الثلاثاء 29 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. بابا شارو وماما سلوى وأسرتنا الكبيرة

كدهوّن!.. بابا شارو وماما سلوى وأسرتنا الكبيرة

ولأن التعليم فى الصّغر مثل النقش على الحجر يترك أثرًا لا يُمحَى ولا يَختفى أبدًا فى نفوس الأطفال مَهما طال بهم الزمن وتغير المكان؛ فقد حرصت كل بلاد العالم على وجود برامج الأطفال داخل شبكتها الإعلامية حرصًا منها على تشكيل شخصيتهم وتنمية مواهبهم الفنية ومهاراتهم الحياتية وارتباطهم بالفنون والثقافة ونبذهم للتطرف والعنف، ولهذا كان لبرامج الأطفال فى الإذاعة والتلفزيون المصرى أهمية عظيمة جدًا ونجوم كبار ارتبطت أسماؤهم بتلك البرامج الموجهة للأطفال وارتبط الأطفال بهم كجزء من أسرتهم وعالمهم الصغير وكِدَهُوّن.



واندهشتُ جدًا عندما وصلتنى رسائل كثيرة من الأصدقاء والقراء من كل أنحاء العالم (من خلال السوشيال ميديا) بَعد نشر مقالى عن أبلة فضيلة وبرنامجها الشهير (غنوة وحدوتة)، كل هذه الرسايل تحمل عاصفة من المشاعر والأحاسيس الجميلة لهؤلاء الرواد الذين أثروا طفولتنا بأحاديث وروايات وحكايات جميلة تمزج الواقع بالخيال وتنتصر دائمًا للخير والأخلاق حتى إننا أطلقنا على مقدمى هذه البرامج ألقابًا حميمية مثل «ماما، وعمو، وأبلة» فى اعتراف ضمنى بأنهم أصبحوا جزءًا من أسرتنا  وكيف ساعدت تلك البرامج على ترسيخ مفاهيم إنسانية وحضارية بداخل الأطفال ونمّت مواهبهم الفنية من تمثيل وعزف ورسم ورقص ونشرت المَحبة والألفة بين أبناء الوطن الواحد وكيف غرزت بداخلهم حب الخير والعطاء وزرعت الانتماء للوطن حتى إنهم رغم البعاد والهجرة فى بلاد الله البعيدة؛ فإنهم لا يزالون يعيشون بوجدانهم وبقلوبهم لحظة بلحظة مع وطنهم الأم مصر وكأن طول المسافات مجرد رقم فى كتاب الجغرافيا يتضاءل كثيرًا مع قوة العاطفة والارتباط بجذورهم.

وكِدَهُوّن، قد لا يعلم الكثير من المصريين عن مَصدر أغنية «حيّوا أبو الفصاد.. عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد» والتى اصبحت من ضمن أى احتفال مصرى بعيد ميلاد على اختلاف المستويات الاجتماعية والاقتصادية تتفق المصريين جميعًا ( وهذه من نوادر) على غناء أغنية «أبو الفصاد» فى أعياد ميلادهم، وقد لا يعلم الكثير أن هذا الأغنية كانت من ضمن أغانى الأطفال التى أبدعها وأهداها لمكتبة الإذاعة فى ذلك الوقت بابا شارو (الإذاعى محمد محمود شعبان) من خلال برنامجه الشهير فى الإذاعة والذى احتضن العديد من المواهب الصغيرة ربما أشهرهم على الإطلاق المطربة نجاة والنجمة الاستثنائية سعاد حسنى عندما قام بكتابة أغنية لها خصيصًا يقول مطلعها: «أنا سعاد آخر القمر بين العباد حُسنى اشتهر».

وكِدَهُوّن، تساءلت بينى وبين نفسى: كيف لمصرية تركت وطنها وأسرتها وأصدقاءها وهاجرت لأمريكا منذ سنوات طويلة لتبدأ هناك حياة جديدة وسط مجتمع مختلف بعاداته وتقاليده والتى بالطبع لا تشبه حياتنا وكِدَهُوّن.. أن تتذكر أغنية برنامج أبلة فضيلة وترسل لى رسالة بكلمات الأغنية كاملة رغم الغربة ورغم مرور كل هذا السنوات وفراق الأحباب والأصحاب إلا أنها ما زالت تردد أغنيتها التى طالما رددتها مع أبلة فضيلة فى مرحلة الطفولة «ياولاد ياولاد.. تعالوا تعالوا.. علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكيلنا حكاية جميلة وتسلينا وتهنينا وتذيع لينا كمان أسامينا.. أبلة.. أبلة فضيلة».. وكِدَهُوّن، صديقتى المهاجرة كتبت كلمات الأغنية فى رسالة على الواتساب وأرسلتها لى بمنتهى المحبة والسعادة وكأنها سمعتها بالأمس فقط وليس من سنوات بعيدة.

وكِدَهُوّن توالت الرسايل من المصريين؛ خصوصًا المهاجرين يحكون ذكرياتهم مع ماما سميحة وبابا شارو وأبلة فضيلة وعمو حسن وماما سلوى وماما معالى وماما نجوى وبقلظ وأرنوب ودبدوب وتفاصيل كثيرة يحكيها كل صديق وكأنها ذكرياته العائلية على اعتبار أن تلك البرامج كانت جزءًا من عائلتنا الصغيرة، فقد كانوا يدخلون كل البيوت بابتسامة كبيرة وفرحة عظيمة ومعلومة ولعبة وحدوتة ويتحدثون إلى كل الأطفال بود وحنان واحترام ربما نفتقد الكثير منه اليوم؛ خصوصا مع اختفاء مثل هذه البرامج المؤثرة فى تكوين شخصية الطفل واكتشاف مواهبه.

وكِدَهُوّن، لا أنسى أبدًا رقة وعذوبة ماما سلوى حجازى وبرنامجها «عصافير الجنة»، فرغم طفولة ملامحها وبساطتها وصغر عمرها نسبيًا بالمقارنة لأعمار الأطفال وقتها؛ فإنها تمتلك شخصية قوية ومؤثرة فى نفوس هؤلاء الأطفال ولا يمكن أبدًا أن نجد تجاوزًا أو تسيبًا فى الحلقة، فقد كانت تتحاور مع الأطفال بجدية وذكاء كأنها تُخاطب فتيات وفتيانًا كبارًا وتحكى لهم حواديت خيالية جذابة وتلعب معهم ألعابًا تعتمد على الثقافة والذكاء، بصحبة «أرنوب» تلك العروسة الشهيرة، وأتذكر اهتمامها بالقراءة وحث الأطفال على القراءة باستمرار وأحيانًا تطلب من كل طفل أن يحكى لها ما قرأه خلال الأسبوع.

وكِدَهُوّن، أرسل لى صديق مصرى مقيم فى النرويج منذ أربعين عامًا يحكى ذكرياته مع برنامج «غنوة وحدوتة» لدرجة أنه أخذ معه فى حقيقبة المدرسة راديو ترانزستور صغيرًا جدًا حتى يتمكن من الاستماع إلى حدوتة أبلة فضيلة ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن وتم ضبطه متلبسًا بالاستماع إلى الراديو أثناء الدرس مما عرّضه للعقاب ولكنه يقول إن أصعب عقاب بالنسبة له فى ذلك الوقت هو حرمانه من سماع الأغنية والحدوتة لدرجة أنه يتعمد أن يستيقظ مبكرًا يوم إجازته المدرسية للاستماع للحدوتة؛ خصوصًا أن أبلة فضيلة كانت تقدم حلقة خاصة يوم الجمعة وتستضيف دائمًا ضيفًا من رموز مصر الكبار من أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من القامات الكبيرة ليتحاوروا مع الأطفال ويدخلوا عالمهم الصغير وكِدَهُوّن، ورغم أن صديقى المهاجر فى النرويج من سنوات طويلة؛ فإنه سرد لى إحدى حواديت أبلة فضيلة والتى لا ينساها أبدًا على حد قوله ويحكيها دائمًا لأولاده ثم أحفاده بعد ذلك وكِدَهُوّن، الحدوتة عن بطة ولأولادها الرضع؛ حيث بدأت أبلة فضيلة حلقتها بجملتها الشهيرة: «حبايبى الحلوين.. الحدوتة عند ترعة صغيرة وجمب الترعة شجرة وتحت الشجرة بطة، البطة نايمة ومغمضة عنيها، والعصافير فوق الشجرة قالوا واحد اتنين تلاتة يلا كله مرة واحدة زقزقة زقزقة زقزقة، البطة اللى نايمة فتحت عنيها وبصت للعصافير وقالتلهم هدوء من فضلكم عايزة أغمض عنيا وأنام شويه ممكن؟.. والعصافير عصافير مؤدبة قالوا للبطة طبعًا ممكن، قالوا واحد اتنين تلاتة وهوس سكوت، والعصافير بطلوا زقزقة، والبطة غمضت عنيها لكن الضفادع تحت الشجرة قالوا ياه الدنيا حَر تعالوا ننط فى المَيّه، من بختنا إننا زى ما بنعيش على الأرض زى ما بنعيش فى المَيّه، واحد اتنين تلاتة يلا ننط، نطوا نزلوا فى المَيه وكانوا فرحانين أوى، الضفدعة دى تزق دى والضفدعة دى تطلع فوق دى دوشه إيه دى، البطة عايزة تنام ومش عارفة تنام» وأبلة فضيلة تكمل الحدوتة: «البطة اللى نايمة فتحت عنيها وقالتلهم هدوء من فضلكم عايزة أغمض عنيا وأنام شوية ممكن، والضفادع ضفادع مؤدبة نزلوا تحت المَيّه وقالوا متأسفين جدًا، والدنيا بقت ساكتة، البطة خلاص غمضت عنيها هتنام لكن طلعت ناموسة من الترعة وزنت فى ودن البطة، البطة فتحت عنيها وقالت للناموسة: لو أقدر أقوم كنت قمت وخدتك فى منقارى،استغربت العصافير، هى البطة مش قادرة تقوم ليه؟! واستغربت الضفادع هى البطة مش قادرة تقوم ليه ؟! آه أصل البطة نايمة والبيض بتاعها تحتها، ومتقدرش تسيبه وتقوم تجرى ورا ناموسة، وفى عصفورة قالت لو مبطلتش الناموسة زن هنزعل وأخدها فى منقارى، والضفدعة قالت لأ ده الناموس ده أكلتى، لسانى طويل جدًا أفرده يجيب الناموسة، والناموسة قالت وأنا بلاش أزن فى ودن البطة وراحت بعيد، العصافير ساكتة والضفادع ساكتة والناموسة طارت والدنيا ساكتة وكله هدوء، نامى يا بطة بقى».

فى نهاية الحدوتة تقول أبلة فضيلة حبابى الحلوين: لكن إيه دى ده فيه صوت، آه البيض اللى تحت البطة طلع منه بط صغير، البط الصغير هو اللى بيعمل الصوت، والعصافير والضفادع قالوا للبط الصغير اسكتوا اسكتوا متجبولناش الكلام البطة الكبيرة عايزة الهدوء، لكن البطة الكبيرة فتحت عنيها وقالت لأ سبوهم سبونى أسمع صوتهم، أنا بحب ولادى أكتر من أى شىء فى الدنيا، علشان هى ماما، وماما بتحبنا أكتر من أى شىء فى الدنيا»..  وتنتهى حدوتة أبلة فضيلة وقد استمتع الأطفال بالعالم الخيالى وبحديث الحيوانات والطيور وفى نفس الوقت تعلم أن البطة تبيض ولا تلد وأن العصفور منقار والضفدعة المؤدبة لأنها بتسمع الكلام.. وكِدَهُوّن، كلها قيم ومفاهيم رائعة أثرت فى حياة أجيال عديدة وبقيت بداخلنا شمعة تضىء لنا حياتنا.. وكِدَهُوّن، أتمنى عودة الروح لبرامج الأطفال وظهور جيل جديد من مقدمى البرامج الموجهة للأطفال نعتبرهم أحد أفراد أسرتنا الكبيرة.