحبست نفسها فيه بعد ذلك حتى وهى تقدم شخصية فلاحة أو خادمة ظلت تقدمها من منطق أنها فاتن هانم حمامة كما حدث فى (دعاء الكروان) فمن المستحيل أن تصدّق أن «آمنة» تلك الفتاة الصغيرة القادمة من الصعيد الجوّانى فى بدايات القرن العشرين وتعمل خادمة فى بيت المأمور ثم فى بين المهندس هى تلك الفتاة الراقية التى قدمتها فاتن حمامة، فأنت كمُشاهد لم ترَ «آمنة» ولكنك طوال الفيلم تشاهد فاتن حمامة بس عاملة نفسها «آمنة» واحنا عملنا نفسنا مصدّقينها لأنها تقدم أداءً متقنًا ورائعًا وسط مجموعة من الممثلين العظماء.. وكِدَهُوّن، حتى عندما قدمت دور الغانية أو السيدة المنحرفة فى فيلم (الخيط الرفيع) لن تستطيع أن ترى الشخصية الدرامية «منى» كشخصية منحرفة لأنها قدمت بمواصفات فاتن حمامة وفى قالب الهانم الذى تعشقه فلم نشعر بمعاناة «منى» من جراء رفض المجتمع لها فهى طوال الفيلم وقورة ومحتشمة فى الوقت الذى ظهرت فيه الفنانة بوسى ابنة أحد رجال الأعمال كفتاة منطلقة وأقرب لأن تكون فتاة لعوبًا، بينما نرى فاتن حمامة فى منتهى الوقار والحشمة وكأنهما قد تبادلتا الأدوار.. وكِدَهُوّن، لو استمر تعاونهم مع بعض كانت السينما المصرية كسبت مجموعة من الأفلام والأدوار المتنوعة لفاتن حمامة بعيدًا عن ذلك القالب الجامد الذى حبست فيه نفسها كأيقونة للأخلاق الحميدة.