الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحضارة الغربية رافد للتقدم.. وليس للانسحاق (4-4) التلاعب بالأدمغة.. وخطر تنميط البشر

الحضارة الغربية رافد للتقدم.. وليس للانسحاق (4-4) التلاعب بالأدمغة.. وخطر تنميط البشر

رغم أن الأصل فى الحياة على كوكب الأرض هو التنوع إلا أن شركات التقنية والمنظمات الدولية الغربية كان لديها رأى آخر أفصحت عنه عندما وضعت مجموعة من القيم شكلت الإطار الحاكم لمنظومة العولمة وحركتها فى محاولة من الغرب لتحويل الشرق إلى نسخة أخرى من الغرب وفرض أسلوب حياة محدد ليكون هو الغاية الوحيدة للبشرية، نموذج قائم على شكل محدد للنظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى يسيطر عليه النمط الغربى باعتباره هو النموذج الأمثل لحياة الشعوب. الحديث عن العولمة ليس معناه رفضها، فلا يوجد عاقل يترك نفسه للدهس تحت عجلات قطار مندفع بقوة الصاروخ لكنها دعوة لإعمال العقل والنظر بعمق فى أحوالنا وأحوال العالم، نقف قليلا لنرى إلى أين وصلنا وهل حال المجتمعات فى الشرق أصبح أفضل فى ظل العولمة، بالتأكيد هناك نواحٍ إيجابية عديدة مثل سهولة الاتصال والتنقل بين دول العالم عبر تطبيقات المحمول والتطور التكنولوجى فى الطب والهندسة وهى كلها أشياء مفيدة للبشرية ولا ينكرها إلا جاحد، لكن ماذا عن تأثير الجانب المظلم من العولمة وهل يجب أن نستسلم لنموذج واحد يسود الكرة الأرضية ويقضى على التنوع خاصة مع ظهور تيارات قوية تدعو إلى الإلحاد والشذوذ وهو ما يلحق الضرر بالمجتمعات الشرقية المتدينة والمحافظة صاحبة الحضارة العريقة وأرض نزول الأديان، صاحبة أول معاهدة سلام فى التاريخ.



صدرت العولمة لشعوب الشرق نمط الحياة السهلة، الوجبات السريعة ذات الأضرار الصحية، والآثار السلبية للتغيرات المناخية وفيروس كورونا والزلازل الاقتصادية وما يصاحبها من إجراءات تقشف، قبول التفسخ الاجتماعى بداعى الفردية وتراجع قيم العائلة الواحدة المتماسكة، والأخطر فرض اللغة الإنجليزية والدولار، شروط الإصلاح الاقتصادى ونموذج الديمقراطية التمثيلية المعلبة واحتكار التكنولوجيا.

يتحكم الغرب فى الشركات الكبرى العابرة للقارات، تخضعها لسياساتها وليس لقواعد المكسب والخسارة بحسب النظريات الاقتصادية المعروفة، ويستدعى ما حدث مع روسيا عقب اشتعال المعارك فى أوكرانيا التأمل، وكيف تحركت شركات كبرى للوجبات السريعة للخروج من السوق الروسية وخسارة سوق من أكبر أسواق العالم تنفيذا لقرار سياسى، رغم أن الحرب لم تستهدفها، رأينا شركات ملابس وموضة وشركات تقنية تتوحد ضد روسيا رغم خسائرها الاقتصادية.

قد يرى البعض فى ذلك القرار بعدًا أخلاقيًا مقدرًا حيث تتضامن هذه الشركات مع الشعب الأوكرانى فى مقاومته للتدخل الروسى، لكن ذلك القرار الأخلاقى يضع فورا مقارنة واجبة مع الوضع فى فلسطين المحتلة منذ أكثر من 70 عاما، ولماذا لم يطبق ذلك المعيار الأخلاقى ذاتها مع الولايات المتحدة عند غزوها للعراق عام 2003، وقبلها احتلال أفغانستان وقصف كوسوفو.

بل إن النظام العالمى الحالى لا يفكر إلا فى مصالح الدول الكبرى، أن يحافظ على نفسه حتى لو احترق الآخرين، تتحدث السياسة الغربية عن حقوق الإنسان، بينما يتخذ البنك الفيدرالى الأمريكى قرارًا برفع الفائدة على الدولار لتهرب كل الاستثمارات من الأسواق الناشئة باتجاه الولايات المتحدة تاركة تلك الأسواق التى تعانى شعوبها من مشاكل اقتصادية واجتماعية لتواجه مشاكلها، رغم انها تعلم جيدا أن لذلك أثرًا سلبيًا بالغ الضرر على حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وعلى قدرة الحكومات على ضمان الحقوق المدنية والسياسية، لأنه باختصار رفع الفائدة لا يقسو على الدول النامية فحسب بل إنه أيضا يضغط بشكل خطير على ديونها التى ترتفع دون ذنب، لمجرد أن الولايات المتحدة تريد تقليل نسب التضخم فيها ولا يشغلها احتراق شعوب العالم بنار الأسعار وموجات الغلاء والآثار الجانبية للأزمة الاقتصادية العالمية.

الغريب هو حالة الصمت الدولى على أن أسباب ما يجرى للعالم وتدفع ثمنه حكومات الأسواق الناشئة من أزمات اقتصادية متلاحقة من صنع الدول الكبرى، وترك كل حكومة تلاقى مصيرها وحدها رغم محدودية الحركة وفاتورة الأزمة الباهظة التى تدفعها تلك الحكومات المنهكة أصلا بسبب الإغلاق خلال فترة الجائحة وبلا ذنب، وبلا أى وازع من ضمير يلقى إعلامها بالكرة فى ملعب الحكومات الناشئة ويترك البعض يتحدث عن قرارات اقتصادية خاطئة رغم أن الحقيقة واضحة كالشمس. 

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية أن شركات التقنية لديها الإمكانية للتحكم فى المحتوى وأن تسكت أى صوت مخالف لصوت الغرب فى الحرب بل إن لديها القدرة على إسكات صوت الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب حينما حذفت حساباته من كل مواقع التواصل الاجتماعى لتثبت أنها قادرة على محو أى محتوى فلماذا تترك مساحات للشائعات والتلاعب بالعقول من جانب جماعات إرهابية ومتطرفة فى الشرق الاوسط، وماذا عن ملايين الصفحات والحسابات التابعة لجامعة الإخوان الإرهابية وتحريضها العلنى على العنف وتدمير الأمن والسلم فى المجتمعات العربية بسلاح الشائعات والتشكيك والتحريض الممنهج وتشوية الواقع، لماذا تترك وسائل التواصل الاجتماعى كسلاح فى يد جماعة إرهابية مثل الإخوان رغم أنها تمثل خطرا على كل شعوب الشرق.

ولا يخفى على أحد أن الجماعة الإرهابية تستخدم تكتيكات الحرب النفسية ضد الأنظمة السياسية التى تكافح انشطتها مثل مصر وتونس ودول الخليج فهى تسعى بشكل دائم لتفجير تلك المجتمعات من الداخل وتستخدم الإعلام ووسائل التواصل لضخ الشائعات وتشويه الإنجازات المتحققة على الأرض فى مصر وغيرها من الدول، بينما تخاطب الغرب بلغة أخرى قائمة على تشويه حالة حقوق الإنسان فى الدول المستهدفة باستخدام آلة إعلامية جبارة لا تهتم بالمعايير المهنية أو المصداقية بقدر ما تستخدم كبوق يكرر الشائعات والقصص المفبركة بشكل تكرارى منتظم وبلغات متعددة حتى تقتل أى إمكانية للرد عليها وكشف الحقائق مستفيدة من الاختلال الكمى فى تدفق المعلومات بين الشمال والجنوب.

فالعالم يحصل على أكثر من 80 % من أخباره من لندن وباريس ونيويورك ومن خلال وكالات الأنباء العالمية الكبرى، بينما المعلومات الواردة من الدول النامية ضئيلة الحجم لا تشغل إلا مساحة صغيرة لا يعنى بإبرازها، ومتواضعة من حيث التحرير والعرض إلى الحد الذى يندر معه ظهور مناطق كاملة من العالم لفترات طويلة فى سبل الاخبار المتدفقة دوليا.

وتحتكر الولايات المتحدة وحدها %75 من الرسائل التى تتدفق عبر أنحاء العالم، كما أن الشركات الأمريكية عابرة القارات تسيطر على %65 من تدفق الأخبار و%75 من تدفق البرامج التلفزيونية و%50 من الأفلام التى تتدفق عبر العالم، كما تمتلك الشركات الأمريكية عابرة القارات %45 من بنوك المعلومات و%62 من أنظمة الكمبيوتر بالإضافة إلى السيطرة على شبكات المعلومات. بينما وفرت تقارير منظمات حقوق الإنسان أو التابعة للجماعة المادة الخام للإعلام الغربى الموجه حتى يقوم من خلالها بممارسة التشويه اليومى ضد الدول المستهدفة، فكثير من تلك البيانات يعتمد على معلومات تقدمها المعارضة أو الجماعات المناهضة للدول، وتتعامل تلك المنظمات معها باعتبارها حقائق دونما تدقيق أو مراجعة وهو ما دفع كثير من دول العالم لاتهام تلك المنظمات رسميًا بتسيس عمل حقوق الإنسان مثل مصر والسعودية والبحرين وسوريا وليبيا واليمن.

والخلاصة أن دول الشرق تعانى وتدفع فواتير ظالمة فى وقت حرج سببها الوحيد هو الصراع بين الكبار والإصرار على تنميط عقول البشر عبر سياسات العولمة الجهنمية بنمط حياة واحد ووحيد.