السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا يطرد جميع الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس «الإخوان» فى ألمانيا.. حان وقت قطع رأس الأفعى!

دائمًا ما كانت ألمانيا ملاذًا آمنًا لجماعة الإخوان فى عقود ماضية وحتى وقت قريب نسبيًا، ففى نهاية خمسينيات القرن الماضى، أصبح المقر الأساسى للتنظيم الدولى فى أهم مدنها وهى ميونخ على يد زوج ابنة حسن البنا، وهو سعيد رمضان الذى كان الأب الروحى للتنظيم ومهندس انتشاره، والذى كان بارعًا فى نسج مسلسل «المظلومية» أمام الغرب والترويج لذلك بنجاح، لخلق تعاطف دولى بعد الضربة القاصمة التى وُجِّهت للجماعة فى مقر التنظيم فى مصر عام 1954.



ولكن يبدو أن ألمانيا ومؤسساتها، قررت قطع رأس «الأفعى»؛ أى تنظيم «الإخوان» ووجوده فى أوروبا من قلب ألمانيا، الفصيل الإخوانى الذى نال رعاية فى ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية فى ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضى، عندما كانت البلاد مقسمة وقتئذ «شرقية» و«غربية»، وصراحة فإن المواجهة الحالية من جانب «برلين» وحكومتها مع الجماعة الإرهابية، ليس فى إطار تفاهم على سبيل المثال مع حكومات دول عربية عانت من «العصابة» الإخوانية ولا تزال، ولكن بعد أن وجدت ألمانيا أن «الوحش» الذى قامت بإيوائه، يهدد أمنها وسلامة مواطنيها ووحدتها الاجتماعية ويعمل على بث الكراهية ونشر العنف فى المجتمع عبر الأفكار المسمومة وأصحاب الأقنعة من القيادات الإخوانية.

أخيرًا، قام المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا، بطرد جميع الواجهات الإخوانية «القيادات» من عضوية المجلس وفى مقدمتهم المركز الإسلامى فى ميونخ واتحاد الطلبة التابع لجماعة «الإخوان» الإرهابية، كما قام بتجريد «إبراهيم الزيات» المعروف بوزير مالية الإخوان من جميع مناصبه داخل الاتحاد.

وكان المجلس قد عقد انتخاباته وسط تحديات كبرى تواجه المسلمين فى ألمانيا فى مقدمتها استخدام الواجهات الشرعية التى تمثلهم من قبل جماعة «الإخوان» الإرهابية كأدوات للعمل لصالح الجماعة، الأمر الذى بات مرفوضًا من الأحزاب والمجتمع والمؤسسات فى ألمانيا، ومكروهًا من جانب المسلمين فى الجاليات العربية هناك. هناك دول وبلدان، لها أدوار أساسية فى إحياء تنظيم الإخوان وانطلاقته دوليًا بعد ضربة «الحل» فى عام 1954، منها بريطانيا التى تعرف بـ«الأم الحنون» للجماعة، والنمسا وسويسرا، ولكن «ألمانيا» بظروفها بعد الحرب العالمية الثانية وما تلى ذلك فى منتصف الخمسينيات، كانت أرضًا خصبة لبث الروح فى الجماعة وصـياغتها كتنظيم دولى، والتى أسس فيها ولا يزال قائمًا ما يعرف بـ«مكتب الإرشاد» للتنظيم الدولى، وهو المركز الإسلامى فى ميونخ، الذى أسسه «سعيد رمضان» ويقوم عليه حاليا، تلميذه «الزيات»!

ما خرج من  قرارات الأسبوع الماضى من جانب المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا ضد قيادات «الإخوان» فى ألمانيا، سيكون لها بالطبع آثار مترتبة وتغيير لخريطة عمل الجماعة الإرهابية فى أوروبا، وسط تساؤلات حول وجود تنازلات قد تقدمها «الجماعة» هناك أو تفاهمات تقدم عليها مع أطراف أوروبية فى عملية مصالح متبادلة وسط ما تعانى منه حاليًا القارة العجوز بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، أو يكون السبيل أمام التنظيم الدولى، مواجهة أوروبا من داخلها بالعنف عبر آلاف ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» التى تم تأهيلها فى السنوات الـ10 الأخيرة، وغير متوفر المعلومات كاملة عنهم أمام أجهزة الأمن فى دول أوروبية وعلى رأسها ألمانيا.

نستوضح ذلك من خلال المنسق السابق للعلاقات «العربية-الأوروبية» بالبرلمان الألمانى د.عبدالمسيح الشامى، الذى أراد فى البداية التذكير بتقرير المخابرات الألمانية منذ 3 أعوام والذى أقر بالدلائل والتسجيلات والوثائق أن تنظيم «الإخوان» أخطر من «داعش» و«القاعدة»، فهذا التقرير حجر زاوية لكل ما حدث بعد ذلك، حتى لو كان القرار الأخير فى ألمانيا بخصوص «الإخوان» صادرًا من المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا، موضحًا أن عزل قادة الإخوان فى هذا المجلس، يأتى بشكل أو آخر ضمن سياق التحولات التى تجرى سواء فى ألمانيا وأوروبا، وأيضًا فى منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بمشروع جماعة الإخوان الذى هزم فى أكثر من مكان فى صدارة ذلك، مصر، تونس وأيضا تركيا، على الرغم من أن الجماعة فى السلطة هناك فإنهم لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم وما وعدوا به سواء فى تركيا أو المنطقة وما قدموه فى إطار وردى من مشروع الخلافة الذى فشل وحتى الخيارات الإسلاموية التى كانت تتبناها الجماعة إلى حد ما سقطت وعادت الدول التى كانت مستهدفة إلى الأنظمة الوطنية المدنية.

واستكمل «الشامي» الذى هو أيضا أستاذ العلاقات الدولية فى برلين: «من ناحية أخرى، الوضع فى أوروبا، يحمل شعورًا متناميًا بالخطر من التيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان لا سيما أنهم فى الآونة الأخيرة تلقوا دعمًا كبيرًا فى مراحل سابقة من حكومات ومنظمات وتجمعات فى أوروبا والغرب لا سيما مرحلة ما سُمى بالربيع العربى، وهذا الدعم انعكس سلبًا على الداخل الأوروبى فى ظل وجود مجموعات متشددة وحس متطرف ومشاعر كراهية تجاه الأوروبيين ونفس الأمر ناحية الديانات الأخرى وهناك من يحمل مشروع دولة إسلامية فى أوروبا وخلايا نائمة متشدة تحت مظلة الإخوان التى تقوم بتمويلهم عبر التنظيم الدولى وتحريكهم، وكل ذلك بات واضحًا مكشوفًا أمام الحكومات والشعوب الأوروبية، وجاء هذا التغيير من جانب مجلس مسلمى ألمانيا، فى ظل قرارات اتخذت فى البرلمان والحكومة لمواجهة ومحاصرة وعزل التيارات المتشددة الدينية التى تأتى إلى أوروبا، ووضعها تحت المراقبة، وهذا يعكس إلى حد كبير تراجع وفشل هذا المشروع من جهة، والخوف منه أيضا».

ولفت «الشامي» إلى أن هذا القرار الخاص بعزل الإخوان سيكون له انعكاسات تتعلق بإبعاد الشخصيات القيادية الكبيرة التى تعتبر إلى حد ما مستفزة للمسلمين فى أوروبا قبل أن تكون ذلك للمجتمع الأوروبى والغربى، الأمر الذى سينعكس سلبا على نشاط الإخوان وموقعهم داخل ألمانيا وأوروبا ولكن ربما يكون ردة فعل عنيفة لأنه كما تعودنا من الإخوان والتيارات الدينية رغم من تعاملهم ببراجماتية فى الكثير من الأحيان، فإنهم لا يستسلمون للضربات أو الهزيمة بشكل سريع وبسهولة، الخوف هنا من تحريك من صنعتهم الجماعة من «ذئاب منفردة» والقيام على سبيل المثال بسلسلة من التفجيرات وعمليات انتحارية، ولكن الحكومات الأوروبية مستعدة لذلك وكل القيادات الإخوانية هنا تحت المتابعة والمراقبة.

ويشير «الشامى» إلى أن هذه الإجراءات من الممكن أن تكون نهاية للعلاقة الجيدة والدعم لتلك المجموعات الإخوانية التى حصلوا عليها سابقا فى أوروبا وبداية ملاحقة القيادات وأتباعهم ومن المرجح أن يأتى ذلك بصدام مستقبلى قريب بين الإخوان فى أوروبا وتنظيمات لهم من جهة، وأجهزة الأمن من جهة أخرى، لافتا إلى أن قرار المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا ليس بمعزل عن سياق هذا الصدام المستقبلى القريب، ولكن صدر بعد أن أصبح واضحا للجميع، أضرار تصدر الإخوان للمجالس الإسلامية مما حقق ضررًا للمسلمين، فهم سيطروا على المجالس والتجمعات الإسلامية فى أوروبا، وهذا كان دائمًا موضع انتقاد وله دور كبير فى الوصول إلى هذه القرارات من جانب المجلس الأعلى.

ويفند نائب رئيس الأمانة العامة للاندماج والهجرة بالحزب الاشتراكى الألمانى، حسين خضر، تلاعب وتسييس من جانب قيادات «الإخوان» فى ألمانيا، لاستغلال المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا هناك لصالح نشاط «الجماعة»، بالقول إن إنشاء المساجد فى ألمانيا، يخضع منذ عقود لتأسيس جمعيات أهلية بحسب القانون، ينبثق منها المراكز الإسلامية «المساجد»، شارحا ذلك، قائلا: إن مجموعة تذهب إلى ما يعرف بـ«كاتب العدل» وتؤسس جمعية أهلية وتقوم بإشهارها فى المحكمة، ويكون من حق الجمعية المشهرة إنشاء مسجد، مشيرًا إلى أنه خلال عشرات السنين الماضية ومع قدوم آلاف المهاجرين والعمالة من الدول الإسلامية، كانت هناك حاجة من قبل الجاليات فى تأسيس تلك الجمعيات للحفاظ على الدين والعادات والتقاليد، حتى وصل الأمر مع مرور حقب زمنية إلى وجود آلاف من الجمعيات الأهلية، ثم دأبت كل مجموعة تحمل نفس الفكر أو العقيدة من تلك الجمعيات على عمل تنظيم هرمى بدمج تلك الجمعيات وما تحتها من مساجد تحت مظلة «مركز» على مستوى الولاية ومن ثم ألمانيا، ليكون هناك اتحادات عدة لتلك الجمعيات على مستوى الدولة، ولكن ظهرت مشكلة كبرى تتعلق بخروج أصوات متفرقة للمسلمين، لا يوجد لها متحدث أو شكل أو هيئة موحدة، وبناء على ذلك، صعدت على السطح فكرة تتعلق بتوحيد تلك المراكز فى ما سمى بـ«المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا»، لتدخل كل تلك الجمعيات تحت عباءته.

وأوضح «خضر» وهو قيادى فى الحزب الحاكم فى ألمانيا، أنه منذ الوهلة الأولى، وجد قيادات تنظيم الإخوان فى ألمانيا، هدفا يخدم توجهات ومصالح التنظيم فى هذا المجلس، وبناء على ذلك قاموا بتسجيل الجمعيات «الإخوانية» فى ألمانيا داخل هذا المجلس، بحيث أنه كلما زاد تسجيل الجمعيات التابعة لهم فى هذا المجلس، كلما كان لهم أصوات يتحكمون بها فى مصير وعمل قيادة المجلس وهو ما تم فعليًا؛ إذ بات لـ«الإخوان» أكثر من ثلثى أصوات الجمعية العمومية بالمجلس، ليكون الظاهر العام للمجتمع والمؤسسات الألمانية، أن المجلس الأعلى يمثل المسلمين فى ألمانيا، ولكن فى الباطن فإن المؤثر ومحرك توجه المجلس وقراراته هى جماعة الإخوان لخدمة مصالحها وانتشارها.

ولفت «خضر» فى هذا الصدد، إلى أن الأجهزة الأمنية والأحزاب فى ألمانيا، كشفت مبكرا هذه «الحيلة» الإخوانية التى كانت بمثابة «لعبة»، وبات هناك ضغط على المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا، يرفض تحكم تيار أو جماعة بعينها لها أغراض سياسية فى المجلس، بينما أن هذا المجلس دينى واجتماعى بالأساس ويجب ألا يكون «مسيسا»، وبناء عليه أصبح المجلس فى موقف محرج، ومن هنا قام «الإخوان» داخل المجلس بـ«حيلة» عندما قامت جمعية «إخوانية» هى الأبرز والمؤثرة داخل المجلس بتغيير اسمها حتى يكون فى الظاهر أنه لا يوجد جهة سياسية معينة متحكمة، ليمر هذا التلاعب على الجميع لفترة زمنية ولكن الجهات الأمنية اكتشفت ذلك، وتم تصعيد الرفض ضد تلك «الألاعيب الإخوانية» من جانب الأحزاب داخل البرلمان الألمانى ليكون هناك ضغط فعلى مجددًا على المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا فى ظل حالة نفور وحيرة من جانب الأحزاب والمجتمع السياسى الألمانى من تصرفات قيادات الإخوان بتلاعبهم والقيام بـ«تسييس» مؤسسة من المفترض أنها معنية بالمجتمع الإسلامى فى ألمانيا، وأيضا تسبب ذلك فى غضب من جانب المسلمين أنفسهم بالتلاعب بمؤسسة تمثلهم لصالح ولخدمة جماعة بعينها يختلفون معها.