الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. ما قِيلَ وما لم يُقَلْ عن «جورجيا ميلونى»

عكس الاتجاه.. ما قِيلَ وما لم يُقَلْ عن «جورجيا ميلونى»

فى حى (جارباتيللو) بالجنوب الإيطالى، حى العمال والفقراء والذى يُعَدُ مَعقِلًا لليسار القديم ترعرت فى بيت جدتها، وكانت قد وُلِدَت فى روما لأب ينتمى للحزب اليسارى وأم يمينية شديدة التطرف، ولم يتنازعها الطرفان إذ هجرهما الأب وهى لا تزال رضيعة، لتشكل الأم كل ملامح الابنة والتى ستكون فيما بعد أول رئيسة وزراء امرأة فى تاريخ إيطاليا، وأول رئيسة وزراء تنتمى لليمين الشعبوى الإيطالى الذى عفا عليه الزمن مع موت «موسولينى»، والذى لا يتشابه كثيرًا مع شعبوية «دونالد ترامب» الفجة ولا «مارى لوبان» الشرسة، لكن صلة الدم والعيش والملح، والصدر الذى يَحِنّ يجمع كل اليمينيين مُرغَمين وطائعين فى سلة واحدة.



جورجيا الطفلة ذات العام الواحد والتى فارق أبوها أمَها للأبد انتمت لكل ما تعتنقه وتنتهجه الأم من فكر يمينى متطرف كارهةً ومناهضة لكل ما كان يمثله الأب من قيم وأفكار ورؤى، كانت قد خلعته من عقلها وقلبها وضميرها وكان أن اعتبرت «موسولينى» والدها.

وفى ذات الوقت نمت واعتنقت كل القيم كمسيحية متدينة تتجنب المثليين وتدينهم علنًا فى عملها كصحفية وكنائبة فى مجلس النواب، وفى ذات السلة وضعت كل لاءاتها.. اتخذت موقفًا حادًا تجاه الإجهاض وزنى المحارم والمهاجرين المسلمين والمِثلية الجنسية بالطبع وطوال الوقت لم تنسَ أن تمنح تحيةً كبيرة بملء الكف الأيمن لمعلمها ووالدها الروحى «موسولينى» وإن اختلفت عنه كليةً فى كثير من المبادئ والسلوك -كما تقول- بل وتبرأت علنًا من نعتها بالفاشية.

هُنا وُضِعَت «جورجيا» فى بؤرة الضوء وبؤرة الحدث وبؤرة (إستيجماتيزم) التقييم خاصة حين أعلنت عن رغبتها فى طرد المهاجرين الذين أفقدوا إيطاليا هويتها راغبين وعاملين لتحويلها إلى ما يشبه دولتهم الإسلامية التى فروا من قيودها ومشايخها متسائلة: لماذا لا يعودون للعيش فى البقعة التى تتسق وأفكارهم حيث هُويّاتهم ولماذا يرغبون فى تغيير هُويّتنا؟.. والله الست عدّاها العيب. 

ليس صحيحًا أن «جورجيا ميلونى» أصبحت على ما أصبحت عليه من أفكار ومناصب لأنها (كانت فقيرة تبيع الخيار والطماطم فى السوبر ماركت مع أمها)! فكل الأوروبيين والأمريكان لا تعيبهم هذهِ المِهَن ولا تحدد انتماءاتهم السياسية، انخرطت «جورجيا» فى اليمين الذى قادتها والدتها إليه منذ نعومة أظافرها وكأن الأم تصفع طليقها مائة قلم على صفحة وجهه لتركه لهما فارًا إلى امرأةٍ أخرى فى بلادٍ بعيدة حيث انقطعت أخباره، فكان أن قطعت الأم عنه صلة رحم ابنتها به وأقصتها عن اليسار وزرعتها فى رحم وحضانة وتربةٍ يمينية.

طرقت Giorgia Meloni أبواب السياسة والعمل العام والخطابة منذ تعليمها الجامعى إذ كانت تتمتع بطلاقة اللسان والزعامة الشعبية مبكرًا شأنها شأن نساء برج (الجدى) صاحبات المزاج العنيد -مولودة فى 15 يناير - وبسهولة شقت طريقها نحو عضوية مجلس النواب والصحافة وتزوجت صحافيًا إيطاليا يُدعى «جيامبرونو» والتحقت بحزب (إخوان إيطاليا) المتهم باليمينية الموسولينية، وسرعان ما اختارها «بيرلسكونى» عام 2008 وزيرة للشباب والرياضة، ويمكن اعتبارها (تربية بيرلوسكونية) أكثر منها انتماء للفكر الفاشى الموسوليني.

ثم كانت المفارقة العجيبة التى تطرح ألف سؤال،أحد أهم هذه الأسئلة هو: من كان خلف الفوز الكاسح ل«جورجيا» ومن دفع الأموال لها وللناخبين، ثم من دفع بها للفوز بنسبة 26% فى المائة من الأصوات وبعد اندماجها مع عدة أحزاب حصلت على الأغلبية 63% النسبة التى مكنتها بالفوز برئاسة الوزراء الأسبوع الماضى وهى التى لم تحصل سوى على 5.4% من أصوات الناخبين عن ذات الحزب عام 2012 ؟ فمن صنع هذا الفارق؟ وكيف؟ وما هى الأسباب التى جعلت الناخبين الإيطاليين المعروفين فى أغلبيتهم بأنهم من ذوى الميول اليسارى يختارون هذا الحزب فجأة ويقعون فى غرامه؟ 

الإجابة:

1- يقولون إنها ألعاب وفلوس «بوتين» الذى يجمع كارهى أمريكا فى سلته! رغم أنها بعد فوزها سرعان ما طمأنت الإيطاليين والأوربيين بدعمها لأوكرانيا ورئيسها؟ 

2- يقولون «ترامب» ونفوذه وفلوسه، وهو الذى أرسل سكرتيره السابق الخاص «ستيف بانون» إلى إيطاليا ليكون أول المهنئين لها وخطفت صورتهما على المسرح لحظة فوزها بحكم إيطاليا كل الأضواء.

3- ويقولون أن من دفع بها للفوز هو أحد أباطرة الظل الشعوبيين الذين يقودون العالم الآن ضد هيمنة القطب الأمريكى الواحد، الشعوبيون الذين يثقلون كفة الميزان الدولى تجاه جمع أثقال من هنا وهناك، أثقال يمينية متطرفة، كفة الميزان التى ظلت منذ نهاية الحرب الثانية تتأرجح عالية فى الفراغ.

يقولون ويقولون، لكنها يقينا هى من قادت طريقها الصعب بطموحها وبأفكارها التى تسعى كي تعيد إلى إيطاليا شكلها القديم، وفى ذات الوقت تسعى كى تبتعد ببلادها عن المهاجرين العرب وعن سكة الاتحاد الأروبى الذى مزقته تبعيته لأمريكا، هى ترفض أن تصبح بلادها تابعة خادمة لأمريكا إنها اليمينية ضد تسلط القطب الأوحد ولا تحب أن تقف فى طابور الخدمة الأمريكى خلف ألمانيا أو انجلترا.

قالت بالحرف عقب فوزها فى الخطاب المُتلفز: «إنه يوم فخر ويوم فداء، وأضافت أنه يوم نصر ولقد اختارنى الإيطاليون ولن أخذلهم»، فى ذات التوقيت أعلنت مستشارتها Emiliana De Blasio والمتحدثة باسمها أن «جورجيا» باعتبارها أول رئيسة وزراء امرأة فى إيطاليا تصنع التاريخ لم تأتِ من أجل حقوق المرأة والدفاع عن الجمعيات النسائية لكنها جاءت من أجل إعادة صياغة هوية بلدها من جديد.. هل فسرت جورجيا للعالم هويتها اليمينية؟ هل اقتنع العرب والمسلمون؟