هناء فتحى
عكس الاتجاه.. سمعة الرئيس الفرنسى
يجلسُ جهازُ مخابرات أقوَى دولة فى العالم ليضرب أخماسًا فى أسداس، جهاز الـ«إف بى آى» الأمريكى قد أُسقِطَ فى يده، نَعَم لقد وقع الكبير أوى فى حيص بيص: فبَعد الإعلان العنترى المدوّى يوم 8 أغسطس الماضى عن القبض على 20 كرتونة مخفية فى منتجع «Mar-a-Lago» بولاية فلوريدا، بيت الرئيس السابق «ترامب» تحتوى على وثائق شديدة السّرّيّة، عددها 11 ألف وثيقة سرقها الرئيسُ السابقُ من البيت الأبيض فى نهاية مُدة رئاسته 2020 وأخفاها فى المنتجع إياه، واشتعلت الصحف ووسائل الإعلام بالخبر القنبلة الذى نزل على مفيش، وها نحن منذ بدء الكشف عن فضيحة (كراتين ترامب) حتى الآن لم تُخرج أجهزة المخابرات الأمريكية من جراب الحاوى الذى ترتديه ثعبانًا ولا فأرًا ولا شائعة تخص رئيسًا آخر غير «ماكرون» ولا حتى «بوتين» ولا الرئيس الصينى ولا الإيرانى..
فهل تخرج إحدى الوثائق لفضح بعض الأعداء من الداخل الأمريكى؟ حصل؛ فقد تم اتهام والتحقيق مع مستشار ترامب السابق «ستيف بانون» يوم 8 سبتمبر الحالى بسرقة أموال تبرعات الجدار العازل بين أمريكا والمكسيك، وتهمة «ستيف بانون» لم يجدوها فى وثائق كراتين ترامب لكنها خرجت من مكتب المدعى العام لمنطقة مانهاتن بولاية نيويورك، والتهمة المقصود بها إنهاك ترامب والإجهاز على سمعته ومنعه من الترشح فى الانتخابات المقبلة، والتهمة- ربما تكون صحيحة ومائة بالمائة دقيقة، لكنهم- جاءوا بها الآن حين لم تؤتِ كراتين ترامب أكلها.
طيّب بَس كده؟ الحكاية بَس كدة؟ آه، حتى الآن: نَعَم.. عملية مداهمة منتجع ترامب تمّت من أجل الكشف عن وثيقة واحدة فقط لا غير؛ بغرض فضح والحَط من سمعة ماكرون؟ ألم يكشفوا عن وثائق تخص أى بنى آدم أمريكى من الحزب المعادى؟ لأ، وهكذا أَكْفَت المخابرات الأمريكية على كراتين الوثائق (ماجور)؛ حيث أعلنت الـ «FBI» أن القاضية «إلين كانون» الموظفة بوزارة العدل الأمريكية تبحث فى أمْر ما إذا كان يجب عليها تعيين مشرف قضائى خاص لمراجعة الوثائق الـ 11 ألفًا المضبوطة فى بيت «ترامب» أمْ لا، شوف إزاى؟!
ماذا يعنى هذا؟ يعنى شيئين لا ثالث لهما:
1 - أن الحكاية- ربما- كانت (فيك) وفيلم هندى وخدعة وكذبة ولا وثائق ولا يحزنون.
2 - أن ماكرون كان مطلوبًا شَد أذنيه الاثنتين أو قرصهما بعنف.
فى الفرضية الأولى؛ ربما كانت فضيحة سرقة وثائق البيت الأبيض- لو كان الخبر حقيقيًا- قد تمّت بعِلْم وبموافقة ترامب نفسه لأمْر يخفيانه معًا: ترامب وجهاز المخابرات، فترامب سليم وحُر ومُطلق السراح واللسان لا يزال يعلن عن نيته خوض الانتخابات المقبلة عن حزبه الجمهورى، والأهم: لم يحدث له شىء، ولم يُزَج به إلى السّجن، ولم يتم التحقيق معه؛ لكنه كتب على صفحته الخاصة بإحدى وسائل التواصل الاجتماعى أن الوثائق المضبوطة ليست سرّيّة وتم رفع السّرّيّة عنها ولو كانوا طلبوها منه بالذوق لكان أعطاها لهم بالذوق.
أو ربما تمّت المداهمة دون عِلْم ترامب ورُغْمًا عنه لإثنائه عن الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة 2024، وذلك أمْرٌ لم يُحسَم بعد ولم تتبين ملامحه وستكشفه الأيام.
فى الفرضية الثانية الخاصة بالكشف عن شذوذ الرئيس الفرنسى فى أوراق ترامب يطرح السؤال نفسه: لماذا تمخضت كل الكراتين والوثائق فولدت «ماكرون» وحده؟
وهل أمْرٌ مثل هذا وفضيحة مثل تلك يهمّان مَنْ ويعيبان مَن؟ يعيبان الأمريكان؟ بالطبع لا، لكن يهمّان ماكرون وزوجته وسمعته وشعبه وبلاده حتى هذه الجزئية فيها شك وفيها كلام؛ لأن حكاية الشذوذ عند الغرب نسبية ولا تعنى فضيحة مجلجلة ولا يحزنون، فضيحة عادية، فالشواذ صاروا يتزوجون فى الكنائس بعقود رسمية، لكنها فى النهاية فضيحة لقصر الإليزيه والرئيس.. سؤال آخر؛ لماذا الآن؟ لماذا تريد أمريكا فضْح الرئيس الفرنسى ولماذا لم تفعل ذلك منذ عامين؟ وما الذى بين «بايدن» و«ماكرون» يستدعى كل هذا الفيلم؟
الإجابة ربما تكون فى الدور الذى يقوم به ماكرون مع بوتين وترفضه أمريكا وتابعها الاتحاد الأوروبى، فماكرون يرفض العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويحاول السعى لإيجاد صيغة سلام تنهى الحرب «الروسية- الأوكرانية» ويحاول إمساك العصا من المنتصف حتى لا يَمُت شعبُه من البرد ويسقط فى الظلام مع حلول الشتاء لو منع عنه بوتين الغاز الروسى.
أمريكا تعلم كيف تفجّر الأرضَ تحت الأقدام وكيف تصدع العلاقات بين الشعوب والحُكام وكيف تحيك المؤامرات بمعلومات حقيقية أو كاذبة، وهى تستطيع أن تشعل الأرض نارًا تستدفئ هى بها، أو يحترق الجميع.. والثابت حتى الآن أن كراتين الوثائق قد (لَطّت) سمعة «ماكرون» وحده ومن قبيل ذر الرّماد فى العيون تحدثت الـ«إف بى آى» عن وثيقة داخل الـ20 كرتونة تحوى معلومات عن أسلحة نووية، لم يحدد جهاز المخابرات تخص مَنْ هذه الوثيقة.
والثابت حتى الآن أن المخابرات الأمريكية تلعب فى تايوان وفى أوكرانيا وفى أى مكان يهدد مصالحها، وأن لكل عدو ستخرج وثيقة من الأحد عشر ألفًا المزعومة فأعداؤها أكثر من أحد عشر ألفًا.>







