الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد مرور 6 أشهر على الأزمة الروسية الأوكرانية هل صار العالم على حافة الهاوية؟

فى فجر اليوم الـ24 من فبراير الماضى، استيقظ العالم على أنباء عاجلة، تفيد بأن القوات الروسية بدأت عملية عسكرية فى «أوكرانيا»، فى خطوة كانت مرجحة ومترقبة بين عدد كبير من المحللين السياسيين حول العالم. ومع ذلك، تعرضت عدة دول لصدمة جراء الخطوة الروسية، لعدة أسباب، منها عدم تأكدهم -من الأساس- إن كانت «موسكو» تنوى القيام بتلك الخطوة، إلى جانب عدم معرفة حكومات كثيرة -ممن توقعت الخطوة الروسية- توقيتها، نظرًا للمشهد الضبابى الذى سبقه، والغموض الذى سيطر عليه. 



 

فى يوم الثلاثاء الماضى، مرت ستة أشهر على بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، التى لا تزال أحداثها، وتطوراتها، وتداعياتها تهيمن على عناوين الأخبار الدولية.. وخلال تلك الفترة، وعلى مستوى الدولتين، سيطرت «روسيا» على أكثر من 13 ٪ من الأراضى الأوكرانية، واحتجزت أكبر محطة نووية فى «أوروبا»، بينما غادر ثلث الأوكرانيين بلدهم ليحتموا فى الدول الأوروبية المجاورة، ما تسبب فى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.

أما على المستوى الدولى، فقد ألقت تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية على أغلب دول العالم –إن لم يكن جميعها- على المستوى الاقتصادى فى المقام الأول، ناهيك عن تعرض النظام الدولى لهزة عنيفة أسقطت الكثير من الأقنعة، وكشفت الكثير من الأسرار خلف الكواليس.

 مقاومة أوكرانية بمساعدة غربية

خلال ستة أشهر، قاومت «أوكرانيا» العملية الروسية بدفعة قوية من الغرب. وذلك، بعد أن طالب الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكي» –ولا يزال- بمساعدة «كييف»؛ مؤكدًا أن كل ما تحتاجه «أوكرانيا»، هو مزيد من الأسلحة المتقدمة والذخائر، من أجل ردع القوات الروسية.

ورغم التأخيرات والعقبات اللوجيستية، فقد وصل حجم المساعدات الغربية لأوكرانيا من 24 يناير الماضى إلى 3 أغسطس الجارى إلى عشرات المليارات من الدولارات، حيث قدمت «الولايات المتحدة» -وحدها- أكثر من 44 مليار دولار من المساعدات المالية، والإنسانية، والعسكرية لأوكرانيا، من بينها أكثر من 10 مليارات دولار من المساعدات الأمنية، بينما قدم «الاتحاد الأوروبي» نحو 16 مليار دولار، ومليونى يورو، وفقًا لمركز الأبحاث «ستاتيستا».

ومع ذلك، توقعت صحيفة «واشنطن بوست» أن هذا الاتجاه الصاعد للمساعدات قد يتضاءل فى «أوروبا» تحديدًا، حيث أثار اقتراب فصل الشتاء، والتشاؤم حول ارتفاع تكاليف الطاقة -بشكل صارخ- تساؤلات حول ما إذا كان الغرب يمكن أن يحافظ على نفس العزم فى دعم «أوكرانيا» للأشهر الستة المقبلة، مثلما كان الحال فى النصف الأول من العام الجارى.

 أزمات الطاقة والتضخم تعصف بأوروبا

بعد تأييد الأوروبيين جميع الخطوات الغربية المتخذة ضد «موسكو» خلال نصف عام من الأزمة، إلا أنها كانت هذه اللحظة بمثابة «نقطة تحول فى التاريخ»، مثلما أعلن المستشار الألمانى «أولاف شولتز» فى الأسابيع الأولى من الأزمة.

فقد تعرضت «أوروبا»، التى اعتمدت لسنوات على النفط والغاز الطبيعى الروسى فى اقتصادها الصناعى، لضربة عنيفة، فى وقت تواجه فيه تهديدًا بالركود، بعد تضخم متزايد شهريًا وصل لأرقام غير مسبوقة، مدفوعًا بارتفاع أسعار الطاقة، التى تؤدى بدورها لرفع أسعار المواد الغذائية، وغيرها.

فكانت «روسيا» تزود «أوروبا» بنحو 40 ٪ من الغاز الطبيعى قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا». وبعدها، تفاقمت أزمة الطاقة فى «أوروبا» بصورة أثارت قلق الدول الصناعية الكبرى، مثل: «ألمانيا، وفرنسا»، وغيرهما بشأن نقص الإمدادات الروسية هذا الشتاء. وذلك، بعد أن خفضت «روسيا» من تدفق الغاز الطبيعى إلى «أوروبا» عبر خط أنابيب (نورد ستريم 1) إلى 20 ٪ فقط، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. أى صارت «موسكو» تخنق تدفقات الغاز الطبيعى المستخدمة لتدفئة المنازل، وتوليد الكهرباء، وإشعال المصانع فى «أوروبا». 

وقالت شركة الطاقة الروسية «جازبروم» إن أسعار الغاز الطبيعى فى «أوروبا» قد ترتفع بنسبة 60 ٪ أخرى هذا الشتاء مع استمرار انخفاض الصادرات إلى المنطقة.

وبالفعل، ارتفعت أسعار الغاز فى «الاتحاد الأوروبى» يوم الثلاثاء الماضى بنسبة 13 ٪ بين عشية وضحاها لتصل إلى ذروة قياسية، بعد أن تضاعفت فى شهر واحد فقط، لتكون أعلى بـ14 مرة من متوسط العقد الماضى. 

من جانبه، قال رئيس «معهد بيترسون للاقتصاد الدولى»، «آدم بوزين» إن: «هناك الكثير من مخاطر الركود والضغوط فى «أوروبا» أكثر من بقية الاقتصادات ذات الدخل المرتفع».

أما المفوضية الأوروبية فقد أوضحت أن الإغلاق الكامل لإمدادات الغاز من «روسيا»، قد يؤدى إلى ركود فى وقت لاحق من العام الجارى؛ مضيفة أن أسعار الغاز المرتفعة، أدت إلى زيادة تكاليف الشركات، وتقليص ميزانيات المستهلكين، مما يجعلهم أقل إنفاقًا على السلع والخدمات الأخرى. ونتيجة لذلك، توقعت المفوضية أن تقع منطقة اليورو فى حالة ركود هذا الخريف فى ظل ارتفاع معدلات التضخم.

ونتيجة لكل ما سبق، اتفقت حكومات «الاتحاد الأوروبى» -فى الأسبوع الأخير من يوليو الماضي- على خفض استهلاك الغاز الطبيعى هذا الشتاء، من أجل حماية نفسها من أى خفض آخر للإمدادات من جانب «روسيا». فقد وافق وزراء الطاقة فى «الاتحاد الأوروبي» على مشروع قانون لخفض الطلب على الغاز بنسبة 15 ٪ من أغسطس الجارى حتى مارس المقبل، وينطوى التشريع على خطوات وطنية أوروبية طوعية للحد من استهلاك الغاز.

 عقوبات ذات وجهين

لم تظهر أزمة الطاقة الأوروبية من فراغ، حيث كانت مجرد رد فعل روسى على العقوبات الغربية، إذ قرر الغرب اتخاذ تدابير صارمة ضد «موسكو» منذ اللحظات الأولى للأزمة، من أجل ثنيها عن عمليتها، حتى وصل الأمر لفرض ست حزم من العقوبات المتتالية، وتهديدات بقطع إمدادات الطاقة.

وعلقت صحيفة «واشنطن بوست» أن حصيلة العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسى كانت قاسية، إذ تم تجميد نصف الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، وانسحبت مئات الشركات الغربية من السوق الروسية. 

ولكن، فى مقابل العقوبات الغربية على «روسيا»، اتخذت الأخيرة خطوات لحماية مصالحها، وردت على التهديد الأوروبى بتهديد آخر، وهو قطع الغاز عن الدول الأوروبية –التى وصفتها بـ«غير الصديقة» فيما يخص موقفهم من الأزمة الروسية الأوكرانية– التى ترفض دفع ثمن الغاز بالروبل.

وعليه، يعوض الدفع الأوروبى بالروبل بشكل مباشر العقوبات الغربية، مما سمح للعملة الروسية بالوصول لأعلى مستوى لها فى 7 سنوات أمام الدولار.

وقدر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف فى العاصمة الفنلندية «هلسنكي»، أن «موسكو» جنت ما يقرب من 100 مليار دولار من واردات الطاقة فى الأيام المائة الأولى من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وأن نحو 60 % من هذه الأموال جاءت من «الاتحاد الأوروبى».

من جانبها، أوضحت صحيفة «واشنطن بوست» أنه رغم الجولات المتعاقبة من العقوبات، لا يزال الاقتصاد الروسى قائمًا، إذ تواصل «موسكو» جنى المليارات من العائدات من صادرات الطاقة. 

أما نائب الرئيس التنفيذى فى «معهد التمويل الدولي»، «كلاى لورى»، قال إنه قد لا يكون تأثير العقوبات صارخًا كما كان يُعتقد فى الأصل، لأن المخرج بالنسبة لروسيا كان صادرات الطاقة؛ بينما أكدت مديرة برنامج «أوروبا الأوسع» فى «المجلس الأوروبى للعلاقات الدولية» أنه لدى الحكومة الروسية احتياطات، كما أنها تملك دعامة مالية تساعد فى تخفيف آثار العقوبات؛ بدوره، أشار المحلل السياسى الروسى «كونستانتين كالاتشيف» إلى أن –ما وصفه- (باحتياطى الصبر الروسي) لديه أكبر بكثير مما هو لدى الأوروبيين.

تحديات عالمية طاحنة

رغم أن الأزمة بين دولتين فى أقصى الشمال، فإنها ألقت بظلالها على دول العالم كافة، إذ تعد «روسيا» ثالث أكبر منتج للبترول فى العالم، ومصدرًا رئيسيًا للغاز الطبيعى، والأسمدة، والقمح. أما «أوكرانيا» فتطعم مزارعها الملايين على مستوى العالم.

وعليه، صارت الحكومات، والشركات، والعائلات فى جميع أنحاء العالم تشعر بالآثار الاقتصادية للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا». وذلك، بعد عامين فقط من تفشى جائحة فيروس كورونا، التى دمرت التجارة العالمية. 

والان، أصبح التضخم الآخذ فى الارتفاع هو سيد الموقف فى العالم، بينما تقف الاقتصادات المتقدمة على شفا الركود، فى وقت يمكن أن يؤدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها، الذى تفاقم بسبب قطع شحنات الأسمدة والحبوب من «أوكرانيا»، و«روسيا»، إلى انتشار الجوع، وتحديدًا فى الدول الفقيرة.

فقد دفعت الأزمة الروسية-الأوكرانية صندوق النقد الدولى الشهر الماضى لخفض توقعاته للاقتصاد العالمى للمرة الرابعة فى أقل من عام.. حيث توقع نموًا بنسبة 3.2 ٪ هذا العام، انخفاضًا من 4.9 ٪ فى يوليو 2021.

وعلق كبير الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى «بيير أوليفييه جورنشاس»، إنه: «ربما يتأرجح العالم قريبًا على حافة ركود عالمى، بعد عامين فقط من الركود الأخير»؛ فيما قال برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، إن: «ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة أوقع 71 مليون شخص فى أنحاء العالم فى براثن الفقر فى الأشهر الثلاثة الأولى من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ بينما توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أن ما يصل إلى 181 مليون شخص فى 41 دولة قد يعانون من أزمة جوع هذا العام.

وبالفعل، يهدد الارتفاع الحاد فى أسعار الغذاء، والوقود، والأسمدة بدفع بعض بلدان  العالم إلى مجاعة، ما يؤدى لزعزعة الاستقرار العالمى، والهجرة الجماعية على نطاق غير مسبوق، وهو ما حذر منه رئيس برنامج الأغذية العالمى، التابع للأمم المتحدة «ديفيد بيزلي»، الذى كشف تحليله الأخير عن وجود 345 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد يسيرون على شفا المجاعة، بزيادة قدرها 25 ٪ عن 276 مليون فى بداية عام 2022، قبل الأزمة الروسية-الأوكرانية. 

وتوقع «بيزلى» أن يرتفع الرقم أكثر فى الأشهر المقبلة؛ قائلاً، إن: «ما يثير القلق، هو أن 50 مليون شخص فى 45 دولة على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة».

من جانبها، علقت «واشنطن بوست» أنه لا يمكن لأى حكومة بمفردها إدارة الصدمات الأوسع نطاقًا للأزمة الروسية-الأوكرانية، والتى تضمنت اضطرابات فى سلاسل التوريد الزراعية العالمية، والتى أدت لارتفاع أسعار المواد الغذائية فى عدد من الدول. 

 مصائب قوم عند الناتو فوائد

وبعيدًا عن عالم الاقتصاد، فكان أهم خطوة اتخذت فى المجال العسكري، هو توسع حلف شمال الأطلسى (ناتو)، الذى جعل «السويد»، و«فنلندا» –المحايدتين وغير المنحازتين تاريخيًا- تحت مظلة التحالف العسكرى، وهو الأمر الذى انتقده الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا». 

فقد تمت دعوة دولتى «فنلندا، والسويد» للانضمام إلى (الناتو) فى أواخر يونيو الماضى، وحتى الآن صادقت 23 من أصل 30 دولة فى الحلف على وثائق انضمامهما. 

ومن جانبها، حذرت السلطات الروسية الدولتين من عواقب قرارهما، خاصة إذا مثلتا أى تهديد لروسيا، معتبرة أن انضمامهما للحلف العسكرى الغربى، يعتبر أسوأ حلقة فى تطور الأمن الأوروبى، إذ تعد الدولتان الأوروبيتان ضمن الاقتصادات والجيوش القوية.. حيث تشترك «فنلندا» مع «روسيا» فى حدود يبلغ طولها أكثر من 1330 كيلومترًا، هى الأطول لدولة فى «الاتحاد الأوروبى» مع «موسكو».

وبالنسبة للمحللين السياسيين، فقد رأوا أن هذا الانضمام يفتح الباب أمام واقع سياسى جديد فى «أوروبا» والعالم، كما يحمل بعض المخاطر على المديين القريب والبعيد، إذ اتفقوا أن التحول الجيوسياسى الذى تحمله عضوية «فنلندا، والسويد» فى (الناتو) ونشر القوات فيهما، يضع منطقة شرق «أوروبا» على حافة خطر وقوع مواجهة مباشرة مع «روسيا».

 هل ستنتهى الأزمة قريبًا؟

لا يزال ضباب العملية العسكرية الروسية يخيم على «أوكرانيا».. لا يرى المحللون أى سبب وراء وقف الصراع، إذ لا تظهر تسويات أو مفاوضات سلام فى الأفق، فى ظل المواقف شديدة التناقض.

وقال الباحث فى مركز روسيا، التابع للمعهد الفرنسى للعلاقات الدولية «ديميترى مينيك»، إنه حتى لو استمر الجيش الروسى فى شن هجمات محدودة، إلا أنهم يرون فقدانًا للزخم؛ متوقعًا أن يشن الجيش الأوكرانى عملية واسعة النطاق لاستعادة جزء من منطقة «خيرسون» على المدى القريب، أو المتوسط. 

أما مديرة برنامج «أوروبا الأوسع» فى «المجلس الأوروبى للعلاقات الدولية» «دومولين» فرجحت أن الوضع فى طريقه إلى صراع قد يكون طويلاً جدًا، بالنظر إلى أن هناك بداية لشكل من أشكال توازن القوى بين الطرفين؛ متسائلة ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية المقررة فى البلدين عام 2024، ستلعب دورًا في هذا الموضوع أم لا؟.

 الخلاصة

علق باحثو مركز أبحاث «المجلس الأطلسى» أن التهديدات الأمريكية، والغربية على حد سواء أخفقتا فى ردع «موسكو» قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ مضيفين أن حتى الوجود المعزز للناتو فى «أوروبا» الشرقية لم يفعل شيئًا. 

وأعرب باحثو المركز عن رأيهم أنه حتى بعد مرور الستة أشهر،  ليس لدى الغرب ما يقدمه لأوكرانيا.

على كل يبدو -بالفعل- أن الاستقرار قد يكون بعيد المنال فى الوقت الحالي؛ فيما يخشى الخبراء الدوليون من اتساع دائرة الخطر والانتقام، وهو ما قاله المعلق الجيوسياسى «برونو ماكايس» بأن: «ستة أشهر طويلة من الصراع..وما زلنا نشعر بإحساس أنها كانت مجرد مقدمة»!