الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. رؤيا لشيخ الأزهر تحمل بشارة النصر إلى الرئيس

الطريق الثالث.. رؤيا لشيخ الأزهر تحمل بشارة النصر إلى الرئيس

«اللهُمَّ بدرًا أخرى.. اللهم بدرًا تنصر فيها أولياءَكَ وتذلُّ فيها أعداءَكَ، اللَّهُمّ انصُرْ أولياءك الآن كما نصرتهم من قبل»، هكذا هتَفَ شيخ الأزهر الجليل وعالمنا الأصيل فضيلة الدكتور عبدالحليم محمود (رحمه الله)، فى أول خطبة للجمعة تلَتْ يومَ العبورِ العظيمِ فى السادس من أكتوبر عام 1973.



فاهتَزَّت أرجاء الجامع الأزهر وتهلَّلَتْ القلوب مع هتاف المصلِّين «الله أكبر»، الذى عانقَ تكبيرةَ جنودنا البواسل على الجبهةِ المصرية التى حَمَلَتْها قلوبُهُمْ ورددتها ألسنَتُهُمْ من الضفَّة الغربية ليعبروا معها من اليأسِ إلى الأملِ، ويزرعوا عَلَم مصر على الضفَّةِ الشرقيةِ لقناة السويس، «الله أكبر.. تحيا مصر».

 

وقد تعدَّدَتْ إسهاماتُ الأزهر الشريف وعلمائه وأبنائه الطلاب فى حرب أكتوبر المجيدة، وفى مجالاتٍ عديدة، فقبلَ وبعدَ هذه الخُطْبةِ الفارقةِ، تحوَّل الأزهر بقيادة شيخه الراحل إلى غرفة عمليات أثناء الحرب، وبالاتفاق والتنسيق مع وزير الأوقاف آنذاكَ، كان خطباءُ المساجدِ خليةَ نحلٍ فى دروسٍ دينية يومية لتبصيرِ الناس بضرورةِ الجهاد، وأنَّ أولادَهُمْ يخوضونَ أشرفَ المعاركِ ولو أُصِيبَ أحدُهُمْ أو استُشهِدَ فذلكَ مدعاةُ فخرٍ لأهلِهِ، وأيضًا حَثّهم على المشاركةِ المدنية التطوُّعِيَّة سواء بالتبرُّعِ بالدم فى المستشفيات أو حراسة المنشآت وحماية الكبارى الرئيسية والطرق ليلًا تحسُّبًا لأيةِ غاراتٍ أو مفاجآت من العَدُوِّ، حتى يتحققَ النصرُ بفضلِ اللَّهِ.

هذا النصرُ الذى حمل بشارتَهُ شيخُنا العارفُ باللهِ عبدالحليم محمود إلى الرئيسِ السادات فى يناير 1973 (وفقَ ما اتَّفَقَ عليهِ رواةُ القصة)، فقد ذَكَرَها الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور إبراهيم عوض فى كتابه «عبدالحليم محمود.. صوفيُّ زمانِنا» وأيضًا ذَكَرَها الدكتور محمود جامع مستشارُ الرئيسِ السادات، فى كتابِهِ «كيفَ عرفتُ السادات»، بل إن شيخَنا الراحلَ لَمَّحَ إليها سريعًا فى خطبته المشار إليها أعلاه، دون أن يذكُرَ أنه بطلُها (ذكر البعضُ أن صاحب الرؤيا الأصلى كان الشيخ صالح الجعفرى.. واللَّهُ أعلم).

وتروى القصةُ أن شيخَ الأزهرِ الراحلَ قد رأى النبيَّ عليه الصلاة والسلام فى منامه أثناء زيارته للمدينة المنورة عقب أدائه لمناسك الحج مطلع عام النصر، وأن النبى الكريم (وفق رؤيا الشيخ عبدالحليم محمود) كان يعبُرُ قناةَ السويس حاملًا راية «الله أكبر» ومعه رَهْط من الجند والصحابة وعلماء الإسلام. فاستبشر الشيخ خيرًا وأيقن بالنصرِ، وعندما نَقَل رؤياه للرئيس أكد له أنه بالفعل قد اتخذَ قرارَ الحرب بعد أن اكتملت جاهزِيَّةُ الجيش للقتال، وأن التنفيذ سيتمُّ وفقَ الخطةِ الموضوعة لذلك.

وكان الأزهرُ الشريف حاضرًا ومؤثرًا فى هذه الخطة قبل بدء العمليات العسكرية، حيث أسهم بدوره فى التأهيل النفسى للجنود والضباط، فقد نزل المشايخ مع الجنود إلى ساحة القتال، ورافقوهم فى الخنادق، وعاشوا معهم فى الثكنات العسكرية لتثبيتهم معنويًّا، وانطلقت كتائب العلماء بين الجنود لتخبرهم أن النصر لا يكونُ بقوَّةِ السلاح فقط، وإنما بقوَّةِ الإيمان، وبالصدق مع الله تعالى، وبوضوح الهدف الذى يُقاتِلُ من أجْلِهِ الإنسان، ويكون بالتوكل على الله: (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ).

ولعلَّ كلماتِ شيخ الأزهر فى خطبة «جمعة النصر» التى أشرت إليها فى أول المقال، هى خير دليل على أثَرِ الدور الأزهرى فى شَحْذِ هِمَّة الأمة قبل وأثناء المعركة، حيث خطب فضيلته، قائلًا: «مِنْ على منبرِ الأزهر، هذا الأزهرُ الخالد الذى تلجأُ إليهِ الأمَّةُ المصرية، تلجأُ إلى الله فيه عند الأزمات، ترجو الله أن ينصر، وأن يوفِّق، وأن يهديَ، من على منبرِ الأزهر الخالد نُعلِنُها باسم علماء الإسلام حربًا مقدَّسةً ونعلنها جهادًا فى سبيل الله، ومن على هذا المنبر، نرسل تحيَّتنا إلى القائد الأعلى وإلى جُنُودِنا الأبطال، الذين حققوا المعجزات ببطولتهم وبسالتِهِمْ».

وقد راجعت تصريحات إعلامية لنجل الشيخ الشعراوى، حكى فيها أن والده تشارك مع شيخ الأزهر فى نفس الرؤيا، وأنه قد نقلها أيضًا للرئيس السادات قبل الحرب، ولكنى لم أجد تأكيد لهذه القصة من مصدر آخر، بعكس رؤيا الشيخ عبدالحليم محمود، التى تكرر الحديث عنها فى أكثر من مصدر مختلف، وإن كان هذا لا يقلل دور إمام الدعاة فى هذه المعركة، حيث التقى الجنود على الجبهة فى زيارات متكررة، والقى عليهم من علمه ما يؤكد لهم فضل الجهاد والانتصار لدين الله والوطن.

وفى تسجيل نادر متاح على (YouTube)، لمحاضرة ألقاها الشيخ متولى الشعراوى على قادة وجنود القوات المسلحة المصرية فى ذكرى نصر أكتوبر 1973، حيث قال لهم: «أنا ومهمتى وأنتم ومهمتكم، نلتقى فى أننا جميعًا جنود الحق أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان»، وأوضح فضيلته أنه «حين ننظر إلى علاقة الحرف بالسيف أو علاقة الكتائب بالكتب أو علاقة اللسان بالسنان نجد أن أحدهما يكون فى خدمة الآخر، وعلى ضوء الخادم منهما والمخدوم يتعين منطق الحق ومنطق الباطل فإذا كان السِنَانُ جاء ليحمى كلمةً فذلك حق، وإذا كانت الكلمة جاءت لأن السِنانَ فرضها فذلك هو الباطل»، وأكد الشعراوى أن «السلاح دائمًا يخدم الكلمة، وأن الإسلام انتشر بالكلمة وبقوة الكلمة، وأنه لا إكراه فى الدين، لكن تأتى الجيوش والقوة والأسلحة لتحمى كلمة الحق والإسلام وتجعل حرية فى الأديان، وتواجه من يمنع كلمة الحق وتقر الدين الحق، وتترك كل شخص يتدين بما يشاء، فيكون السيف فى خدمة الحق».

وكانت جريدة «المصرى اليوم» قد حصلت فى عام 2015 على نسخة نادرة لكتاب «عقيدتنا الدينية طريقنا إلى النصر»، الذى وزعته وزارة الحربية على جنود الجيش المصرى عام 1973 لتحفيزهم على القتال، ومن المفارقات أن التاريخ المطبوع على الكتاب هو 30 يونيو 1973، أى قبل الحرب بنحو 3 شهور، وضم الكتاب مقدمة بقلم الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة إبان حرب أكتوبر، وتضمنت جملًا تحفيزية ودعوات لجنود الجيش المصرى بـ«الانتقام للشرف والكبرياء».

واحتوى الكتاب على 22 فصلًا وهى: «العقيدة الدينية، العلم أساس القوة والرقى، الحرية والكرامة الإنسانية، تربية النفس، الانضباط الذاتى، الطاعة، القيادة، التعاون، الإخلاص فى العمل، التدريب على السلاح، التربية البدنية، الحذر ودرجة الاستعداد العالية، الأمن والسرية، الإخلاص فى الحرب والثبات فى الميدان، مقاومة الأعداء فى الميدان، دور المرأة فى المعركة، عقيدة الجهاد فى سبيل الله، الصبر فى الجهاد، التحكم فى التذبذب العاطفى، النصر أو الشهادة، بشرى النصر على أعدائنا».

وأتمنى أن يعاد طبع هذا الكتاب، وتدريسه لطلاب المدارس فى مصر، ففيه خلاصة التجربة المصرية منذ فجر التاريخ وحتى سطوع شمس أكتوبر، أكتوبر 73 الذى ذابت فيه كل الفروق والاختلافات، وظهرت فيه الشخصية المصرية بعبقريتها وتجلياتها، وأبعادها الدينية والوطنية الكاملة والكامنة، هذا الكتاب يجب أن يكون «مانيفستو» الوطنية المصرية.