الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. العراق.. مأساة وطن

الحقيقة مبدأ.. العراق.. مأساة وطن

لم تسقط العراق ولم تسقط بغداد.. بل سقطنا جميعا حين عجزنا عن توقع اجتياح العراق للكويت ثم سقطنا مجددًا حين عجزنا عن وضع حل يقنع الراحل صدام حسين بالتراجع.. وسقطنا مجددًا حين لم نجد سوى الانبطاح أمام رغبة أمريكية محمومة بالسيطرة على المنطقة واحتلال العراق ثم تفكيك جيشه، واستمر السقوط حين لم نعِ أن واشنطن تصنع واقعًا جديدًا للمنطقة بهدمها ثم إعادة رسم خريطتها من جديد..



 

السطور السابقة ليست مجرد مقدمة واستهلالاً وإنما اعتراف واجب أمام النفس والقارئ ومنها يكون المدخل إلى ما وصل إليه العراق من أحداث دموية أخيرة أظهرت عمق الأزمة التى بدأت بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس وخلاف فى البرلمان، وقتل 30 عراقيًا فى تلك الأحداث، لكن القوى السياسية -وبينها مقتدى الصدر- لم تقدم إجابة واحدة.

أنهى سماحة السيد الصدر الاعتصام والتظاهرات التى كان من نتيجتها الصدام المسلح بين المعتصمين وخصومهم، بكلمة له تم بثها إلى المعتصمين والمتظاهرين وإلى الشعب العراقى، ومن ثم أضاف أن هذه لم تكن ثورة ويقصد هنا ثورة عاشوراء، لأنها خرجت عن سلمتيها كما خرجت ثورة تشرين فإن كلتيهما لم تعدا ثورة بسبب جنوحهما إلى العنف، لذا أدين هذه الثورة كما قد أدنت فى السابق ثورة تشرين. فى النهاية أمهل أنصاره ساعة واحدة لفض الاعتصام وكل أشكال التظاهر، لكن لنقف لحظات أمام أصل المشهد وهو ترشيح الإطار التنسيقى إلى رئاسة الوزراء السيد محمد شياع السودانى، من كتلة دولة القانون، مما أزعج التيار الصدرى الذى فاز بأغلبية مقاعد البرلمان والتى تبلغ 73مقعدًا، مع الأحزاب الكردية وأحزاب شمال وغرب العراق التى تحالفت معه.

ما يعلنه التيار الصدرى هو بناء دولة من أهم متبنياتها للفترة المقبلة هو الإصلاح، وإنهاء المحاصصة، لكن ما يحدث على الواقع يعد بعيدًا بالكلية عن هذا التوجه، ورغم المطالبات باشتراك كل الكتل والأحزاب فى الحكومة المقبلة فإن التيار رفض ذلك وبإصرار غير آبهٍ بجميع الحوارات التى جرت من أجل تليين موقفه ومتمسكاً بتنفيذ ما وعد به، فى تشكيل حكومة أغلبية، لكنه لاحقًا لم يتمكن من ذلك، والمشكلة الحقيقية هى أن التيار والأحزاب المتحالفة معه، لم تتمكن من حشد ثلثى عدد البرلمان عدد من أعضاء البرلمان، الذى أوصت به المحكمة الاتحادية وفقاً للدستور العراقى والذى ينص على ألا تعقد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلا بحضور ثلثى أعضاء البرلمان، ومن ثم بالنتيجة موافقة ثلثى أعضاء البرلمان، أن هذا الإخفاق دفع بمقتدى الصدر لأن يمهل خصومه فترات متتابعة كى يقوموا بتشكيل السلطة التنفيذية بعد انتخاب رئيس للجمهورية. تاليًا، الأمرّ والأدهى هو ما وقع فيه الصدر من دعوة أعضاء البرلمان من الكتلة الصدرية إلى تقديم استقالة جماعية وهو ما أفضى إلى أنه أصبح لخصومهم الكتلة الأكبر فى البرلمان، فما كان من مجموعة الإطار التنسيقى إلا أن رحبت فى حينها بقرار الصدر، وهو الأمر الذى دفعهم إلى السعى لتشكيل الحكومة، بترشيح السيد السودانى من دولة القانون، وكان هذا الترشيح هو الذى قاد إلى ما قاد إليه من تظاهرات واعتصام وتاليًا إلى العنف.

فلنتنفس جميعًا بعمق ونفكر بروية ونحن ننظر للمشهد السياسى العراقى من جميع جوانبه، فهو المشهد الأكثر ارتباكاً وتعقيداً وبتفرد غير مسبوق فى التاريخ السياسى الحديث للمنطقة بأسرها، بل فى العالم أجمع، فهو متعلق بمؤثرات فاعلة لا تأتى كاملة من داخل المشهد السياسى الداخلى، بل بدون تزيّد فإن المؤثرات الداخلية تخلق تفاعلات جزئية ويجب الاعتراف أن المؤثر الخارجى سواء كان إقليميًا أو دوليًا هو صاحب الدور الأهم والأعمق أثرًا وحسماً وفاعلية، ولنستطيع فهم قوة وتأثير الأدوار الإقليمية على الداخل العراقى علينا أن نلقى ضوءًا على تصريحات «كاظم الحائرى» الذى يتخذ من (قم) مقرًا له، منذ سنوات عديدة، فى بيانه المفاجئ، حين أعلن تنحيه عن الاجتهاد، وتحَوله إلى تقليد « خامنئى» فى مبادرة منه لم يسبقه إليها من قبله أحد  من المجتهدين، كما أنه وفى البيان ذاته صرح بأن «الصدر» غير مؤهل، كونه لم يحصل بعد على درجة الاجتهاد! فكان الرد السريع من «الصدر» بأن بيان الحائرى لم يكن بمحض إرادته!

وفى هذا إشارة واضحة إلى ضغوط سياسية من «طهران» - أى من خامنئى - وليس من مراجعات دينية فى «قم». وأضاف أن المرجعية الأكبر هى فى «النجف» مما يعنى تبعيته للسيستانى.

ولا تظن الكاتبة أن أحدًا يستطيع إنكار دور السفارة الأمريكية فى بغداد فى صناعة القرار أو الحدث، فعند تصاعد العنف دعت السفارة إلى الحوار وكذلك الخارجية الأمريكية، وبعد توقف العنف، دعت السفارة والخارجية الأمريكية جميع الأحزاب والقوى السياسية العراقية إلى الإسراع بتشكيل الحكومة.. فما كان من الرئيس برهم صالح إلا أنه دعا إلى انتخابات مبكرة وتعديل الدستور وقام الإطار التنسيقى بدعوة البرلمان إلى معاودة عمله الاعتيادى، لانتخاب رئيس للجمهورية والحكومة.

ما بين طهران وواشنطن يقف العراق حائرًا دون حل يلوح فى أفقه الممتلئ بالغيمات ويعتصر بين أحجار المذهبية والتبعية وبين أطماع قوى دولية فى ثروته من جهة وفى الإصرار على عدم استقراره من جهة أخرى، إن استقرار العراق بل استعادته قوته كاملة هو ضمانة وركيزة للأمن القومى العربى بكامله وعلى رأسها الخليج. لا تقف مصر على الحياد ولا تجلس على مقعد المشاهد، بل قدمت الدعم السياسى بنزاهة أصيلة وأريحية مطلقة ناصحة بخارطة طريق تضمن وحدة الوطن وقوة الجيش واستقرار البلاد وأمن الشعب ورفاهيته المستحقة، مؤكدًا أو حتى ربما، سوف تقود النصيحة المصرية فى نهاية الأمر إلى تشكيل حكومة كاملة الصلاحية، والإعداد لانتخابات مبكرة فى مدة لا تتجاوز العام وإذا ما تم تشكيل الحكومة كاملة الصلاحية، والتى ترى الكاتبة أنه من المرجح جدًا أن يرأساها السيد الكاظمى فستتولى مهمة تعديل الدستور، وأيضًا قانون انتخاب جديد ويظل ذلك افتراضاً قد لا يكون له نصيب من الوجود على أرض الواقع السياسى ما لم يتم إشراك التيار الصدرى، أو على الأقل ترضيته بطريقة أو بأخرى.

إن الواقع العراقى، تتجاذب اللعب فيه جميع القوى إقليمية هى أو دولية، وحتى اللحظة فإن طهران تُصر على فاعليتها شديدة التأثير على الشارع السياسى العراقى وهو يزيد من تفاقم هذا المأزق، هى أزمة معقدة ولا ريب وقد لا يكون الخروج منها أو تفكيكها بالأمر السهل، ولا أفق مشرق لها دون النظر بجدية لمصلحة العراق حاضراً ومستقبلاً.