الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. الثورة وأثرها على المكون الاجتماعى فى مصر محاكمة «الأيدى الناعمة»

الطريق الثالث.. الثورة وأثرها على المكون الاجتماعى فى مصر محاكمة «الأيدى الناعمة»

قبل أسابيع طرحت سؤالًا، جعلته عنوانًا لمقالى فى «روزاليوسف» احتفالا بالذكرى 70 لثورة يوليو المجيدة، وكان السؤال العنوان: «كيف نكافح شيخوخة ثورة يوليو؟»، وشرفنى بالتعليق عليه عندما أعدت نشره على صفحتى فى موقع التواصل الاجتماعى (FACEBOOK)، الكاتب الصحفى الكبير محمد بغدادى، والذى أشار فى رده إلى (بوست) سبق أن نشرته أيضًا على صفحتى، أشعره بتناقض موقفى من (ثورة يوليو).



 

 قد أكرمنى عندما شبهنى بالأستاذ توفيق الحكيم بين عودة الروح وعودة الوعى، فى علاقته بـ«يوليو» وزعيمها جمال عبد الناصر، وقمت بالرد لإيضاح الموقف وإزالة شبهة التناقض، والتى تسبب فيها فيلم، «الأيدى الناعمة»، ورغم (خشونة) الحوار و(جرأة) الفكرة، إلا أنها تستحق أن تروى، لعلنا نستفيد مما تطرحه.

تبدأ القصة قبل شهور، عندما انتبهت إلى (بوست) أعاد نشره كاتب سيناريو معروف، نقلًا عن إحدى صفحات (الفيس بوك) لكاتب مجهول يعيد تقييم فيلم «الأيدى الناعمة»، بمناسبة ذكرى عرضه السنوى فى احتفالات عيد العمال (الأول من مايو)، وقد تعاملت بحذر مع المكتوب، الذى اكتشفت خلال قراءته أنه مقال نقدى معتبر، والسبب انحيازه القاطع، والذى استهله بعنوان صادم: (الأيدى الناعمة.. تمجيد السفالة بعمل فنى)،  ورغم عدم اقتناعى برأيه إلا أنى أكملت المقال، بل وقرأت التعليقات، وأثار دهشتى التأييد الواسع لرأى الكاتب المتمرد، الذى قام بتعرية فيلم من أشهر أفلام السينما المصرية، ومن أقربها إلى قلوب المصريين، بعد محاكمته سياسياً وفنيًا وإدانته.

وقد قمت بإعادة نشر (البوست) بعد أن كتبت فى تقديمه ما يلى: «قبل ما تقرا خليك فاكر.. أن محاكمة الفن وإعادة تقييمه ليست جريمة ولا تحمل أى قدر من تحقير شأن صناعه ومبدعيه، إنما بهدف إعلاء قيمة النقد، وإحياء لحاسة التذوق الفنى التى أصابها العطب. واعترف بصراحة، أنه لم يكن فى مخيلتى يومًا ما أن أقرأ دفاعًا عن شوكت حلمى بطل فيلم «الأيدى الناعمة»، فقد كنت معميًا (وكثيرين) بعبقرية التجربة الناصرية، التى غيمت بصائرنا وجعلتنا لا ننتبه إلى قسوة ما تم فعله بهذا الرجل الارستقراطى المتحضر المثقف، لقد أعمتنا (كشافات) الثورة وإنجازاتها، وألهانا الواقع الاشتراكى وإعلامه عن الانتباه للقهر الذى تعرضت له طبقة اجتماعية كاملة فى مصر عقب ثورة يوليو، وأثر هذا الزلزال السياسى على المكون الاجتماعى والممتد حتى اليوم».

وأنقل لكم ما تيسر نقله من المقال النقدى (البوست الطويل)، والذى انتشر بكثافة على العديد من صفحات (الفيس بوك)، وختمه بعضهم بكلمة (منقول)، وآخرون نسبوه لأنفسهم، فتاهت ملكيته كعادة ما يحدث فى الفضاء الافتراضى، ويقول كاتبه (المجهول): «شاهدت اليوم فيلم «الأيدى الناعمة».. بطل الفيلم هو «شوكت حلمى» تم نهب كل أمواله تحت مسمى التأميم وقوانين الإصلاح الزراعى.. يتعرض فى العصر الاشتراكى البائد لحملة بشعة من التنمر والمعايرة بسبب فقره الشديد.. وتلاحظ من الوهلة الأولى أن شوكت هو الأكثر تعليما وثقافة وأناقة.. على عكس الشخصيات التى توالى ظهورها خلال الأحداث والتى بدت سوقية ومبتذلة إلى حد كبير والتى لم تكف عن التهكم عليه طوال الوقت.. رغم أنه أفضل منهم جميعًا..

فشوكت حلمى كان الشخص الوحيد بين الشخصيات الذى لديه مكتبة ضخمة بلغات متعددة وكان يعكف على القراءة بعكس الشخصيات المحيطة به والتى لم تشر الرواية من قريب أو بعيد إلى مستواهم التعليمى، باستثناء صديقه الحاصل على الدكتوراه والذى تم التنكيل والاستهزاء به أيضا، وجرت السخرية كالعادة من شوكت لعدم إجادته اللغة العربية واتهامه بالجهل بالرغم من إتقانه لعدة لغات أخرى بطلاقة واطلاعه على العديد من الثقافات. 

شوكت حلمى هو الشخص الوحيد الذى كان يحرص على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام فى الصباح، والوحيد الذى كان يملك جسدا رياضيا ممشوقا على عكس باقى الشخصيات سواء من الرجال أو النساء والذين قد بدت كروشهم متدلية بوضوح ومقاسات ملابسهم غير متناسبة أبدا.. وبالرغم من ذلك تم تقديم حرصه على ممارسة الرياضة بطريقة كوميدية ساخرة للتقليل من تلك العادة الصحية لسبب غير مفهوم.

أما النقطة الأخطر التى قامت على أساسها قصة الفيلم فهى أن شوكت كان عاطلا عن العمل ووصفوه بأنه «عاطل بالوراثة».. ولا أرى سببا لمعايرته بذلك، فالرجل لم يخسر أمواله فى قمار أو اتخذ قرارات مالية خاطئة بل تم انتزاع أملاكه رغما عنه بقوة قاهرة، ومعايرته الدائمة بالبطالة من شخصيات الفيلم تعكس وضاعتهم ودناءتهم وسوء أخلاقهم. وجدير بالذكر أن الرئيس السادات كان قد رد بعض ما تم نهبه ومصادرته لبعض العائلات (من أمثال شوكت حلمى)، ومنهم من أصبح قادرا على تكوين إمبراطوريات اقتصادية مرة أخرى.

الفيلم يمثل حالة عجيبة من الاضطهاد الممنهجة من قبل مجموعة من «الأوباش» مكنتهم الظروف السيئة من شخص على مستوى راقٍ من العلم والثقافة والإبداع ودأبوا على السخرية منه وإذلاله دون رحمة، الفيلم كارثة بكل المقاييس وسيبقى دليل على العار ومعول من معاول الهدم لكل ما كان جميل فى ذلك الزمن».

كان هذا هو ملخص محاكمة فيلم «الأيدى الناعمة»، والتى أسست مع ما كتبته فى تقديمها عند إعادة نشرها، قناعة لدى الأستاذ محمد بغدادى بتناقض موقفى من ثورة يوليو، فكتب معلقًا: «أرى أن تحمسك لثورة يوليو.. يتنافى ويتناقض تماما مع ما كتبته عن فيلم (الأيدى الناعمة).. الذى كتبه توفيق الحكيم الذى تناقض أيضا مع نفسه عندما كتب (عودة الروح).. وعاد فى عهد السادات ليكتب (عودة الوعى).. فأهال التراب على ثورة يوليو وعلى زعيمها عبد الناصر.. عجبت لك يا زمن !!!».

أما ردى فقد كان نصه: «ما نشرته عن الفيلم لم يكن رأيى الشخصى، وإنما تحليل أعجبنى تمرده على الصورة النمطية التى رسخها الفيلم عن مثالية الثورة وفساد العهد البائد (حكم أسرة محمد على)، والذى اكتشفنا مع الزمن عدم صحته بشكل مطلق، وكما ذكرت حضرتك أستاذنا المحترم فلقد تراجع توفيق الحكيم نفسه عن رأيه وعاد إلى وعيه، وأعاد تقييم ثورة يوليو وما أوصلتنا إليه.. ولا يعنى حماسى ليوليو أن أغض الطرف عن مصائبها فى مسألة الحريات، وفى كثير من الفساد الذى طال كنوز مصر وثرواتها الملكية.. وأمور أخرى يطول شرحها، وهل نقد ثورة يوليو مع الإشادة بقيمتها أمر يستحق العجب!!».. ولم يرد الأستاذ، فأمسى العجب مردودا.. مخلفًا سؤالا بلا إجابة.

وختامًا، نشرت التفاصيل لأنها تكمل المعنى وترسم الطريق إلى إجابة السؤال الذى طرحته فى أول المقال، والذى كان عنوانًا لمقال سابق، كيف نكافح شيخوخة الثورة؟، وهو الأمر الذى لن يتحقق إلا بالتوقف عن عبادة التاريخ والتبرك بالشريط السينمائى المراوغ، الذى ينقل لنا فقط ما تفرضه خيالات زمانه.