الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. خديجة الحسناء ولعبة الست

كدهوّن!.. خديجة الحسناء ولعبة الست

تقول الأسطورة إن الراجل فى كل مكان وزمان دائمًا ما يشاهد الطُعم ويجرى خلفة ويتعلق به ولكنه أبدًا لا يرى الصنارة ولا اليد التى تمسكها وتشده تجاهها بقوة دون أن يُدرك أنه مجرد فريسة سهلة جدًا وأنه قد بلع الطعم ووقع فى الفخ دون أن يدرى وبمنتهى السذاجة يتوهم ذلك المسكين أنه سيد الموقف ومحرك الأحداث وهو الذى يمسك بزمام الأمور كلها بين صوابعه كصياد ماهر مما يسهل عملية صيده وترويضه وافتراسه إذا لزم الأمر نتيجة لغروره هذا واعتماده على قوته على حساب استخدامه لعقله؛ خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمرأة وكِدَهُوّن.



 

قد لا يخفى على أحد أن الصياد الحقيقى هو المرأة ذات نفسها ذلك المخلوق الجميل (هى اللى بتقول كده عن نفسها) فعلى اختلاف ثقافتها وبيئتها وشخصيتها دائمًا ما تستطيع أن تصنع الطعم المناسب الذى تستطيع به أن تجذب الرجل إليها بل وتضمن انسياقه لها حتى آخر يوم فى عمره (معروف أن الراجل بيموت قبل شريكة حياته؛ خصوصًا لو كانت مصرية) فتوهمه بأنه سيدها وبإشارة صغيرة من يده يحدد مصيرها ويصنع سعادتها فيصدقها ذلك الساذج ويدخل شباكها بكامل إرادته ليعش سجينًا مكرهًا إلى الأبد حتى إنها أطلقت نظريتها الشهيرة (تيجى تصيده يصيدك) بناءً على تجربتها التاريخية فى فنون الصيد والترويض والتهذيب وكِدَهُوّن.. أيقن الأستاذ نجيب الريحانى بخبرته الكبيرة تلك الحقيقة الغائبة عن بعض الأبرياء وبرع فى اختيار اسم فيلمه الجرىء (لعبة الست) وفى اختياره للفنانة تحية كاريوكا لتجسّد شخصية «لعبة» وأيضًا شخصية «خديجة الحسناء» فى الفيلم الموازى الذى يتم تصويره داخل الفيلم الأساسى مستغلا قوة شخصيتها الفطرية وأنوثتها الطاغية وجمالها الشرقى الآخاذ وموهبتها الفريدة فى الرقص الشرقى عندما تميل بجسدها المثير يمينًا ويسارًا دون أن تتحرك من مكانها، فتميل معها قلوب الرجال وعقولهم فيسهل عليها اصطيادهم والسيطرة عليهم بعد ذلك كما يحلو لها وكِدَهُوّن.. نرى نجيب الريحانى عندما دخل غرفته وشاهد تحية كاريوكا لأول مرّة وهى نائمة وقد انكشف عنها فستانها ليظهر مفاتنها الرائعة فيقف للحظات مسحورًا من شدة جمالها ويتذكر مقولة أحد المتحدثين فى ندوة كان قد حضرها فى بداية الفيلم عن المعنى الحقيقى للسعادة، فهتف الرجل بأعلى صوته: «ليست السعادة فى جمال النساء» فيعيد نجيب الريحانى النظر مرّة أخرى إلى سيقان تحية كاريوكا المرمرية، فيبتسم فى سخرية من صاحب الجملة ويردد فى سخرية: «جاتك خيبة، أمّال السعادة فى إيه يا اهبل»!، وهنا يعلن فيلم (لعبة الست) صراحة عن قناعاته بأن السعادة كلها فى جمال المرأة؛ خصوصًا إذا كانت مدركة لقوة جمالها وتأثيره على الرجال المغفلين الذين يغفرون لها كل خطاياها كى ينعموا بلحظة رضا منها، وكِدَهُوّن.. بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة على مشاهدتى الأولى لفيلم (لعبة الست) لم أستطع أن أكتشف حتى يومنا هذا ما هى حقيقة لعبة الست؟؛ خصوصًا أنها دائمًا ما تظهر عكس ما تبطن لتصل إلى هدفها غير المعلن بطريقتها الملتوية وربما كانت تضطر للالتواء كى تتجنب الصدمات وتتحايل على عادات وتقاليد شرقية تحصرها فى قالب جنسى مثير، فتحد من حريتها وتقضى على طموحها فى أغلب الأوقات إرضاءً لنعرات الرجال، فتجد نفسها تلعب دور الضحية حتى تتمكن من اقتناص الفرصة؟ ويبقى السؤال حائرًا بداخلى: هل لعبة الست هى متعة اللعب بهؤلاء الرجال الهائمين بجمالها وسحرها والمنبطحين أمام إغرائها أمْ لعبتها هى جمع أكبر قدر من الأموال والمجوهرات فقط لتأمين حياتها ولضمان استقلالها وعدم خضوعها بعد ذلك لأى رجل؟ أمْ أنها تستغل مكرها الأنثوى الفطرى كسلاح فعال للهيمنة على الرجل ومن ثمّة تهيمن على العالم كله من خلاله وكِدَهُوّن.. لعبت تحية كاريوكا بأنوثتها وجمالها ورقصاتها بعقول كل رجال الفيلم دون استثناء بداية من زوجها حسن وابور الجاز المتيم بحبها وابن خالتها محمود بلاليكا الذى يرضى بأن يتحول من خطيبها لوسيط غرام ومرورًا بمخرج الفيلم الذى لعب دوره «حسن فايق» الذى هام خلفها فى الشوارع حتى وصل لمنزل والدها ليطلب منه موافقته على أن تكون نجمة أفلامه ونهاية بالمليونير العجوز القادم من بلاد الشام وقد تعلق بها وجاء خلفها للقاهرة حتى يفوز بالجواز منها بعد أن أوهمته بأنها مخطوبة فقط وليست متزوجة فصدَّقها المسكين وأغدق عليها هى وأسرتها الأموال والهدايا وكِدَهُوّن.. فلم يكن صدفة أبدًا أن يكون اسمها فى الفيلم هو «لعبة» رغم أنه اسم غير منتشر إطلاقًا ولكنه يختزل طبيعة العلاقات داخل هذا الفليم وكيف لعبت «لعبة» كل الألعاب لتصل إلى هدفها رغم أى شىء قد يعوق طريقها حتى إنها لا تتردد فى العودة لزوجها السابق بنتهى البجاحة عندما أصبح مليونيرًا ويمتلك تجارة ضخمة وتوهمه بانتحارها بشرب السُّم لندمها على ما ارتكبته فى حقه وعندما يصدقها ويتعاطف معها بعد كل خيانتها له ويقرر أن يموت بالسُّم أيضًا (كما فعل روميو وجولييت) فنجدها تضحك فى ميوعة وتقول له: «ده مش سم يا عبيط ده روح الورد»!- فيضحك فى هطل ويأخذها معه فى حضن طويل وكأن شيئًا لم يكن ويغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر وكِدَهُوّن.. ولم يكتفِ صُنّاع الفيلم بذلك بل صنعوا شخصية أخرى موازية لشخصية لعبة داخل الفيلم باسم «خديجة الحسناء» أكثر وضوحًا وإغراءً وفجورًا من شخصية «لعبة» التى تدعى ظاهريًا البراءة والعفة وانتصارها للحب والزواج والأخلاق، فترفض أن تتجاوب مع «حسن وابور الجاز» عندما اضطرتها الظروف للمبيت بغرفته بمفردها عندما قررت أن تهرب من منزل أسرتها حتى لا تتزوج ابن خالتها دون رغبتها، ولكنها قبل أن تستسلم للنوم تقرر أن تختبر أخلاقه بأغرب طريقة قد تلجأ لها عذراء وهى تعرية ساقيها بعد أن ادّعت النوم بعد أمّنت نفسها بإيد الهون أسفل مخدتها حتى إذا ما تطاول عليها أو حاول أن يتحرش بها فتكسر دماغه فما كان من ذلك المسكين البرىء إلا أن تَقدم نحوها بخطوات بطيئة حتى لا يوقظها وفرشَ الغطاء على جسمها بالكامل حتى يسترها فتبتسم فى مكر وتطمئن إلى أنها قد نجحت فى ترويض الوحش، فتقرر أن تنام نومًا عميقًا بعد أن آمنت شر ذلك الذكر الذى تنام ليلتها بمنزله وعلى فراشه وكِدَهُوّن.. أمّا «خديجة الحسناء» فمن أول لحظة لظهورها فى الفيلم الموازى للفيلم الأساسى نجدها تتعمد أن تظهر مفاتنها الاستثنائية بأقل قدر ممكن من الملابس وبدل الرقص لنشاهدها ترتدى مايوه بكينى فاضح (بينما لعبة تدعى الخجل من خلع ملابسها أمام زوجها وتجبره على أن يغمض عينيه) وتلتقى خديجة الحسناء بعشيقها على البلاچ ساخرة من زوجها المغيَّب وعندما سألها عشيقها عنه تقول له بدلال لا يخلو من الجبروت (أهو متلأح فى البيت زى كوم الغسيل)، ثم تغيب معه فى قبلة عنيفة وهى تردد: «لا بين البدور شفت حُسنك ولا بين الأغصان رإيت جمالك يا حبيب قلبى».. ليدخل فجأة زوجها المغلوب على أمره «حسن وابور الجاز» ليحدث الخلط بين الحقيقة والتمثيل وتتوحد شخصية «لعبة» مع شخصية «خديجة الحسناء» فى نفس السلوك الملتوى، وعندما يثور زوجها على قبلتها السينمائية نجدها تقول للمخرج (حسن فايق) بمنتهى البساطة والهدوء وبحنكة سيدة مجربة: «إحنا ناخده على قد عقله دلوقتى ونبقى نصور البوسة بعدين من غير ما يعرف لما يكون مش موجود معانا فى الاستوديو». وكِدَهُوّن.. عندما كنت طفلًا صغيرًا لم أستطع أن أفهم المراد من اسم الفيلم، ولكن أحببته وتساءلت وقتها: كيف تكون سيدة كبيرة وتلعب؟ وماهى لعبتها هذه؟ وأدركت مع الأيام أن الموضوع أكبر وأخطر من مجرد اسم البطلة، فلم يكن اختيار الاسم عشوائيًا ولا مجرد اسم تجارى، ولكنه أسلوب حياة، فرغم بساطته الظاهرة إلى أنه يحمل مفاهيم ومعانى مؤلمة وأحيانًا قاتلة وكِدَهُوّن.. منذ اللحظة الأولى فى فيلم (لعبة الست) نرى الانحياز الكامل لجمال الأنثى ودلالها وقدرتها الفائقة على جذب الرجل لها وخضوعه لها وغض بصره عن نزواتها وكِدَهُوّن.. يطرح فيلم (لعبة الست) سؤالًا بسيطًا ولكنه مؤلم جدًا لأن إجابته كاشفة عن طبيعة علاقة الرجل والمرأة داخل مجتمع شرقى متحفظ يعشق ممارسة الحياة العاطفية فى الظلام وخلف الأبواب المغلقة؛ حيث تتبادل الأوضاع ويصبح السيد عبدًا لجمالها وأنوثتها لتصبح هى الحاكم الآمر طلما أغلقت عليهما الأبواب وفى الصباح تعود الأمور مرة أخرى إلى نصابها العتيق فيتحول هو إلى سيدها وتعود هى إلى قيودها التى فرضتها عليها العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية؟ وكِدَهُوّن.. بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة على مشاهدتى الأولى لفيلم (لعبة الست) لم أستطع أن أصل إلى حقيقة لعبة الست داخل مجتمع شرقى يرفضها فى العلن ويعبدها سرًا فتعود لتنتقم من كل رجال العالم واستعبادهم بجمالها ومفاتنها المتوهجة حتى تضمن لنفسها الحياة الآمنة رغم كل القيود والصعوبات التى تقابلها فى طريق حياتها لتصبح لعبتها المفضلة هى الدنيا وما فيها.>