الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. أبناء الحياة

الحقيقة مبدأ.. أبناء الحياة

كنا جميعًا لسنا أبناء أسَرنا وحسب؛ بل أبناء الحياة ودون أدنى خوف من الموت، لم تكن الهزيمة فى 67 موتًا ولا يأسًا ولا دفعتنا دفعًا محمومًا لفقدان الأمل فى الوطن وفى قدرتنا على تحرير الأرض المسلوبة، لم ننادِ برحيل جمال عبدالناصر ولم نسجد لله شكرًا على انكسار الحلم.



بل كانت الهزيمة هى بدايتنا الجديدة لنرفع سقف الأحلام ونرفض تنحّى الزعيم جمال عبدالناصر.. هذه ليست شهادتى المجروحة ولكن لأجل التاريخ الذى سيمر على أجيال لا نريد لها أن تنسى المصريين الذين وقفوا خلف قائدهم لأجل معركة البناء.. بناء للجيش واستعادة الروح قبل الأرض. 

ثلاثة من أخوتى كانوا من ضباط القوات المسلحة وأنا أتوسطهم: 

حسين بالصاعقة والشهيد كمال- رحمه الله- بالصاعقة أيضًا وأخى الأصغر- رحمه الله- محمد نجيب بالقوات البحرية، نشأت وتربيت هكذا بين أب مُعَمَّم برداء الأزهر الشريف وأمّ مصرية خالصة وثلاثة ضباط بالجيش المصرى، أمّا بقيتنا فاخترنا مستقبلاً آخرَ مع وحدة المَصير والهدف. 

جلستُ مع ابنى وابنتى أحكى لهما عن مُظاهراتنا فى جامعة عين شمس ننادى بالحرب على العدو ومَهما كان الثمَن ورويت لهما مناقشاتنا فى مجلة «روزاليوسف» التى شرفتُ بانتمائى لها منذ نصف قرن الآن.. أحكى عن شعب توحّد على هدف وحلم وتمسّك بمبادئه دون تملص التبرير.. شعب تشبث بقيمه العُليا حتى إن مَن كان لصًا سارقًا لم يسمح له ضميرُه بأن يجرح جيوبَ أخوته المواطنين؛ قد يراها البعضُ مفارقة كوميدية إلا أننا فى مصر نراها رومانسية الحالمين ونُطلق عليها «المعدن المصرى الأصيل».

من اللافت جدًا أن كل الكليات العسكرية أو حتى المدنية التى تعنى بعلوم الحرب؛ تناقش حتى الآن كيفية انتصار المصريين فى 73 رغم تفوُّق العدو فى السلاح والعتاد وبالطبع الدعم الأمريكى المفتوح دون قيد أو شرط!! بل إن العالم يناقش ذلك مناقشة موضوعية لا تخلو من اعتبارها معجزة أو مَلحمة إغريقية، لم ينسَ العالمُ أن ينظر إلى نصر أكتوبر باعتباره دُرَّة التاج لخَمس سنين من المَعارك خلف خطوط العدو ومُدن القناة. 

السؤال هنا؛ كيف لدولة مهزومة ومُحَمّلة بالديون أن يمتلك شعبها/جيشها هذه الروح الوثابة والممتلئة بالحياة، كيف لدولة يراها العالم فى أدنى درجات السِّلم الاقتصادى والبحثى والتعليمى أن تمتلك من العقول ما مَكنها من تطوير سلاح إمّا قديم أو متهالك بل يعمل جيشها بتكتيكات عسكرية بقدر ما هى معقدة بقدر ما هى سريعة وفاعلة لمدة خَمس سنوات كاملة (حرب الاستنزاف) أنهكت العدو وزعزعت ثقته بنفسه؛ بل أنهت روحه القتالية.. هل يستطيع أى عقل عسكرى فى العالم أن يضع تحليلاً أو يمنطق هزيمة 3 ألوية مدرعة ولواء مظلات تحت قيادة ضابط عُرف بتوحشه وشراسته «شارون» على يد كتيبة صاعقة مصرية واحدة فقط؟! 

نطقها «شارون» بنفسه حين قال «شاهدت عشرات المَذابح فى حياتى ولكننى لن أرى أبدًا مثل ما حدث لنا على يد المصريين».

«كاد المصريون أن يلقوا بنا فى البحر».. هكذا كانت شهادة جولدا مائير.. وهذا ليس استرجاعًا لذكريات من زمنٍ كنا جميعًا فيه نحلم حتى تحقق هذا الحلم.. هذه شهادة لأجل جيلٍ حالى لا يعيش الحلم ويرفض التحليق عاليًا، لأجل جيل أصغر لم تحكِ له الأمهات حواديت المَهد عن أبطال العائلة وأبناء الجيران.

حكيتُ لأطفالى كيف استشهد خالهم كمال فى اليمن ولم نتوقف عن الحلم وكيف عاد خالهم نجيب من بورسعيد لرأس البر عائمًا بعد أن أغرق هو ورفاقه بارجة العدو.. حكيت لهم عن جارنا عباس الذى تلقى الرصاصة فى كتفه وهو يحرر سيناء.

لم نتوقف عن الحلم ولا عن حب الوطن..