السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الخط الفاصل بين العمل الحزبى والمجتمع المدنى.. كراتين المواد الغذائية..  لن تصنع توعية سياسية!

مصر أولا.. الخط الفاصل بين العمل الحزبى والمجتمع المدنى.. كراتين المواد الغذائية.. لن تصنع توعية سياسية!

إذا كان وجود الأحزاب السياسية بشكل فعال وحقيقى ومؤثر هو دليل على حيوية المجتمع ومشاركة المواطنين فى صناعة مستقبلهم، فأن وجود مجتمع مدنى قوى هو دليل على مدى الشعور بالمسئولية المجتمعية فى دعم جهود الدولة خاصة فى مجال التنمية. ولكن الخطر هو تلك الحالة من الخلط بين دور كل منهما، وما يترتب على ذلك من ضياع هدف عمل كل منهما، والوصول لنتائج مشوهة.. ضررها أكثر من نفعها للعمل العام.



يترتب على تلك العلاقة العديد من الأسئلة الشائكة: ما هو التعريف الدقيق بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى؟ وما الفرق بينهما؟ وما هى المساحات المشتركة، وهل بينهما تناقض أم تكامل؟ وهل خصوصية كل منهما تصب فى الصالح العام؟ وما هو المنتظر منهما؟ 

 حزب سياسى أم مجتمع مدنى..

هناك تعريفات عديدة لمفهوم الأحزاب السياسية، ولكن يتفق جميعها فى كون الحزب هو تنظيم قانونى يسعى إلى الوصول إلى تولى السلطة الحاكمة والمشاركة فيها، وممارسة الحكم وفق برنامج حزبى «سياسى واجتماعى واقتصادى». وذلك من خلال حصوله على دعم المواطنين ومساندتهم له باختيارهم.. دون إجبار.. لإيمانهم بأفكاره واعتقادهم فى مبادئه وأهدافه السياسية.

ولذا يعد الحزب.. وسيلة من وسائل ممارسة الشأن العام السياسى لما لديه من قدرة على تنظيم انضمام المواطنين له باعتباره حلقة الوصل بينهم وبين الحكومة، كما أنه المنوط به توفير مرشحين من أصحاب الخبرات والكفاءات سواء للمناصب العليا أو للانتخابات بجميع أنواعها.

يهدف أى حزب سياسى إلى: توعية المواطنين سياسيًا. وتدريب كوادر متميزة على مسئولية قيادة العمل العام. وتنمية اتجاهات وبرامج اجتماعية واقتصادية، وقيادة الجماهير لتنفيذها. ومنع الاستبداد وكشف الأخطاء. ونقد الحكومة لتقييم أدائها وتطويره.

أما المجتمع المدنى.. فهو الذى تكونت منظماته ومؤسساته بشكل مستقل عن سلطة الدولة. ويقوم بشكل أساسى على مبدأ التطوع سواء بالجهد أو الفكر أو التبرعات من أجل تقديم خدمات مباشرة أو غير مباشرة لتلبية احتياجات المجتمع وتحقيق الرفاهية الاجتماعية للمواطنين.. وهو يستند فى سبيل ذلك على العمل الاجتماعى لتحقيق المصالح المشتركة. ويندرج تحت مفهوم المجتمع المدنى: الأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والمنظمات التنموية غير الحكومية، والحركات الاجتماعية، والنقابات العمالية، والنقابات المهنية، ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها. وهى جميعها تطوعية، وغير حكومية، وغير هادفة للربح، ولها كيان قانونى مستقل، ولها تأثير فعال فى المجتمع.

ويمكن تحديد مجالات عمل المجتمع المدنى فى: برامج الرعاية الاجتماعية، وبرامج المشاركة فى تحقيق التنمية، وبرامج إعداد المواطنين وتأهيلهم للقيام بدور إيجابى فى عمليات اتخاذ القرارات على المستوى المحلى والوطنى.

 

مساحات مشتركة أم متعارضة..

قطعًا هناك مساحات بين كل الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى. وهى جميعها تهدف إلى تغيير ميزان القوة فى المجتمع.. تحقيقًا لأهداف وطنية لصالح فئات وشرائح بعينها. وإذا كان هدف الحزب السياسى هو تحقيق أهداف سياسية محددة للوصول للحكم أو المشاركة فيه من خلال برامج وإجراءات تنفيذية. فإن هدف المجتـمع المدنى هو التوعية بدفع عمليـة الديمقراطية بمراقبة الحـملات الانتخابية والتصـويت ونشـر التقـاريـر بحـياد وموضـوعية.. من أجل النجاح فى رفع درجات مستوى المسئوليـة المجتمعية والمحاسـبة والشـفافيـة.. بعيدًا عن ترجيح أو توجيه المواطنين لصالح حزب أو مرشح محدد.

وهو ما يعنى أن مسألة الحصول على السلطة أو المشاركة فيها.. يمثل الفرق الرئيسى الدقيق بين الأحزاب السياسية وبين المجتمع المدنى.. وهو ما ينطبق أيضًا على حيثيات مصادر تمويل كل منهما وأسبابه وأهدافه.

تمويل وتوجيه..

تمول الأحزاب من خلال مصادر خاصة وعامة.. تحددها لائحة الحزب وقوانين مباشرة الحقوق السياسية. مصادر التمويل الخاصة من خلال اشتراكات الأعضاء، والاشتراكات التى تحصلها الأحزاب من أعضائها بالبرلمان أو كبار شخصيات من الأعضاء. بالإضافة إلى التبرعات من مصادر وطنية سواء أشخاصا طبيعية أو اعتبارية. أما مصادر التمويل العام، غير مباشر من خلال تمكين الأحزاب إعلاميًا وتخفيض قيمة تبرعات الأشخاص الطبيعيين من الضرائب، وإعفاء الأحزاب من بعض الرسوم والضرائب. أما التمويل المباشر.. فى شكل مساعدات مالية تدفعها الدولة مباشرة للمجموعات البرلمانية التابعة للأحزاب داخل المجالس النيابية من خلال الاستعانة بالخبراء والمتخصصين لتدارس الموضوعات المختلفة بما يساعدهم ويدعم العمل البرلمانى، أو قيام الدولة بالدعم المالى للأحزاب التى لها مقاعد برلمانية أو دعم النشاط الثقافى للأحزاب.

أما المجتمع المدنى.. فيعتمد فى تمويله سواء داخليًا «محليا» أو خارجيًا «دوليًا» على التبرعات وتمويل مشروعات التنمية وبرامجها. ويعتمد التمويل الخارجى على المشروعات والبرامج واضحة الأهداف ومحددة المدة من جهة، وحسب اهتمامات الجهة المانحة بقضايا محددة من جهة أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر: قضايا الجندر والمساواة والمواطنة والطفولة والبيئة والرعاية الصحية. ومع ملاحظة أن هناك البعض القليل من الجهات الخارجية المانحة التى تفرض أجندات محددة لصالح تحقيق أهداف موجهة لصالح تحقيق رؤيتهم، وهو ما يمكن أن يتعارض مع رؤيتنا الوطنية وأمننا القومى.. مثلما حدث مع بعض منظمات المجتمع المدنى التى وافقت على العمل ضمن هذه الأجندات وتقديم التنازلات فى مقابل اقتناص التمويلات.

ويظل المشترك الثابت بين تمويل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى هو شفافية التمويل وخضوعه للمحاسبة وأدوات الشفافية.

 كراتين.. كراتين..

خلال الفترة الماضية، قامت بعض الأحزاب ذات الإمكانات والقدرات المالية بتوزيع كراتين أغذية على المواطنين، كما قام بعضهم بعمل «شادر» لبيع اللحوم والمواد الغذائية بأسعار مخفضة، فضلا عن أماكن بيع احتياجات الطلاب المدرسية.

والأفضل أن ننتبه لهذا الأمر، ونوقف تبادل الأدوار بين العمل الحزبى والعمل المجتمعى. وربما يكون الحل هو إنشاء جمعيات مجتمع مدنى لتكون وسيلة العمل الاجتماعى لتلك الأحزاب حسب القانون، ومن أجل الحفاظ على خصوصية الأحزاب فى تحقيق التوعية من أجل تفعيل حياة سياسية حقيقية ومنضبطة. وأعتقد أن تجربة جماعة الإخوان الإرهابية وغير القانونية لا زالت نصب أعيننا ولن تنساها ذاكرتنا الجمعية.. عندما اختزلوا الحق الانتخابى للمواطن المصرى بالمقايضة للحصول على صوته فى مقابل «زجاجة زيت» و«علبة سمن».

 

ثوابت..

كتبت قبل ذلك على صفحات مجلة «روزاليوسف» أن الحياة السياسية الفعالة هى التى تسمح لكل مواطن مصرى أو حزب سياسى بالحق الكامل فى التأييد أو المعارضة. التأييد بأقصى درجاته، والمعارضة بكامل طاقتها فى النقد وتقديم البديل العملى القابل للتنفيذ بعيدا عن التنظير السفسطائى.. البعيد كل البعد عن تقديم أى حلول واقعية لما نعانى منه، وبعيدا عن خطاب التشكيك الحنجورى الرنان الذى يضر أكثر مما ينفع بسبب ما يترتب عليه من صخب كرتونى افتراضى وهمى. من حقنا أن نعترض دون أن نخرب الدولة ونسقطها، ولكن فى سبيل تقديم بدائل وحلول أفضل. وهو ما يعنى أن الاختلاف والاعتراض على سياسات الدولة ونقدها ليس من المحظورات والمحرمات حسبما يحاول البعض أن يروج لتلك الفكرة الفاسدة.. لمحاولة تصدير الأمر باعتباره رفضا للرأى المعارض، رغم أن حقيقة الأمر تؤكد أن المرفوض هو الفوضى السياسية والحوارات الجدلية التى تثير الانقسام دون أى فائدة سياسية حقيقية. وما يحدث من متغيرات.. يؤكد أننا قد دخلنا مرحلة جديدة فى ترسيخ الجمهورية الجديدة، وهى مرحلة تتسم بالحراك السياسى بإيقاع سريع على عكس حالة الثبات والجمود التى عانينا منها لسنوات طويلة.

نقطة ومن أول السطر..

لا زلت أرى أن الضمان الأساسى لنجاح الحوار الوطنى هو أن الدعوة له موجهة من رئيس الجمهورية مباشرة، وهو ما يعنى أنها تعبر عن إرادة وطنية ومصداقية حقيقية. وعلى الجميع.. وفى مقدمتهم الدولة بأجهزتها دعم تحقيق نجاح هذه الإرادة.

وأعتقد فى أهمية أن يتناول الحوار الوطنى فيما يخص الشأن السياسى.. المطالبة بالفصل الحقيقى بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى، وتأكيد عدم الخلط بينهما أو تبادل الأدوار.. للوصول لتحقيق الدولة المدنية المصرية التى تستند إلى مرجعية الدستور والقانون، وآلية عملها تحقيق المساواة ونفاذ العدالة الناجزة المرتكزة على قيم المواطنة.

الاهتمام بتلك الملفات الشائكة هو فى حقيقة الأمر.. بمثابة استكمال لخريطة طريق ثورة 30 يونيو العظيمة.. والتى بدأ معها الإصلاح الذى يستهدف انطلاق تأسيس الدولة المدنية المصرية، دولة نفاذ القانون والعدالة الناجزة والمساواة.

ليس بالخبز وحده.. يحيا الإنسان، ولكن باستخدام العقل والتفكير والتحليل.