الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ): المرأة زوج.. والرجل زوج! "31"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



 

الخالقُ هو الله تعالى، وما عداه مخلوقٌ على أساس الزوجية، ذَكر وأنثَى من كل المخلوقات، موجب وسالب فى المادة والطاقة: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، الذاريات 49. 

والزوجية موجودة فى كل المخلوقات: (سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)، يس 36، وموجودة فى البشر: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى)، النجم 45. 

 الرجل والمرأة

الله هو الأعلمُ بما خَلق، وهو تعالى يؤكد على التساوى بين الرجل والمرأة فى استعمال كلمة زوج للذكر وللأنثى، وجعل الذكر زوجًا، والأنثى أيضًا زوجًا، ولم يأتِ فى القرآن الكريم كلمة زوجة بالنسبة للمرأة المتزوجة. 

وفى آيات القرآن جاءت كلمة الزوج تعنى المرأة 26 مرّة، وجاءت الزوج تعنى الرجل 6 مرّات، وجاءت الزوج للذكر والأنثى معًا 21 مرّة، والسياق هو الذى يحدد المقصود بكلمة زوج إن كان الرجل أمْ المرأة أمْ هما معًا. 

 زوج فى القرآن

آياتُ القرآن التى تأتى فيها كلمة الزوج تعبيرًا عن الرجل والمرأة بالمساواة ودون تمييز لأحدهما على الآخر: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا)، فاطر11، والكلام عن خَلق الزوجين الذكر والأنثى، وكل منهما زوج: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، الروم21.

وفى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، التغابن 14، الخطاب للذين آمنوا يشمل الجنسين، وكلمة أزواجكم تعنى المرأة أو الرجل.

وفى قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، البقرة 230، كلمة (زَوْجًا) تعنى الرجل، وتأتى زوج بمعنى المرأة فى قوله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)، البقرة 35، (وَزَوْجُكَ) هنا بمعنى زوجته، ومنه تعبير أزواج النبى بمعنى نساء النبى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، الأحزاب 6. 

وهناك آية قرآنية جاء فيها لفظ أزواج يعنى الرجال مرّة، ويعنى النساء مرّة أخرى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)، البقرة 240، يذرون (أَزْوَاجًا) أى زوجات، (وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ) أى للرجال قبل الموت بالتوصية عليهن بأن تظل فى البيت للأرملة دون أن تخرج، إلا إذا شاءت الخروج بَعد العدّة.

 قصة الخَلق

يبدأ خَلق البشر بعرض الله تعالى أمرَ خَلق آدم على الملائكة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)، البقرة 30، وكلمة «جَاعِلٌ» تدل على البشر الذى ستتغير طبيعته بعد خَلقه ليصبح خليفة فى الأرض.

والملائكة لم يستشرهم الله؛ بل يخبرهم تعالى بأنه قرر أن يجعل فى الأرض خليفة، ولا يعنى ذلك أنه سيخلف الله فى الأرض، فالإنسان خليفة لأنه سيكون المتحكم فى إعمار الأرض: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِى الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ)، الأعراف 10. 

والخلافة مرتبطة بالجعل: (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)، الأعراف 69، قوم عاد جعلهم تعالى خلفاء بمعنى متحكمين فى الأرض بعد قوم النبى نوح، ولم يجعلهم خلفاء لهم، وأيضًا مع قوم النبى صالح: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الأَرْضِ)، الأعراف 74؛ ليكونوا خلفاء ليُعَمّروا الأرضَ بعد عاد وليس خلفاء لهم: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، هود 61.

واستفسار الملائكة كان قبل خَلق آدم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)، وجاء نتيجة لرفع الله غطاء غيب الزمن فرأت الملائكة ما سيكون مستقبلًا، أو لأنهم رأوا مخلوقات تعيش فى الأرض تفسد وتسفك الدماء، ورد عليهم تعالى: (إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، البقرة 30، مثل عدم علمهم بتكبُّر إبليس الموجود معهم.

وتم خَلق أول رجل وهو آدم: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، الرحمن 14، ثم نفخ الروح فى جسد آدم، وتم خَلق أول أنثى وهى حواء، ولم يذكر تعالى طريقة خَلقها ولم يذكر اسمها: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)، البقرة 35، وفى الروايات أن الملائكة سألت آدم عن اسم زوجه فقال اسمها حواء لأنها خُلقت من شىء حى.

وحدث تعليم الأسماء لآدم: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)، البقرة 31، لقد وهب تعالى القدرة لآدم على تسمية الأشياء، مثلًا المكان الذى نعيش فيه فنسميه مدينة، ثم نضيف لها اسمًا يميزها عن المدن الأخرى، فالإنسان يبتكر للأشياء المادية والمعنوية اسمًا ووصفًا.

والأمْرُ للملائكة بالسجود لآدم هو اختبارٌ فى الطاعة، وقد ظن إبليس خطأً بأن السجود تفضيلًا لآدم، فرفض السجود: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، الأعراف 11، ولذلك توعَّد بالانتقام من آدم وذريته: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا)، الإسراء 62.

 جنة آدم وزوجه

وكلمة «جنة» يأتى معناها حسب السياق فى القرآن، كفار قريش طلبوا أن تكون للنبى عليه الصلاة والسلام جنة: (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ)، الإسراء 91، هنا بمعنى حديقة أو بُستان، وتأتى بمعنى جنة الآخرة: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، البقرة 8.

وتأتى بمعنى جنة الاختبار لآدم وحواء: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)، طه 117، فقد كانا فى الجنة لا يتعبان، ويختلف وصف جنة آدم عن وصف جنة الآخرة، فالخلود من صفات جنة الآخرة، أمّا جنة آدم فليس فيها خلود، بدليل استجابته لإغراء الشيطان: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)، طه 120.

 الهبوط إلى الأرض

مع أن الأمْرَ والنّهى جاءا لآدم وحواء معًا: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، البقرة 35، والشيطان أزلهما معًا، وأخرجهما من الجنة معًا: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)، البقرة 36، إلا أن آدم هو المسئول الأول لأن الخطاب كان له مباشرًا: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ)، طه 115، والنهى كان باجتناب الشجرة وعدم الاقتراب منها، ولم يحدد تعالى تعريفًا بالشجرة ولا بسبب الأمْر بالبُعد عنها.

وفى الجنة كان جسداهما تغطياه طبقة تحجب أعضاءه: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)، الأعراف 22، وحاولا تغطية ما ظهَر من أعضاء جسديهما بورق الجنة، والشيطان ينزع عنهما ما تبقى من الغطاء: (يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)، الأعراف 27.

وأمرهما تعالى بالهبوط إلى الأرض: (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، البقرة 35، هما الاثنان ويخاطبهما تعالى بصيغة الجمع (اهْبِطُواْ)، و(جَمِيعًا): (َاهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)، طه 123؛ لأن هبوطهما يعنى هبوط ذريتهما معهما ومن خلالهما.

والهبوط يختلف عن النزول، فالنزول هو انتقال من مستوى إلى مستوى آخر، فالقرآن أنزله تعالى من اللوح المحفوظ إلى الأرض: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، البقرة 185، أمّا الفعل «هبط» فيستخدم فى التعبير عن الانتقال من مكان إلى آخر: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا)، هود 48.

وفى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)، آل عمران 33، حرف واو العطف بين الأسماء يدل على أن الاختيار كان من بين نفس الخَلق (الْعَالَمِينَ)، وهى نفس ساحة الاختيار والتفضيل لآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران.

والاصطفاء يتعلق بخواص تختلف عمّا يتصف به باقى البشر، فمثلًا من الصفات التى اصطفى تعالى بها آدمَ على باقى البشر، آدم هو أبو البشر، وسجدت له الملائكة، وآدم وزوجه اختارهما تعالى ليعيشا فى جنة الاختبار، ثم أخرجهما تعالى من الجنة ليعيشا فى الأرض.

ومن قصة آدم وحواء يحذرنا تعالى من الشيطان: (يا بَنى آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ)، الأعراف 27، ويعلمنا أن الأصل فى الإنسان وقوعه فى الخطأ والنسيان، ومع ذلك لا ييأس من رحمة الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، الزمر53.

وتأتى أهمية العلم لأنه شرط للخلافة، مع قصور علم المخلوقات مقارنةً بعلم الخالق، وأن أفعال الخالق تكون لحكمة، وأن شرط الهداية هو اتباع أمر الله تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، البقرة 38.