الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد التقدم الأوكرانى فى استعادة بعض الأراضى هل تتخطى حماسة «كييف» حدود قدراتها؟

فى أيام قليلة استعادت القوات الأوكرانية نحو 8800 كيلومتر مربع من أراضيها من تحت سيطرة القوات الروسية.. فقد أعلنت «أوكرانيا» فى 11 سبتمبر الجارى أن قواتها نجحت فى شن هجومها المضاد السريع فى الجزء الشمالى الشرقى من البلاد، مما أجبر الوحدات الروسية على الانسحاب، وتحديدًا من منطقة «خاركيف».. وعلق مسئولون أوكرانيون أن هجومهم المضاد فاجأ «روسيا»، حيث نقلت «موسكو» عددًا من وحداتها إلى الجنوب، معتقدين أن معظم قوات «كييف» تتجه نحو مدينة «خيرسون» الجنوبية الرئيسية.



 

رغم الإشادات الغربية، بالانتصارات الأوكرانية الأخيرة، فإن استعادة أجزاء من «خاركيف»، لا تعد إشارة لاحتمالية استعادة البلد بأكمله، حيث لا تزال «روسيا» تسيطر على الغالبية العظمى من الأراضى الأوكرانية منذ عام 2014 وما بعده، ومنها «شبه جزيرة القرم».

 هتافات «كييف» باستكمال عملية النصر

رغم الانتصار الأوكرانى الصغير، فإن ما حققته «كييف» مهم بكل المقاييس، وأدى إلى تحول كبير فى التفكير داخل الحكومة الأوكرانية. فقبل أشهر، كان هدف العديد من الأوكرانيين هو بقاء «أوكرانيا» القابلة للحياة، حتى لو لم تكن الدولة تمتلك كل أراضيها. لكن، أهداف الحكومة الأوكرانية الآن، صارت أكثر طموحًا، خاصة مع الدعم الغربى للقوات الأوكرانية.

فقد دعا وزير الدفاع الأوكرانى «أوليكسى ريزنيكوف» إلى إعادة جميع أراضى البلاد، بما فى ذلك ما سيطرت عليه «روسيا» فى عام 2014، داعيًا للحصول على تعويضات اقتصادية لتمويل فاتورة إعادة الإعمار المقدرة بـ350 مليار دولار. وأصر - أيضًا - على محاسبة المسئولين فى «روسيا» عن هذا العمل، الذى وصفه بالعدوانى وجرائم الحرب المرتبطة به قانونًا.

من جانبه، دعا مستشار الرئيس الأوكرانى «ميخائيل بودولياك»، على مواقع التواصل الاجتماعى، سكان «شبه جزيرة القرم» إلى الاستعداد لإنهاء ما سمّاه الاحتلال.

وعليه، رد المتحدث باسم الرئاسة الروسية «ديمترى بيسكوف»، أن «شبه جزيرة القرم» جزء لا يتجزأ من «روسيا»؛ مؤكدًا أن أى مطالبات بأراضى روسية ستتلقى ردًا مناسبًا، وذلك لأن العديد من الروس يعتبرون «شبه جزيرة القرم» جزءًا لا يتجزأ من أراضيهم، ما يشير إلى أن استعادتها من قبل القوات الأوكرانية سيكون أمرًا صعبًا للغاية، لا سيما أن هناك حاجة إلى مزيد من القوة العسكرية للقيام بعمليات هجومية بدلًا من الدفاع، وهى الصيغة التى صارت ملحوظة فى تصريحات القادة الغربيين خلال الأيام القليلة الماضية. 

جدير بالذكر، أن النجاح العسكرى الأوكرانى الأخير، سهّل على الحكومات الأوروبية تبرير المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة إلى «كييف» أمام شعوبهم، بعد أن أدى ارتفاع أسعار الطاقة فى «أوروبا» إلى إثارة المعارضة الداخلية لتزويد «أوكرانيا» بالأسلحة والمال، فى وقت تقطع فيه «روسيا» لإمدادات الغاز، ما ينذر مواجهة القارة الأوروبية لشتاء قارس..وفى الوقت ذاته، عادت دعوات المسئولين الغربيين تعلو من جديد بتقديم مزيد من الدعم للجانب الأوكرانى، فعلى سبيل المثال، طالب ممثل «الاتحاد الأوروبى» للشئون الخارجية والسياسة الأمنية «جوزيب بوريل»، دول «الاتحاد الأوروبى» إلى زيادة الدعم لأوكرانيا، وتلبية احتياجاتها العسكرية والاقتصادية»؛ متوقعًا فى الوقت ذاته أن الأعمال العدائية يمكن أن تستمر لفترة طويلة.

على كل، من الطبيعى أن تؤدى نشوة الانتصار إلى زيادة الحماس والتشجيع على استعادة «أوكرانيا» مزيدًا من الأراضى، ولكن يخشى عدد من المحللين السياسيين من أن تتجاوز هذه الحماسة حدود القدرات الأوكرانية، خاصة وأن الهجوم المضاد فى «أوكرانيا» سيكون له تأثير قوى على السياسة الروسية أيضًا.

 حسابات أوكرانية قبل اتخاذ القرار

من الواضح تزايد احتمالات استمرار المواجهات الروسية الأوكرانية لعدة أشهر أخرى، وتحديدًا فى شمال شرق وجنوب البلاد، ومع ذلك يتوقع العديد من المحللين السياسيين أن حدة المواجهات قد تهدأ مع دخول فصل الشتاء، نتيجة للطقس البارد، وعدم قدرة أى من الجانبين على تحمل عمليات عسكرية كبيرة.

إن كانت تلك التوقعات صحيحة، فربما يوفر تضاؤل القتال وقتًا للتفكير للجانبين، ولكن بالنسبة للجانب الأوكرانى، سيحتاج القادة إلى إعادة النظر فى أهدافهم العسكرية المتوسعة، وتحديد أولوياتهم.

هنا، أوضح الدبلوماسى الأمريكى، الدكتور «ريتشارد هاس» –أحد الأصوات المسموعة فى صنع القرار بالسياسة الخارجية الأمريكية- أن أحد الاعتبارات الرئيسية التى يجب أن تنظر فيها «كييف»، ستكون التكاليف الاقتصادية المتزايدة للصراع، ومنها:

أولًا، خسارة ما يقدر بثلث الناتج، إذ أدت العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» إلى انكماش الاقتصاد الأوكرانى بنحو الثلث هذا العام، وفقًا لأحدث التوقعات الصادرة عن البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية؛ بينما سيعانى الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا من نمو سلبى بنسبة 30 % فى عام 2022.

يأتى هذا فى الوقت الذى أشارت فيه بعض التقديرات إلى أن ما بين 30 % و50 % من الشركات الأوكرانية أوقفت أعمالها تمامًا، مما تسبب فى فقدان حوالى نصف الموظفين لوظائفهم ودخلهم؛ فى حين فر ما يقرب من 10 % من السكان قبل الأزمة من «أوكرانيا»، ونزح 15 % آخرون داخل البلد، ما أدى كل هذا إلى ضعف مالى شديد للشركات، وبالتالى صار القطاع المصرفى الأوكرانى يعانى من تدهور حاد فى الأصول.

ثانيًا: التضخم المرتفع، إذ تسارع معدل التضخم السنوى فى «أوكرانيا» إلى 23.8 % فى أغسطس الماضى، ليسجل أعلى مستوى له منذ فبراير عام 2016، وأعلى من تقديرات البنك المركزى البالغة 23 %؛ فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 30.7 % فى أغسطس الماضى، مقارنة بـ28.9 % فى يوليو السابق له.

ثالثًا: هبوط العملة الأوكرانية، حيث خفض البنك المركزى الأوكرانى قيمة عملة (هريفنيا) بنسبة 25 % مقابل (الدولار الأمريكى) فى أواخر يوليو الماضى، وقال البنك الوطنى الأوكرانى إنه حدد سعر (هريفنيا) الجديد عند 36.56 للدولار، مقارنة بالمعدل السابق البالغ 29.25 للدولار، والذى تم تحديده فى بداية العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا».

رابعًا: الديون المتصاعدة والاعتماد المتزايد باستمرار على المساعدات الخارجية، إذ قدرت وزارة المالية الأوكرانية أن عجز القطاع العام زاد من 2 مليار دولار فى مارس 2022، إلى نحو 7 مليارات دولار بحلول مايو الماضى. 

فقد تلقت «أوكرانيا» –بالفعل- تمويلًا من حلفائها، ووعدًا بالمزيد من المساعدات تقدر بالمليارات. فعلى سبيل المثال، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن «الولايات المتحدة»، خصصت ما يقرب من 5.3 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا فى عهد الإدارة الأمريكية الحالية، بما فى ذلك نحو 4.6 مليار دولار خلال الأزمة الروسية الأوكرانية.

وهذه ليست المساعدة الوحيدة التى تتلقاها «أوكرانيا».. فقد أعلنت (مجموعة السبع)، و«الاتحاد الأوروبى» عن التزامات تمويل رسمية لأوكرانيا بقيمة 29.6 مليار دولار أمريكى، كما تعهد قادة «الاتحاد الأوروبى» بتقديم دعم إضافى يصل إلى 9 مليارات يورو، بالإضافة إلى قرض طارئ سابق بقيمة 1.2 مليار يورو.

لذلك، سيكون التحدى الأكثر إلحاحًا فى «كييف»، هو سداد قروضها وسنداتها المستحقة، حيث سيكون من الصعب على «أوكرانيا» الوفاء بهذه الالتزامات فى ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وبالفعل طلبت «كييف» الإذن لتجميد نحو 20 مليار دولار من الديون منذ أيام، وتمت الموافقة على هذا الطلب على الفور من قبل الحكومات الغربية، وعلى رأسهم «ألمانيا»، ناهيك عن أن إعادة الإعمار الاقتصادى لأوكرانيا قد يتباطأ، بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان الصراع سيستمر.

أضف إلى هذا التكاليف البشرية، إذ عانت «أوكرانيا» من سقوط عدد كبير من الضحايا فى صفوف قواتها والمدنيين، فى حين أن ما يقرب من 13 مليون أوكرانى نازحون داخليًا، أو يعيشون كلاجئين فى جميع أنحاء «أوروبا». 

على كل، من الواضح أن «أوكرانيا» ستضغط بكل قوتها، من أجل تحقيق نصر عسكرى كامل، لكن الارتياب يقلق عددًا من المحللين السياسيين، فقد لخص المحلل الألمانى «أولريش شبيك» ردود الفعل على النجاحات التى حققتها «أوكرانيا» مؤخرًا، بأن (السعادة اختلطت بالقلق).

وقال «شبيك»، إن: «أوكرانيا أثبتت قدرتها على الفوز، لكن ما تبدو عليه كلمة (الفوز) لا يزال غير واضح بعد»، مؤكدًا أنها قضية مفتوحة لنقاش كبير، حيث أصبحت دول مثل: «ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة» تشعر بالقلق بشأن المخاطر الكامنة فى السيناريوهات المختلفة.

وعليه تساءل المحلل الألمانى عن طبيعة النهاية التى يفضلونها؟، هل ينبغى أن تنتهى الأزمة الروسية الأوكرانية بالمفاوضات؛ أم ينبغى إعادة الروس إلى حيث كانوا قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ أم ينبغى أن تحاول «كييف» استعادة كل الأراضى التى سيطرت عليها «موسكو» منذ عام 2014»؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تظهر خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما أكد عليه ممثل «الاتحاد الأوروبى» للشئون الخارجية «جوزيب بوريل»، إذ قال إنه: «يتوجب على «أوكرانيا» تحديد شروط إنهاء النزاع مع «روسيا» بشكل مستقل».