السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
نظرية الباز أفندى

نظرية الباز أفندى

فى فيلم (ابن حميدو) الذى تم إنتاجه عام 1957 جسّد الفنان الراحل توفيق الدقن شخصية تُعَد من الشخصيات المحورية فى الفيلم، وهى شخصية (الباز أفندى) الذى تعتلى مكتبه لافتة مكتوب عليها (ساقط توجيهى ووكيل أعمال وسمسار مَراكب وقبانى وبالعكس)، وهى ذات الشخصية التى سأل عنها الفنان إسماعيل يس (ابن حميدو) فى الفيلم: الفنان عبدالفتاح القصرى (الريس حنفى): «يطلع مين (الباز أفندى) دا يا معلم حنفى؟»، فيجيبه بكل فخر: «ده رجل مستوعب كل الأشياء وقارى. ده سمسار مراكب وقبانى ووكيل أعمال وساقط توجيهية يعنى شهر عقارى متنقل».. وهى للأسف الصفات أو لنقل المَلامح الموجودة الآن فى واقعنا الفعلى للعديد من الشخصيات والنماذج التى تدّعى معرفة جُل شىء والعالمة ببواطن الأمور المَخفى منها والمُعلن (يعنى بتاع كله) والتى ابتلى بها مجتمعنا ونشاهدها فى جُل وقت وحين، لدرجة أن البعض تمسّك بها لعلها تضفى عليه نوعًا من الوقار واللمعان، فراسب التوجيهية فى الفيلم قد يقابله فى الحياة العملية الآن العديد من حملة الدكتوراه المزيفة الحاصلين عليها من عدة دول مقابل المال، دون أن يتحركوا من أماكنهم، وإذا تَحدّثنا عن وكالة الأعمال وسمسار المَراكب والقبانى، ورُغْمَ أنها مهن محترمة؛ فإن البعض استغلها أيضًا فى أعمال غير محترمة، مثل وكيل أعمال اللاعبين الذى لا يهمه فى تعاقده مع اللاعب المتعاقد معه سوى عمولته، وكذلك السمسار الذى يُخفى عيوب السلعة أو الشقة لحين إتمام التعاقد أو البيع وأخذ النسبة المتفق عليها، ومثل من يجعل من شقته وكرًا للعب القمار أو تعاطى المخدرات مقابل مَبلغ قطعى لسيادته، (بالطبع أمثال هؤلاء ليسوا ببنى آدمين) وإنما هم فى حقيقة الأمر مشهلاتية سَخّروا ضميرهم لمن يدفع أكثر، ونفس الحال ينطبق على من يغش فى الميزان.. وعندما تجتمع مثل هذه الصفات فى شخص واحد فهى لا تعنى بالنسبة لى أو لغيرى سوى كون العديد من المحيطين بنا والطامحين فى تحقيق مصالحهم الشخصية حتى ولو على حساب الغير؛ ليسوا سوى نصابين أو فهلوية يجيدون التعامل مع كل العصور ويحترفون الفتى فيما لا يعلمون لتحقيق الفائدة دون جهد أو عناء، وهى الفائدة التى لا يستحقونها.



المؤسف أن هناك كثيرين فى مجتمعنا المصرى يتمنون أن يصبحوا مثل الباز أفندى، الذى سبق أن مدحه الريس حنفى فى الفيلم حين قال عنه: «دا راجل أنا ذات نفسى أستمناه»، وأضافت عنه أم حميدة: «دا عليه كرافتة ترد الروح».. فمثلما حققت نظرية الباز أفندى الربح والمصلحة دون بذل جهد أو عمل، وجعلت البعض الآخر منهم يناطح الكبار ويدّعى التفوق عليهم، أمثال هؤلاء أصبحوا يشكلون خطرًا على المجتمع يجب استئصاله على وجه السرعة، حتى لا يتحول الأمر إلى عقيدة تهدد الأمن المجتمعى وترسّخ للفساد والواسطة والمحسوبية، تحت حجج وأوهام زائفة بأن من يعملون وفق نظرية الباز إيّاه هم الأكثر تأثيرًا على الغير، على اعتبار أنهم يملكون قدرًا كبيرًا من الثقة فى أنفسهم تجعلهم يحظون بقدر كبير من إعجاب وتقدير المحيطين بهم.

يحدث هذا فى الوقت الذى تُغلق فيه الأبواب أمام الكفاءات والخبرات والمجتهدين الساعين لغدٍ أفضل سواء لأنفسهم أو لمجتمعهم، بَعد أن احتلها غيرُ الأكفاء ومدعى العلم والمعرفة، على حساب أصحاب الخبرة والمجتهدين الذين تبحث عنهم جميع دول العالم المتقدم الذى لا يعترف سوى بالتخصص فى جميع المجالات، بَعد أن أغلق بقصد وتعمد الباب أمام دعاة الفهلوة والنصابين وأصحاب الشهادات المزيفة والسمسرة ومصاصى الدماء (وبتوع كله) العالمين ببواطن الأمور وحتى المعلن منها.

ولهؤلاء تحديدًا أقول: إن ساعة التطوير فى مصر قد حانت، وأصبح إبعاد الجهلاء والكذابين وأدعياء العلم والمعرفة من أمثال الباز أفندى فرضَ عين على جُل مصرى أو مسئول، وأنا على يقين أن هذا سيتحقق فى القريب العاجل بإذن الله.