الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عندما تتحول منافسة القوى العظمى  إلى تغيير النظام الدولى  العالم يدفع ثمن صراع «تكسير العظام»

عندما تتحول منافسة القوى العظمى إلى تغيير النظام الدولى العالم يدفع ثمن صراع «تكسير العظام»

مرحلة جديدة دختلها الأزمة «الروسية-الأوكرانية»؛ إذ أشعل الغاز الروسى الموقف بين «موسكو» والغرب. وذلك، بعد أن أوقفت «روسيا» أكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسى إلى «ألمانيا» (نورد ستريم- 1)، ردًا على اتفاق مجموعة السبع على تحديد سقف لأسعار النفط الروسى. وقد تزامنت تلك التحركات مع إعلان «الولايات المتحدة» عن دعم عسكرى لـ«تايوان» بأكثر من مليار دولار، فى الوقت الذي أجرت فيه «الصين وروسيا» مناورات عسكرية مشتركة هى الأولى من نوعها منذ 2018.



وفى خضم هذه الأحداث السريعة المتتالية، كان لا بُد من فتح حلقة نقاش حول حالة التصعيد المستمر بين الأطراف المتنافسة فى الشرق والغرب، للإجابة عن أهم الأسئلة التي باتت تشغل الرأى العام العالمى، ومنها: هل بدأت حروب الطاقة بين «روسيا» و«الاتحاد الأوروبى»؟ وكيف استعدت القارة العجوز لموسم الشتاء؟ أما على الجانب الآخر، فكان لا بُد من التساؤل حول تبعات قرار «الولايات المتحدة» بتزويد «تايوان» بصفقة أسلحة متطورة؟

وعليه، حاورنا كلًا من: رئيس تحرير الأهرام ويكلى «عزت إبراهيم» والكاتب الصحفى والمحلل السياسى «سيد جبيل» وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة «نورهان الشيخ» ومدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور «محمد فايز فرحات» وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية، ورئيس وحدة الدراسات الأوروبية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتور «توفيق اكليمندوس» وأستاذ العلاقات الدولية فى جامعة «جورج تاون» الدكتور «إدمنود غريب» والكاتب  والمحلل السياسى الصينى «نادر رونج هوان».

والبداية عند أستاذ «عزت إبراهيم»، كيف قرأت تطورات الأحداث الأخيرة؟

- بخلاف ما يتردد فى وسائل الإعلام، هناك أجندات يجرى الإعداد لها خلف العناوين كثيرًا، إذ تحظى الأطراف المتنافسة برؤى استراتيجية يحاول كل منهم تطبيقها على أرض الواقع.

بصورة أكثر وضوحًا، يمكن القول أن الجانب الروسى لديه مصلحة مباشرة فى إثارة الداخل الأوروبى عبر وقف أو تقليل ضخ الغاز. وهنا أحب أن أشير إلى أننا على أعتاب حرب الشهور الستة المقبلة، التي أعتبرها فاصلة فى العلاقات الروسية الغربية.

فتستعد «موسكو» لإجراء استفتاء فى المناطق التي تسيطر عليها داخل «أوكرانيا»، بينما قد تثير فكرة الضم الكامل لمنطقة «دنباس» إلى «روسيا» حفيظة الغرب، وتعتبره هزيمة مباشرة له.

أضف إلى هذا، أن مؤشرات الاقتصاد الروسى خلال الفترة الأخيرة، أشارت إلى أن الروس لم يخرجوا مهزومين مما جرى، وهو ما أكدته مجلة «إيكونوميست»، إذ أوضحت أن «موسكو» حظيت على مكاسب مباشرة خلال الفترة الماضية، وذلك بعد تسجيل فائض فى الحساب الجارى الروسى بلغ 265 مليار دولار، بسبب وجود مشترين للغاز والبترول الروسى خارج «أوروبا». 

كما أكد الروس أن لديهم القدرة على المناورة والحصول على السلع من أسواق بديلة، خصوصًا أن الدول المشاركة فى العقوبات على «موسكو» 100 دولة، وهو ما يمثل %60 من دول العالم.

أما على الجانب الغربى، فأرى أن المشكلة عندهم تكمن فى أسعار البترول، وليس إمدادات البترول، حتى وإن كانت الإمدادات تعد عاملًا فى ارتفاع الأسعار. وذلك، لأن «أوروبا» قادرة على توفير البدائل. 

ومع ذلك، فإن «الاتحاد الأوروبى» أمام خيارين - وفقًا لورقة صدرت عن صندوق النقد الدولى منذ شهرين - إما سوق مجمعة لإمدادات الغاز، أو سوق مفتتة..وما نراه خلال الفترة الأخيرة، هو الاتجاه لفكرة السوق المجمعة، ولعل أبرز الأمثلة التي تدل على ذلك، هو تصريح الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، الذي دعا فيه إلى ضرورة توفير دول «الاتحاد الأوروبى» الغاز لبعضها البعض.

الأستاذ «سيد جبيل» هناك تباين فى احتياجات الطاقة بالنسبة للدول الأوروبية..فهل ترى أنهم بصدد انتظار ستة أشهر أخرى من النزاع؟

- فى رأيى، أعتقد أن أمد الحرب «الروسية- الأوكرانية» سيطول، حتى وإن حدث توافق فى أى وقت من الأوقات. 

ففى الرابع  والعشرين من أغسطس الماضى،  صرَّح  «البيت الأبيض» بأنه يبحث عن اسم لمشاركة القوات الأمريكية فى دعم «أوكرانيا» فى مواجهة العملية العسكرية الروسية، وهو ما يعنى أنها لن تكون عملية قصيرة. كما أعلنت السلطات الأمريكية فى اليوم نفسه، أنه سيتم الاستقرار على جنرال أمريكى يدير الجهود الأمريكية، بالإضافة إلى الإعلان عن حزمة مساعدات جديدة قدرها 3 مليارات دولار، على أن تكون المساعدات عبارة عن تعاقدات ستتم على مدار ثلاث سنوات من الأسلحة. 

وبالتالى، فإن المؤشرات على الحرب الطويلة كثيرة، وهو ما يتم ملاحظته من خلال تصريحات وزير الدفاع الأمريكى «لويد أوستن»، التي قالها فى 25 إبريل الماضى بعد زيارته لكييف، بأنهم: «حريصون على إضعاف «روسيا»، بحيث لا تكرر ما فعلته فى «أوكرانيا» مرة أخرى»، وهو ما أكد عليه -أيضًا- وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، ما يوضح أن الهدف الأمريكى، هو إضعاف «روسيا» وليس مساعدة «أوكرانيا».

السؤال الآن للدكتورة «نورهان الشيخ»، ما هى رؤيتك للسياق الإعلامى الغربى أثناء تناوله الأزمة «الروسية -الأوكرانية»؟

- أنا أرى أن السياق الإعلامى الغربى مضلل إلى حد كبير، وبعيد عن الواقع، لأنه يحاول إبراز إنجازات القادة الأوروبيين أمام شعوبهم. 

ولكن، فى الحقيقة، إن حجم المكاسب الروسية أكبر بكثير مما نتابعه فى الإعلام، بمعنى أن «روسيا» حققت أهم أهدافها من العملية العسكرية الروسية، ومن بينها تلك النقطة المسكوت عنها، وهى «البحر الأسود»، التي تعد محط أنظار الجميع كهدف استراتيجى، خاصة بعدما تقلص النفوذ الروسى عقب تفكك «الاتحاد السوفيتى» سابقًا، إذ أراد الغرب تطويق «روسيا» فى «البحر الأسود». ولكن، عقب العملية العسكرية الروسية، تمكنت «موسكو» من السيطرة على أكبر مساحة من «البحر الأسود».

وأعتقد الآن أن «روسيا» فى مرحلة مختلفة تمامًا عن تلك التي يتصورها الغرب؛ إذ استطاعت «موسكو» كسر عزلتها، فيما يمارس الروس حياتهم بشكل طبيعى، ولعل أحدث مثال على ذلك، هو مشاركة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى «منتدى الشرق الاقتصادى»، الذي تشارك فيه أكثر من 40 دولة حول العالم.

وعلى النقيض، صار الغرب يعانى من عدة أزمات. وفى رأيى أن جزءًا كبيرًا من الأزمة يعود لشخصنة الأوضاع، التي عادة ما تتم الإشارة فى الإعلام الغربى إلى الرئيس الروسى.

دكتور «توفيق اكليمندوس».. هل تستطيع أوروبا مواجهة أزمات الطاقة؟ 

- «أوروبا» قد تتجاوز الشتاء لكنها ستتأثر بشكل سلبى، عبر تراجع اقتصادها بشدة مما قد تسفر عن احتجاجات داخلية.

ومن أجل معرفة الوضع الحالى بالنسبة للأزمة «الروسية-الأوكرانية»، يجب أن نقارن بين المشهد العام  يوم 26 فبراير الماضى، وما قيل وقتها، وبين المشهد اليوم، فما قيل فى الماضى، إن «روسيا» سوف تهزم «أوكرانيا» خلال أسبوع، وعلى الطرف الآخر، قيل إن الغرب سيجبر «موسكو» على الركوع خلال 3 أشهر. ولكن، الحقيقة أن «روسيا» لم تهزم «أوكرانيا»، بينما أطلق الغرب رصاصًا على نفسه فيما يخص الساحة الاقتصادية الذي صار فى موقف حرج.

باختصار أرى أن الطرفين لا يجنيان إلا الخسارة، كما صار المشهد عكس التوقعات.

دكتور «إدمنود غريب».. كيف ترى تطورات الأزمة «الروسية-الأوكرانية»، وما هى توقعاتك للأسابيع المقبلة؟

- ما نراه الآن، هو أن الصراع وصل لمستوى لم يكن أحد يتوقعه، فالرئيس الأمريكى «جو بايدن» قال مع اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، إنه سيفرض عقوبات على «موسكو»، من أجل ردعها. ولكن، هذه العقوبات لم تردع الروس.

كما أن التقدم الروسى مستمر، وإن كان بشكل بطىء.. فموسكو تسيطر على معظم مناطق الشرق والجنوب فى الأراضى الأوكرانية، وإذا نجحت فى السيطرة على «كييف» و«أوديسا»، فإن «أوكرانيا» ستتحول إلى بلد برى، أى من دون أى منفذ على البحر، فى الوقت الذي ستسيطر فيه «روسيا» على المياه  والمناطق ذات الأهمية الأكبر من الناحية الاقتصادية. 

على صعيد آخر، من الضرورى التنويه إلى أن  الخسائر الأوكرانية بسبب العملية العسكرية الروسية كبيرة جدًا، وهناك من يتحدث بأن هذه الخسائر بين 60 و70 ألف جندى أوكرانى، وهم النخبة فى القوات الأوكرانية. 

يأتى هذا على الرغم من تقديم «واشنطن» نحو 74 مليار دولار مساعدات إلى «أوكرانيا»، وهو مبلغ لم تدفعه «الولايات المتحدة» من قبل كمساعدات، وهو ما دفع عددًا من المواطنين الأمريكيين -فى الأونة الأخيرة- إلى انتقاد إنفاق هذه الأموال على دول أجنبية، خصوصًا مع ارتفاع أسعار السلع والوقود.

نتجه الآن للحديث عن الموقف الصينى من الأزمة «الروسية-الأوكرانية».. دكتور «فايز فرحات» هل توقيت المناورات العسكرية الأخيرة بين «الصين وروسيا» له دلالات؟

- إن المناورة بين «روسيا والصين» تحمل دلالات كثيرة ورسائل واضحة. وفيما يتعلق بالتوقيت فإن لها معانى مختلفة، وعلى رأسها الأزمة الروسية-الأوكرانية، أى أن «بكين- وموسكو» يتعاملان باعتبارهما جبهة واحدة، أو جزءًا من معسكر فى مواجهة معسكر آخر، وهو المعسكر الغربى. 

كما تعد المناورات تجسيدًا لبيان 4 فبراير الماضى، الذي تناول شراكة استراتيجية بلا حدود وسقف بين البلدين. 

بصورة أوضح، تعد  المناورات إجابة واضحة على أن «الصين وروسيا» سيتعاملان باعتبارهما جبهة واحدة فى مواجهة «الولايات المتحدة»، وحلف شمال الأطلسى (ناتو)، الذي لم يعد كيانًا يهتم بقضايا الأمن الأوروبى فقط،  بل دخل -أيضًا- فى سجال مع «الصين» بخصوص من هو الطرف المسؤول عن عدم الاستقرار فى النظام العالمى، ومن الذي يمثل التهديد الرئيسى. 

ولكن، هناك نقطة لا بُد من الالتفات إليها أثناء الحديث عن الموقف الصينى من الأزمة الراهنة، وهى ارتفاع تكاليف الحرب، وضغط الوقت؛ إذ سيظل الموقف الصينى، هو تجنب أى مواجهة عسكرية مع «الولايات المتحدة»، وأى قوى غربية لأطول مدى ممكن، وهذا ما يفسر موقفها، عندما اتخذت مسافة محسوبة عن «روسيا»، حيث تدير أزمة «تايوان» باعتبار أنها عملية طويلة المدى.

والسؤال الآن للكاتب والمحلل السياسى الصينى «نادر رونج هوان»، حدثنا أكثر عن التدريبات العسكرية بين روسيا والصين؟

- التدريبات المشتركة بين «الصين، وروسيا» ضمن برامج التعاون بين البلدين، وهذا العام كانت التدريبات كبيرة، نظرًا لمواجهة المنطقة عددًا من التحديات الأمنية، إلى جانب الاستفزازات المستمرة.

كما أن الدولة الصينية تؤمن بأن القدرات العسكرية، يمكن أن تحافظ عى التوازن العسكرى، والاستقرار والسلام فى المنطقة.

هلا توضح لنا المشهد من داخل «الصين» عن التطورات الأخيرة  فيما يخص «تايوان»، وما هى توقعاتك للفترة المقبلة؟

- بخصوص موقف «الصين» من مسألة «تايوان»، هو أن الأولى تؤمن بأن الثانية جزء لا يتجزأ من الأراضى الصينية. كما أن «بكين» لا تسمح بأى تدخلات خارجية فى شؤونها الداخلية.

على صعيد آخر، ترى السلطات الصينية أن السياسات الأمريكية والغربية تستخدم «تايوان» كورقة ضغط، أو قطعة شطرنج، من أجل احتواء صعود «الصين». وهنا، صار الوضع معقدًا، خاصة أن الأوساط السياسية الداخلية فى «الصين» تعتقد أن إعادة توحيد البلاد هى مسألة وقت.

بالعودة للدكتور «فايز فرحات»، ما هى الشروط التي تدفع «الصين» لدخول «تايوان»؟

- قبل أى شىء، سيكون الداعى الرئيسى، هو إعلان «تايوان» استقلالها عن «الصين» من جانب واحد، وهو التغيُّر الرئيسى الذي تنتظره السلطات الصينية. 

فى تقديرى، أرى أن النخبة الحاكمة فى «تايوان» الآن، لا تقرأ المشهد بأنه قد يكون لحظة مواتية لإعلان مثل الاستقلال فى ظل الأحدث التي يمر بها النظام الدولى.

نختتم حوارنا، بسؤال أخير لأستاذ «سيد جبيل»، هل صارت الحرب العالمية أقرب من أى وقت؟

- هناك دراسات أُجريت حول فكرة «القوة المهيمنة أمام القوة الصاعدة»، ووجد خلال دراسة 16 حالة، أن 12 منها انتهى بها الحال لنشوب حرب، بينما كانت الأربع حالات الباقية، هى تلك التي انتقلت فيها السلطة بصورة تبادل هادئة. 

وفى نظرى، لا أرى من سلوك السياسة الأمريكية مع «الصين»، إلا فى إطار التنافس، وليس الصعود السلمى لقوة أخرى.

وللحديث بقية.