الإثنين 12 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البوصلة

البوصلة

1



للمرة الأولى التى أسمع فيها مسئولا يثمن أفكار الشباب وأنها خارج الصندوق، كانت منذ أيام قليلة ماضية على لسان دكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء وهو يقدم استهلالا حول «الحوار الاقتصادى» فى مؤتمر صحفى وأعلن عن إطلاق موقع إلكترونى لتلقى أفكار الشباب. 

2

خلال كتابة هذه السطور كان هناك حدث مفاجئ فى صفحات الفيس بوك حيث تم تقليل أعداد المتابعين إلى ما يزيد على النصف أو الثلاثة أرباع والبعض لم يبق لهم سوى 10 ٪، فقط من متابعيهم، لك أن تتخيل عزيزى القارئ الصراخ والعويل على صفحات الفيس بوك جراء هذه «الخسارة» والسؤال هنا: إلى أى مدى تعبث الشهرة الزائفة بالعقول والنفوس؟!!

3

العمل العام لا يعنى بالنسبة لى إلا العمل المجتمعى وخدمة الناس فيما ينقصهم.

4

بدايتى فى العمل العام كانت فى مرحلة الجامعة وأكثر ما استهوانى حينها كان تعليم الكبار.

5

أتذكر أن أتتنى شابة بسيطة فى مقتبل العشرينيات، طلبت منى أن أعلمها القراءة كى تتمكن من قراءة القرآن الكريم وأن تشارك أبناءها المذاكرة لأنها تشعر بعزلة تبعدها عنهم مسافات طويلة وتخلق حواجز بينها وبينهم، وأتذكر كلماتها جيدًا وكأنها بالأمس حيث قالت: (ساعدينى أفك الخط عشان أعرف ولادى بيعملوا إيه فى دنيتهم).

6

لن أدعى التماسك وأقول أن كلماتها مرت على قلبى بشكل عابر، لا والله شعرت أن الزمن توقف وأن كل اهتماماتى فى الحياة لا تساوى شيئا بجانب حاجة هذه الشابة التى كانت فى مثل عمرى.

7

ودون تردد قلت لها: (أنا هعلمك من كتب ولادك نفسهم.. تعالى بكرة وهاتى أى كتاب من كتبهم وهنبدأ بإذن الله).

8

لم تكن لى أى خبرة مسبقة فى تعليم الكبار لكن إحساسى بالمسئولية دفعنى دفعا نحو نجاح مجهودنا سويًا، أنا أحاول أن أُبسط لها كل معلومة وأكررها مرة واثنين وثلاثة بصبر شديد، وهى من جانبها أطلقت العنان لشغفها وأصبح التعلم بالنسبة لها حالة من الاستمتاع.

9

حتى أتى اليوم الذى تحقق فيه حلمها واستطاعت أن تكتب اسمها وأسماء أبنائها، وأصبحت ماهرة فى تشبيك الحروف بسرعة ومهارة عالية، والأهم هو أن وقت مذاكرة أبنائها أصبح وقتا مشتركا بينهم جميعًا بلا حواجز ولا عقبات.. كانت هى سعيدة بنجاحها، وكنت أنا سعيدة لها وحزينة لأننا سأفتقد لطفها الشديد وإرادتها التى أذهلتنى.

10

لهذا السبب العمل العام يعزز الانتماء للبلد لأنه يجعل كل فرد يشعر بقيمته الحقيقية سواء كانت قيمته خبرة يمنحها لمن حوله، أو استحقاقا يعوض به شيئا ينقصه ليمنحه لغيره بعد أن يكتسبه.

11

وقت أحداث يناير كنت أرغب فى الحديث مع كل فرد فى الميدان وأقول له: (تمهل ففى رقابنا أحلام لأناس ينتظرون الغد ليعيشوها واقعًا، لا تقتلوا أحلامهم ولا تجعلوا الغد ثقيلا عليهم).

12

ومنذ ذلك الوقت ميز عقلى جيدًا بين العمل المجتمعى والعمل السياسى، فالأخير بالنسبة لى ليس إلا أداء حنجوريا كثيرًا ما يضل الطريق لأنه منفصل عن المجتمع، يضخم التوافه، ويخلق منها هواجس، ونادرًا ما يكون قادرًا على خلق جسر مفتوح بينه وبين صانع القرار أو حتى بينه وبين الجمهور، فيصب لعناته على الجميع ينعت السلطة بالاستبداد وينعت الشعب بالجهل. 

13

منذ أن التقيت تلك الشابة الجميلة وأنا أشعر أننى على استعداد تام للقاء ربى لأحكى له باستفاضة عن سعادة استثنائية عشتها دون أن يكون مجهودى منصبا على نفع مباشر لى.. فقط استمتعت بالعطاء.. وهذا هو العمل الوحيد الذى أريد أن أخرج به من الدنيا لألقى به وجه ربى.