الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. حصة الدين.. أول خطوة فى تجديد الفكر

الطريق الثالث.. حصة الدين.. أول خطوة فى تجديد الفكر

أثار مقال «كتاب الدين»، للصديق العزيز شريف سعيد المخرج والروائى المعتبر، شهيتى الإعلامية واستدعى حديثه عن «حصة الدين» فى المدرسة، خواطر وشجون الماضى والحاضر عن علاقاتنا وعلاقة أبنائنا مع صحيح الدين، فدفع ملف «الدين فى مدارس مصر» إلى أولويات أجندة عملى المجتمعى ومقالاتى الصحفية وأحاديثى الإعلامية، لما يمثله فى ظنى من أهمية قصوى فى مصير أفكار وأخلاق وقيم المجتمع لسنوات قادمة.



فكرت أن يحدث ذلك من خلال طرح الموضوع للنقاش العام، فى كل الصور والأطر الممكنة، لعل أصواتنا تحرك مياهًا راكدة فى هذا الملف المسكوت عنه، والذى يثار كل حين، كشائعة مغرضة تهدف إثارة الرأى العام بالتلويح بإلغاء مادة التربية الدينية من المدارس المصرية، وهى شائعة تهف توريط الحكومة فى مواجهة مع المجتمع، وصدام فى غير محله أو وقته، دون إعداد كافٍ ونقاش مستنير، وتكرار إشاعة الأمر يهدف إلى تكبيل الدولة فى التعامل مع هذا الملف الخطير، وتحجيم المسئولين عن ملف التعليم وحرمانهم من حرية التفكير فى حلول لمعالجة الأمر.

ولا شك أن معالجة أزمة «كتاب الدين»، تعد خطوة مؤثرة على طريق استعادة الدور الحقيقى للدين فى حياة الإنسان المصرى المعاصر، بعد أن تحول إلى أدوار أخرى (مشبوهة) تُستدعى بحسب الحاجة ووفق مصالح ضيقة تخدم أچندة أهداف تتكاثر كلما اشتد الزمان وتنحرف فى سراديب التخلف والجهل بعد أن أحكم التطرف قبضته على المجتمع.

إن مقالى يمثل نقطة انطلاق لفتح هذا الملف، لعلنا نلفت النظر إلى الكتاب المنسى والحصة المعلقة «بين بين».. حصة الدين، والتى تسبب وضعها فى اختراع قصص وهمية، سمعناها ورددناها جميعًا، قبل أن ترتقى أفكارنا وتنضج معارفنا، واستمرار ترديد نفس الخرافات حتى اليوم، مؤشر خطير لما تسبب فيه هذا الوضع العجيب لأهم كتاب تعليمى لدى طلاب المدارس العامة فى مصر، «كتاب الدين» الذى كان يمكن أن يكون طوق نجاة، وأول طريق الحل لكثير من مشكلات المجتمع، لكنه تحول إلى عبء يجتهد الجميع للتخلص منه. ولكن، كيف نتعامل مع هذا الكتاب المهمل؟، وكيف نستثمر وجوده فى إعلاء الروح الوطنية والدينية؟، وهل يمكن تغيير منهجه وشكله ونمط تدريسه؟، ومن يمتلك سلطة التغيير، وإرادته؟، وأسئلة أخرى صعبة، ومهمة، تبحث عن إجابات شافية.

وقد نشرت عبر صفحتى على موقع التواصل الاجتماعى (Facebook)، فيديو جديدا من برنامجى الإلكترونى (مش حصة دين)، طرحت فيه سؤالًا استنكاريًا، جعلته عنوانًا للفيديو: (هما أولادنا بيتعلموا دين إزاى وفين؟)، وناقشت فى الفيديو مسألة تراجع دور الجهات الثلاثة المسئولة عن التربية الدينية للنشء (الأسرة، المدرسة، المسجد) بفعل جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات احترازية، وما سبقها من سنوات التيه السياسى الذى اختلط فيه الحابل بالنابل مع الدين فى صراع مرير، أفضى إلى تراجع شغف المجتمع بحصة الدين وكتابها فى المدارس المصرية، ووصل الإهمال حدًا لا يوصف، وربما يكون ما جعله ملحوظًا بشكل غير مسبوق فى تاريخ مصر الحديث، التراجع العام فى المستوى التعليمى والأخلاقى للطلاب خلال السنوات الأخيرة.

وظنى أن حصة الدين وكتابها هما الموضوع الأخطر فيما يخص مسألتى تطوير التعليم وتجديد الفكر الدينى، والأمر يحتاج إلى نقاش مجتمعى موسع، وتصور يحظى بتوافق عام، وهو ليس دور الحكومة وحدها ولكن يجب أن يبادر الإعلام ويتفاعل المجتمع المدنى كى تتبلور رؤى متنوعة، مثلًا: أن تكون هناك مادة جديدة تصبح أساسية وتدخل المجموع وتتساوى مع المواد العلمية الأخرى، وليكن اسمها «مكارم الأخلاق» مثلا، أو يقرر المجتمع إلغاء مادة التربية الدينية مثلًا، أو يقرر ما يشاء بما يتوافق مع إرادة المصريين، مسيحيين ومسلمين، فالأفكار كثيرة ولم يعد مناسبًا تجاهل (الدين) وإهماله فى المدراس، ويجب استثمار مرحلة (الجرد) التى يحدثها مشروع «الجمهورية الجديدة» فكريًا، وهو الحلم الذى بعث فى الأمة أمال التغيير والتطوير لبناء مستقبل أفضل، وعجل بعملية إعادة ترتيب ملفات الدولة والمجتمع، ويسر من طرح مثل هذه الموضوعات الشائكة للنقاش العام، بجدية وصراحة، لصياغة تصورات مناسبة للحلول.

وقد أسعدنى اهتمام جمهور المتابعين على (السوشيال ميديا) بفيديو (مش حصة دين)، والذى حقق أرقام مشاهدة عالية، إذا ما وضعنا فى الاعتبار طبيعة المحتوى (غير الترفيهى)، وقد انتخبت بعض التعليقات التى أظنها مهمة، وتفح أفاقا وتوسع مساحة الحوار، ومنها ما طرحته (الشيف) سارة عبدالسلام، وهى من مشاهير السوشيال ميديا، حيث قالت: «هنقل لحضرتك تجربتى الشخصية، فى الوقت اللى طلاب المدارس فى مصر كانوا بياخدوا مادة الدين كجزء مهمش من المنهج التعليمى.. أنا كنت عايشة فى إحدى دول الخليج وطبيعى بدرس منهجهم الحكومى.. فكان عندنا مادة الشريعة الإسلامية وكانت من المواد الأساسية اللى ليها حصة يومية وجزء كبير من إجمالى المجموع..

وبالبلدى كده مفيش فيها هزار وزيها زى العربى والعلوم والرياضيات.. كنت بستغرب جدًا زمان من سطحية بعض الأسئلة الدينية اللى بيسألها الناس بعدين اكتشفت أنهم معذورين لأن منهج الدين اللى درسوه لا يمت بصلة لمنهج الشريعة الإسلامية اللى أنا درسته».

ومن التعليقات الأخرى، ما كتبه حساب (السماء الصافية): «أنا من جيل اللى كان فى ندوات دينية فى حوش المدرسة واللى كان عنده أسئلة يحضرها ويطرحها على الشيخ وكان فى توعية دينية وأخلاقية وبنستفيد منها وخصوصا فترة المراهقة كل ده أختفى مع ظهور الموبايل والنت.. الوضع أختلف الآن.. لا بقى فى أخلاق ولا دين فى أغلبية الشباب وربنا يهدى الحال ويرحمنا برحمته».

وتعليق أخير يقول: «متفق مع حضرتك جدا، وفعلا غياب الأسرة أدى مع تراجع دور المسجد وإهمال كتاب الدين إلى حالة الضياع اللى بيعيشها ولادنا.. نظرة على بيوتنا حاليا.. تلاقى الأسرة كلها الموبايلات خطفتها وكل واحد فى عالمه الخاص.. الأم بقت (مش ملزمة) والأب (مش ملتزم) والعيال بتعبد جوجل وبتصدقه اكتر من أهلهم».

وأختم برأى أقدره، للدكتور عمرو هاشم ربيع عضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، سبق نشره عام 2017 فى صحيفة «المصرى اليوم»، قال فيه: «إلغاء مادة التربية الدينية هو سلاح نشهره فى مواجهة التطرف، فيرتد نصله إلى أعناقنا».