الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«جحا».. والفاجعة

«جحا».. والفاجعة

يُعتبر فيلم (زينب) أهم تجربة فى السينما المصرية فى مرحلتها الصامتة.. وهو مأخوذ عن أول قصة مصرية تنشر من تأليف د.«محمد حسين هيكل» وإخراج «محمد كريم» وبطولة «بهيجة حافظ» و«زكى رستم» و«سراج منير» و«دولت أبيض» و«علوية جميل» الذين كانوا يقفون أمام الكاميرا لأول مرة.. والفيلم من إنتاج «يوسف وهبى» وقد عرض فى سينما «متروبول» بالقاهرة فى (12 مارس 2030).. وقد حقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا هائلًا بفضل واقعيته التى صورت مَشاهده الطبيعة الريفية فى أماكنها الحقيقية وأيضًا لنجاحة الميلودرامى فى إثارة مَشاعر وعواطف المتفرجين فى التفاعل مع مأساة البطلة الريفية المقهورة التى أحبت شابًا فقيرًا رفضه أهلها زوجًا لها وفرضوا عليها زوجًا آخر ثريًا.. فكانت تتسلل خفية لتلتقى بحبيبها الذى ما لبث أن استدعى للخدمة العسكرية.. فعانت «زينب» من فراقه الكثير وسقطت مريضة وفاضت روحها فى النهاية.. وهناك واقعة طريفة تتمثل فى فشل الممثل الذى أدى دور والد زينب- وكان أحد الريفيين من أبناء القرية- أن يبكى فى مشهد وفاة ابنته فطلب المُخرج من علوية جميل أن تجلس إلى جوار الكاميرا.. وعندما يدخل الأب الى غرفة ابنته ويراها جثة هامدة تصرخ علوية وتلطم وجهها وهى تردد «يا حبيبتى يا بنتى.. يا روح أمك يا زينب».. وما إن تدور الكاميرا.. وينتبه للصراخ حتى ينفجر باكيًا.. ويتم تصوير المشهد بنجاح كبير..



والحقيقة أن المعالجة الميلودرامية لسيناريو الفيلم كانت سمة أساسية من سمات السينما المصرية منذ مولدها فى فيلم (ليلى) وفى مجموعة كبيرة من الأفلام اللاحقة مثل (أولاد الذوات)، (أنشودة الفؤاد)، (كفّرى عن خطيئتك)، (الضحايا)... إلخ.

وانتعشت الميلودراما ونمَت وأينعت فى إنتاج أجيال متعاقبة حتى سيطرت تمامًا على مقدرات السينما المصرية.. ومن ثم فقد برز «حسن الإمام» و«عز الدين ذو الفقار» بأفلامهما التى تسعى إلى تحقيق عنصرَىْ الخوف والشفقة اللذين يميزان التراچيديا، وذلك بمبالغات فجّة لم يقصدها «أرسطو» فى كتابة فن الشعر والتى كان يقصد بها الخوف من انتصار النموذج الشرير على النموذج الخيّر.. أو الخوف من تمكن حُكم القدر الباطش على مصير البطل البائس.. والشفقة لحاله والحزن على مصيره الفاجع ذلك بسبب سطوة تصاريف الزمان اللعينة وتأثيرها المؤلم على حياة الإنسان المقهور.. ومن هنا فإن الميلودراما تعنى بتوالى النكبات وتتابع الفواجع وتواتر الكوارث.. وتستخدم الصدفة الممجوجة فى البناء الدرامى المتهافت للسيناريو فتدفع بالأحداث الدامية المتراكبة إلى الأمام وتأتى فى النهاية بحل العُقدة المستحكمة.. دون أن نهتم بالقضايا الاجتماعية أو السياسية التى يحفل بها الواقع.. لكنها تحتفل بإثارة المواقف المأساوية لاستدرار دموع النظارة وابتزاز عواطفهم.

وهناك فى المأثور الشعبى أطروفة «لجحا»  تعبّر تعبيرًا رائعًا وساخرًا عن معنى الميلودراما فحواها أنه غاب عن أهله أعوامًا.. ثم عاد وقد برح به الشوق إليهم.. فسأل أول من طالعه على قارعة الطريق: «أهُم جميعًا بخير؟».. قال: نعم اللهم إلا كلبك الأمين حيث أصابه سُعار فعض أخاك فقتلوه.. قال جحا: وما فعل الله بأخى؟!.. قال الرجل «هلك... فماتت أمك حزنًا عليه».. قال جحا: «وارحمتاه لوالدى المسكين».. قال له الرجل: «هوّن على نفسك.. فقد أراحه الله من زمن فقد قتله الحزن على أخيه الذى ذبحه اللصوص»..

ولولا أن «جحا» المسكين أدرك غراب البَيْن بضربه صرعته لزف إليه مَصارع أهله أجمعين.