الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. يعول عليها اكتمال النظام السياسى فى الجمهورية الجديدة المعارضة الوطنية «الإيجابية».. ضرورة ديمقراطية

الطريق الثالث.. يعول عليها اكتمال النظام السياسى فى الجمهورية الجديدة المعارضة الوطنية «الإيجابية».. ضرورة ديمقراطية

«من الأمور التى أكدتها جلسة محاكاة الحكومة المصرية، هو حقنا كمصريين فى أن نتكلم وننتقد الحكومة بحرية وموضوعية، ونموذج المحاكاة الذى شرفه الرئيس بالحضور لم يكن هدفه فقط الشباب من المشاركين بل أيضاً استهدف جمهور المشاهدين الذين تابعوا جلسات مؤتمر الشباب عبر شاشات التليفزيون، فوصلت رسائل (المحاكاة) إلى الجميع، ونختصرها فى جملتين:طالما هناك أداء حكومى، يكون هناك تقييم لهذا الأداء سواء من الرئيس أو الشعب، وعلى الشعب أن يتعلم ذائقة النقد الموضوعى البناء، الذى يؤدى إلى دفع الدولة إلى الأمام». 



كانت هذه مقتطفات من حديثى لبرنامج «مساء dmc» فى نهاية يوليو من عام 2019، حملته إشارة صريحة لأهمية وجود معارضة وطنية، واقتراب ميلادها الجديد فى الشارع السياسى المصرى، جاء ذلك فى سياق التحليل والتعليق على فعاليات المؤتمر الوطنى السابع للشباب، الذى كان منعقداً فى العاصمة الإدارية فى ذاك الوقت، وحمل هذا المؤتمر عدة رسائل مبشرة عن مشروع الجمهورية الجديدة، الذى تجمدت إرهاصاته السياسية الإصلاحية بفعل (كورونا) وما تبعها من إجراءات احترازية عطلت الكثير من طموح الدولة فى استكمال بناء نظامها السياسى برؤية عصرية تؤسس لمستقبل يليق بمصر.

وقد تأكد صحة ما طرحته واتفق معى فيه كثير من أهل الفكر السياسى المستنير، وحدث حراكً فى الملف السياسى واتجاه ديمقراطى تدعمه الدولة بما يتناسب مع رؤيتها (ورغبتها) فى «التنمية السياسية»، وتحقق ذلك بالخطوة الرئاسية المبشرة والمباشرة نحو الهدف فى أبريل الماضى، والتى شهدت ظهوراً مفاجئاً لبعض رموز المعارضة (التقليدية) فى حفل إفطار (الأسرة المصرية) قبل أيام من نهاية شهر رمضان المبارك، والذى أعلن فيه الرئيس السيسى دعوته التاريخية للحوار الوطنى تحت شعار «الوطن يتسع للجميع.. والاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، ثم توالى العفو الرئاسى عن المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا من غير المتورطين فى عنف، ولا ينتمون لجماعات إرهابية، وهو ما قوبل بارتياح شعبى وتفاؤل كبير فى الشارع المصرى.

وكانت مصر بعد ثورتين، قد تهدم نظامها السياسى كليًّا، بعد أن كان قد تصدَّع جزئيًّا جراء زلزال يناير 2011، ثم سقط وانهار تماماً تحت أقدام محمد مرسى وجماعته فى جريمة سياسية مكتملة الأركان، دفعت المصريين إلى حافة الهاوية فى 30 يونيو 2013، قبل أن يلبى قائد الجيش عبد الفتاح السيسى نداء الوطن، ويتدخل بـ «خارطة طريق» فى 3 يوليو، أنقذت البلاد من خطر الانقسام والضياع، دعمه تفويض شعبى غير مسبوق حصل عليه لمحاربة الإرهاب ومواجهة التحديات التى تواجه الوطن. 

وكانت الفرصةً مثاليةً لإعادة بناء الدولة المصرية من جديد، ويمثل «الحوار الوطنى» ما يمكن أن نسميه نقط انطلاق (الجزء الثانى) من عملية إعادة هيكلة النظام السياسى المصرى، أما (الجزء الأول) فهو الممتد من انتخاب الرئيس فى يونيو 2014، مروراً بانتخابات مجلس النواب عام 2015، وصولاً إلى تعديل الدستور فى عام 2019، ثم انتخاب البرلمان بمجلسيه (النواب والشيوخ) فى عام 2020، وخلال هذه السنوات تم اقتلاع جماعة الإخوان المارقة من جسد الدولة المصرية، وحماية استقرار الدولة وإعادة الروح لعملية التنمية والإصلاح بشقيه السياسى والاقتصادى، وتم فيها كشف الساسة المرتزقة من الذين تلوثت أيديهم خلال سنوات ما سمى بالربيع العربى، وأخيرًا نثرت بذور الأمل فى صحراء الأجيال الجديدة من الشباب.

وقد بدأت الدولة مبكراً فى عهد الرئيس السيسى وبتوجيهاته فى تنفيذ خطتها المتدرجة لتصعيد الشباب، باعتبارهم «العمود الفقرى» لأى نظام سياسى فاعل ومؤثر، وذلك من خلال برامج تدريب وتأهيل، فتخرج بعضهم من أكاديمية الشباب وانضم آخرون إلى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والتحق الكثير منهم بالبرنامج الرئاسى المؤهل للقيادة، وكلهم أصبحوا نواةَ مشروع «السيسي» السياسى، شاركوا فى تنظيم مؤتمرات الشباب المتعددة وفعالياتها الملهمة، التى أرى أنها كانت أهم حدث سياسى فى مصر خلال حكم الرئيس السيسى، والذى لم يخفِ تأثُّرَه (مع الشباب) بالتجربة الفرنسية التى أطلقها شارل ديجول عقب الحرب العالمية الثانية، وهو يعيد بناء بلاده المنهارة بعد الحرب، فى كل المجالات، ليؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة.

ومصر أيضا تحيا عصرًا جديدًا وجمهوريةً جديدة، جرى تشييد أهم ملامحها فى السنوات الثمانية الماضية، دفعها للوجود منطق «الضرورة»، وصارت حقيقة تتجسد بفضل الله الذى رزق مصر قائداً حكيماً يدير شئون البلاد من قصر الاتحادية بعقيدة وفكر مواطن مصرى أصيل من حى الجمالية الشعبى، وينجز فى أخطر مرحلة من تاريخ مصر والعالم، أصعب مراحل البناء لتأسيس أركان النظام الجديد.. الجمهورية الثالثة، بعد جمهوريتى «يوليو 52»، و«أكتوبر 73».

وبحسب موقع هيئة الاستعلامات المصرية، فإنه «فى عام 2018 بلغ عدد الأحزاب 104 أحزاب سياسية مسجلة رسميًا فى نظام الدولة، ومعتمدة من لجنة الأحزاب»، ويصف الموقع التجربة الحزبية بعد 30 يونيو بأنها «شهدت طفرة كبيرة»، ويؤكد على «أن الأحزاب المصرية الآن فى اختبار سياسى هام بعد توجيه الرئيس بحوار وطنى يهدف لتحديد أولويات العمل خلال المرحلة الراهنة، اختبار يمكن أن تُقاس عليه قدرة الأحزاب المصرية على المشاركة الفعلية فى صناعة القرار المصرى».

ويفرض السؤال نفسه، ما هى ضرورة وجود معارضة سياسية؟، ولماذا لا يكتمل البناء السياسى للدولة إلا بوجودها؟، والبحث عن إجابة يدفعنا إلى مراجعة تعريفات السياسة وعلومها، والتعرف على الديمقراطية أساس النظم السياسية ومحور ارتكازها، والتى لا يتحقق وجودها إلا ببزوغ معارضة قوية فى مواجهة نظام حكم منتخب، معارضة قادرة على أن تخلق مناخاً تنافسياً يشيع الحيوية فى المجتمع، ويدفع الجماهير للمشاركة الحقيقية، سواء فى صناعة القرار أو فى تحمل نتائجه، وهو ما يجنب البلاد مخاطر الاحتجاجات الثورية والصدمات والمصادمات السياسية، التى تؤثر بدورها على انتظام عجلة الاقتصاد مما يؤثر على حياة الأفراد، فيتحول الوطن الجامع إلى قبائل متناحرة. 

وأنقل لكم مما نشرته فى كتابى «حركة شباب: هوامش على دفتر الغضب» الصادر فى يناير عام 2020، تحت عنوان: «كيف نبنى معارضة وطنية؟»، والذى أكدت فيه قائلاً: لقد افتقَدَتْ مصر خلال تاريخها الحديث أيَّ معارضةٍ وطنية منظَّمة وفاعلة، إلا فى أحوال نادرة يصعب تذكُّرُها وسط زحام من المواقف المخزية للمعارضة المصرية عبر تجاربها المحدودة، سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها، فلقد تفجَّرَتْ كل الحركات والأحزاب المعارضة من رحم فكرة «كيد النسا» التى يحكمها آلية عمل وحيدة هى «فَرْش الملاية»، فبقيت هذه المعارضة محصورة دائمًا فى ركن «رد الفعل»، فلم تصنع أى مبادرة صادقة مستندة على زخم شعبى حقيقى وتحرُّك سياسى ناضج، بعيدًا عن أى شبهات للتمويل والدعم الخارجى، أو الانتماء لأجندة أو أفكار ذات مرجعية غربية. 

ولعل الفرصة مواتية الآن لبناء معارَضة جديدة، تناسب عصرًا جديدًا، وجمهوريةً وليدةً تتأهَّبُ لتأخذ وضعها بين الجمهوريات العريقة فى العالم. وأولى خطوات البناء الجاد للمعارضة (فى رأيى)، هى إقرار قانون جديد وعصرى ينظم الحياة السياسية فى مصر، تتصدر بنودَه شروط حاكمة لعملية تأسيس الأحزاب وشروط أكثر تنظيمًا لممارسة العمل السياسى، ويجب أن يمنح القانونُ فرصةً لتوفيق الأوضاع للأحزاب القائمةِ وتشجيعِها على الاندماج لتكوين قوى معارضةٍ حقيقية، كما يجب أن يمنح القانون الجديد سُبُلَ تمويلٍ للأحزابِ التى تنطبقُ عليها الشروط، وتسهيلات قانونية وإجرائية لتتخلص هذه الأحزاب من سطوة رجال الأعمال ونفوذهم. 

وأظن أن الأفاضل القائمين على الحوار الوطنى يناقشون الآن مثل هذه الأفكار فى المحور السياسى بلجانه المتنوعة، وإن شاء الله يصلون إلى ما فيه خير الوطن.