الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الضمير الغائب مرة أخرى

الضمير الغائب مرة أخرى

إذا أردنا بناءَ وطن يتسم بالعدل والتكافل وصيانة الحقوق بين جميع أفراده؛ علينا أن نتمسك بالضمير حتى نستطيع التمييز فيما إذا كانت أعمالنا خطأً أمْ صوابًا أو معرفة الحق من الباطل؛ لكى نتمكن من تحقيق التقدم والتنمية المنشودة، ولكن الواقع الفعلى فى هذا الزمن يؤكد أن الضمير قد مات أو يعد فى إجازة لدى البعض، وهذا تحديدًا ما سبق أن تناولته فى مقال سابق تحت عنوان (الضمير الغائب)؛ لأنه من المعروف والمعلوم للقاصى والدانى أن غياب الضمير أو فقدانه سيجعل البعض من ضعاف النفوس والمرضَى يستغلونه لإشباع رغباتهم، وهنا من الممكن أن تتحول الدولة وبقدرة قادر إلى دولة بلا وعى، دليلى على ذلك هذا الكم من الجرائم التى أبتلى بها مجتمعنا مؤخرًا، والتى تثبت بالقول والفعل أن الضمير قد انعدم نهائيًا أو مات بقصد وتعمُّد لدى من يعتمدون عليه.



مثل جريمة الشاب معدوم الضمير والأخلاق الذى ذبح فتاة المنصورة لمجرد أنها رفضت حُبَّه والارتباط به، فلم يجد أمامه بديلاً سوى تبييت النيّة وعقد العزم على قتلها؛ انتقامًا منها لرفضها مشاركته فى مشاعره رُغْمَ محاولاته المتعددة لإرغامها على ذلك؛ حيث قام بذبحها بسكين على أبواب الجامعة، تحت أوهام الحب المزعوم من طرفه، وهو الحب الذى قال عنه القاضى الجليل الذى أصدر الحكم بإعدامه: «الحب ريح من الجنة وليس لهبًا من جهنم».

وبنفس الطريقة قام شاب فى محافظة أخرى، بطعن فتاة متفوّقة فى دراستها لمجرد أنها رفضت الارتباط به، بعد أن سبق أن هددها بالإيذاء والقتل والإساءة إلى سُمعتها.

وماذا نقول عن شيوع ظاهرة «المستريح» التى تتلازم مع الجشع والنصب لاصطياد الطامعين فى تحقيق الكسب والثراء السريع، وهى الظاهرة التى تؤكد أن البعض فى مجتمعنا لا يزال يعانى من غياب ضميره، وهو الغياب الذى يُعَد السبب الرئيسى فى أغلب السلبيات والمشكلات التى تراكمت فى مجتمعنا، بعد أن بات الكثير لا يستطيع التفرقة بين التجارة والنصب ولا بين الشطارة والنهب ولا بين الكسب والسلب، فى ظل غياب منظومة القيم والإنسانية التى نتج عنها جرائم وتشريد وقتل وظلم، لتذهب الإنسانية والأخلاق مع الريح بفعل تصرفات البعض من معدومى الضمير، يتزامن مع هذا الغياب اختفاء منظومة القيم الإنسانية التى نتج عنها جرائم وتشريد وقتل وظلم، لتذهب الإنسانية والأخلاق مع الريح.. المؤسف أكثر فى هذا الغياب وآثاره على المجتمع أنه طال الكثير من الأساسيات والثوابت الأخلاقية والأسرية التى يعتمد عليها أى مجتمع، فشاهدنا بأعيننا الابنَ وهو يطرد والدَه أو والدتَه من مسكنهما حتى يخلو له الجو للعيش مع زوجته أو أولاده، وشاهدنا أيضًا فى زمن التواصل الاجتماعى ومواقع السوشيال ميديا انتهاك الخصوصية وقطع الأرحام وهتك الأعراض وعقوق الوالدين وجرائم الابتزاز. 

وما الذى يدفع أعضاء الجماعة إياها إلى بيع ضميرها لمن يدفع أكثر؛ اعتقادًا منهم أن هذا المال الذى سيأتى لهم من جهات خارجية سيعد الخيار الأمثل الذى سيحقق لهم أهدافهم، التى من ضمنها عودتهم إلى الساحة مرة أخرى، رُغْمَ علم القائمين عليها أنها جماعة منحلة صفة وقانونًا، بخلاف كونها خائنة لوطنها ولعروبتها ولدينها الذى يتمسّحون فيه أناء الليل والنهار.

وما الذى جعل من فساد المحليات أصلاً لكل الشرور التى يعانى منها مجتمعنا؛ لارتباطها بالمواطن وما يقدم له من خدمات بصورة مباشرة، بداية من منح تراخيص بناء وهدم وغيرهما، مرورًا بإهدار المال العام فى رصف الطرُق ثم إعادة تكسيرها، ومشاكل القمامة والصرف الصحى التى يعانى منها الكثير؛ وصولاً إلى وقائع الفساد والرشوة التى طالت الكثير من القائمين على العمل فى المحليات، بدليل سقوط عدد لا بأس به من قيادات المحليات فى بحر الفساد.. يحدث هذا فى الوقت الذى يعشش فيه قانون المحليات أدراج مجلس النواب، ولا أحد يعرف متى يحين ميعاد صدوره رُغْمَ أنه القانون الذى كان منتظرًا منه أن يقضى على فساد المحليات ويطهر ثوبها الذى تلطخ عقب غياب الضمير.

النماذج السابقة جميعها تخلت عن ضميرها عن طيب خاطر؛ ليقينها أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق مكاسب وأمجاد شخصية لإشباع شهواتها ورغباتها وجشعها، وتناست أن من باع ضميره يومًا يستحيل أن يحقق نفسه؛ لأنه فى الأول والآخر إنسان فاسد، ولن يجدى معه أى نوع من أنواع الإصلاح، وسيظل إلى يوم الدين يتسم بالأنانية والجشع والخداع حتى مع أهل منزله.

وتغافل هذا وذاك أن مجتمعنا أصبح مقياس وترمومتر النجاح فيه هو الاجتهاد والجد والعمل، وهى بالمناسبة العناصر الثلاثة التى على أساسها ينجح أى شخص، المشفوع بأعمال الضمير فى كل مجالات حياتنا.. وقتها فقط ستستقيم الحياة ويعم التكافل والعدل مجتمعنا المصرى الذى ننشد له جُل خير وتقدُّم.