السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الثقافة الغائبة

الثقافة الغائبة

من المفاهيم التى لا غنى عنها فى أى عملية تطوير، أنه لا بد وأن تستبقها إجراءات بحث ودراسة وتأمين أساليب أعمال الصيانة لهذه المرافق، لنضمن الحفاظ على استمراريتها سواء كانت حكومية أو خاصة لأطول فترة زمنية ممكنة، حتى نضمن ونتأكد من تسليمها للأجيال القادمة فى حالة جيدة، ما نتحدث عنه يسمى بثقافة الصيانة والخدمات التى تهدف فى المقام الأول إلى إطالة عمر الموجودات (المشروعات) الشخصية أو العامة، وبالتالى عدم استنزاف الموارد التى من أجلها صرفت حال عدم صيانتها بانتظام، بالمناسبة هذه الثقافة تأخذ بها كافة دول العالم بهدف الحفاظ على تاريخها وثرواتها، وهذا تحديدا ما أتمنى أن نأخذ به فى بلدنا، لأننى أجزم أننا فى مصر نفتقد مثل هذه الثقافة، وأجزم أيضا أنها غابت بفعل فاعل عن أذهاننا نتيجة لأسباب وظروف عديدة، شارك فيها الجميع بداية من الأسرة التى لم تحسن تنميتها أثناء النصح والإرشاد وتعريف أولادها بالقدر الكافى بالفوائد التى تعود على الفرد والمجتمع من جراء أتباعها، وكذلك ساهمت المدرسة فى فقدها نتيجة لغياب دورها المكمل للأسرة فى تهذيب النفس والأخلاق، لاعتمادها على مناهج ليس لها من فائدة أو أهمية سوى تنشيط الذاكرة وأجاده الحفظ دون الفهم، خاصة وأن المدارس نفسها تعانى من سوء صيانتها، وأخيرا الدولة وأجهزتها التنفيذية التى غفلت لفترة طويلة من الزمن عن إصدار قوانين تجبر الجميع على العمل بهذه الثقافة، وشاركها فى ذلك البعض من موظفيها، أغفلوا عن قصد وتعمد القيام بدورهم الرقابى فى حصر المخالفات الناتجة عن عدم تفعيل ثقافة الصيانة، مقابل بعض المنح والعطايا (الرشاوى) من قبل المخالفين.



لذلك لم يعد بمستغرب لى أو لغيرى ما نشاهده اليوم ونسمع عنه من تكرار حوادث سقوط العمارات المشيدة حديثا جهارا نهارا أمام مهندسى الأحياء على ساكنيها، ومن تزايد حوادث وقوع المصاعد سواء فى المؤسسات العامة أو الخاصة التى أودت بحياة من بداخلها، نتيجة لغياب الصيانة، لتفكير البعض من أصحاب النفوس المريضة فى توفير أجور صيانتها، نتيجة انعدام الرقابة والالتزام بشروط الترخيص من قبل العاملين فى الأحياء، وحتى إن فكروا فهم يعتمدون على ورش بير السلم التى تستخدم قطع غيار مضروبة أضرارها أكثر من فوائدها، ناهيك عن صيانة الطرق التى صرف الكثير على إقامتها خصوصا فى الفترة الأخيرة والتى سرعان ما تصل إليها يد الأهمال من جراء عدم صيانتها أو تطويرها، أو إعادة شقها مرة أخرى لنسيان تركيب كابل كهرباء أو تليفون أو ماسورة مياه أو صرف صحى لن أتحدث كثيرا عن مراكز خدمة ما بعد البيع سواء للسيارات أو الأجهزة الكهربائية، التى يتعمد بعضها مص دم المواطن الذى فكر أن يشترى منهم، فهى تعمل وفق مبدأ كسب المال قبل حسن تقديم الخدمة بأمانة وشرف، وللأسف هذه الظاهرة استفحل أمرها وأصابت العديد من مراكز الخدمة الأخرى، التى كان من أهم ما يميزها ويميز منتجاتها خدمة ما بعد البيع، ونظرة إلى كم الشكاوى التى ترد يوميا لجهاز حماية المستهلك تؤكد تردى هذه الخدمة، ملحوظة: هناك الكثير من المواطنين الذين وقعوا ضحية لمنتج معيب سواء من الشركة الأم أو من مراكز الصيانة التابعة لها، لا يعرفون أصلا أين يوجد هذا الجهاز أو طريقة التواصل معه، خاصة أن سوق قطع الغيار فى مصر لمثل هذه المنتجات، أغلبها غير أصلية حيث يتم تصنيعها فى مصانع بير السلم التى غفلت أجهزة الدولة الرقابية عن ضبطها.

من أجل هذا وغيره كثير علينا أن نعيد صياغة تفكيرنا وأسلوب حياتنا وتربيتنا لأولادنا ومناهج تعليمنا وقوانيننا، حتى نتمكن من غرس ثقافة الصيانة فى أذهان الجميع طفل أو شاب أو رب أسرة أو مسئول، كل فى موقعه وطبقا لمسئوليته المجتمعية، لنضمن الأخذ بهذه الثقافة الغائبة عن حياتنا، والتى إن التزمنا بها سنوفر على نفسنا وعلى البلد الكثير من المال والجهد، لننعم بحياة هادئة مثل باقى الأمم التى لا تتوانى عن تفعيلها وتطويرها طبقا لمستجدات الحياة وما يطرأ عليها من تغيرات، خصوصا فى هذه الفترة التى يعانى فيها العالم بأجمعه من تدهور اقتصادى حاد، أخذ فى طريقه الكثير من الثروات والتى كانت مخصصة لتجديد وتحديث البنية الأساسية لبلدنا لخوض مسيرة التنمية التى ينشدها جل مصرى بدرجة أسرع.. وقتها فقط سنضمن بناء الإنسان وتحسين مستوى حياته.