الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بدأتها بعقوبات اقتصادية غضب صينى من زيارة «بيلوسى» لتايوان.. وتحذير لبريطانيا

أثارت زيارة نانسى بيلوسى، أرفع مسئولة أمريكية منتخبة تصل تايوان منذ 25 عامًا، غضب السلطات الصينية التى ردت بإدانة وصولها وإطلاق مناورات عسكرية فى المياه المحيطة بتايوان التى تعتبرها جزءًا من الصين.



ووصلت بيلوسى إلى تايوان فى تحدٍّ لتحذيرات وتهديدات شديدة اللهجة من الصين، الأمر الذى أدى إلى تصاعد التوتر بين أكبر اقتصادين فى العالم، إذ اعتبرتها بكين بمثابة استفزاز كبير.

واستدعت الصين السفير الأمريكى لديها احتجاجًا على الزيارة «الشنيعة» التى تقوم بها بيلوسى لتايوان.

وأعرب نائب وزير الخارجية الصينى شيه فنغ خلال حديثه مع السفير نيكولاس بيرنز عن «احتجاجات قوية» لبلاده على زيارة بيلوسى للجزيرة التى تتمتع بحكم ذاتى وتعتبرها الصين جزءًا من أراضيها.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شيه قوله: «هذه الخطوة شنيعة للغاية بطبيعتها وعواقبها وخيمة جدًا»، مضيفًا: «الصين لن تقف مكتوفة اليدين».

وقال شيه لبيرنز بحسب الوكالة الصينية: «تايوان هى تايوان الصينية، وستعود تايوان فى نهاية المطاف إلى حضن الوطن الأم. الشعب الصينى لا يخاف الأشباح والضغوط والشر».

وحذر شيه من أن الولايات المتحدة «ستدفع ثمن أخطائها»، وحض واشنطن على «المعالجة الفورية لتصرفاتها الخاطئة، واتخاذ إجراءات عملية للتراجع عن الآثار السلبية لزيارة بيلوسى إلى تايوان».

جذور الخلاف

تنظر الصين إلى تايوان باعتبارها جزءًا منها ومقاطعة منفصلة تتعهد باستعادتها بالقوة لو تطلب الأمر، إلا أن قادة تايوان يقولون إنها أكثر من مجرد مقاطعة، ويجادلون بأنها دولة ذات سيادة. وتقول هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سى»: إن تايوان لديها دستور خاص بها وقادة منتخبون، ولديها أيضًا 300 ألف من القوات المسلحة الفاعلة.

وبدأت قصة الخلاف بين الصين وتايوان منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1948، عندما فرت الحكومة الكومينتانج الخاسرة إلى جزيرة تايوان وأسست حكومة جمهورية الصين فى المنفى، بينما أسس الحزب الشيوعى الصينى فى البر الرئيسى للصين جمهورية الصين الشعبية. وبدءًا من السبعينيات، بدأت العديد من الدول فى تغيير علاقاتها الرسمية من حكومة الصين فى المنفى إلى بكين، والآن، أصبح أقل من 15 حكومة حول العالم فقط تعترف بتايوان كدولة.

ولم تحكم بكين تايوان أبدًا، ومنذ نهاية الحرب الأهلية تمتعت الجزيرة باستقلال فعلى. وبعد إنهاء فترة القانون العرفى الذى استمر عقودًا، تمتعت تايوان باستقلال فعلى.

وتعد وحدة الصين هدفًا رئيسيًا للزعيم الصينى شى جين بينغ، بينما قالت رئيسة تايوان تساى إنج وين: إن تايوان بالفعل ذات سيادة وليست بحاجة لإعلان استقلالها، إلا أن بكين تعتبر أعضاء حكومتها انفصاليين.

ورغم التوتر السياسى، فإن العلاقات بين الشعبين قد زادت بشكل كبير. فالشركات التايوانية استثمرت نحو 600 مليار دولار فى الصين، كما يعيش نحو مليون تايوانى فى الصين، ويدير العديد منهم مصانع تايوانية.

وعندما اتجهت الولايات المتحدة للاعتراف بحكومة بكين، وعدم الاعتراف بجمهورية الصين فى تايوان، وذلك فى عام 1979، ذكرت الولايات المتحدة أن حكومة الصين الشعبية كانت الحكومة القانونية الوحيدة للصين، ما يعنى أن حكومة جمهورية الصين هى الصين الوحيدة، مع عدم الاعتبار للحكومة الموجودة فى تايوان ككيان منفصل له سيادة.

إلا أن واشنطن لم تتعاطَ مع المطالب الصينية بأن تعترف بسيادة بكين على تايوان. وبدلاً من ذلك، اعترفت واشنطن بالموقف الصينى بأن تايوان جزء من الصين.

ولأسباب تتعلق بالسياسية الدولية، كانت كل من الولايات المتحدة وحكومة الصين الشعبية مستعدتين للمضى قدمًا فى الاعتراف الدبوماسى رغم خلافهما فى هذا الشأن. وظلت واشنطن تحتفظ بعلاقات رسمية مع بكين وعلاقات غير رسمية مع تايوان.

ويقول معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكى إن سياسة الصين الواحدة التى تم الاعتراف بها من قبل  الإدارات الأمريكية ضمنت الحفاظ على الاستقرار فى مضيق تايوان وسمحت لكلٍ من تايوان والبر الرئيسى للصين بمواصلة الانتقالات السياسية والاقتصادية الاجتماعى غير العادية فى سلام نسبى.

وتقدم الولايات المتحدة لتايوان أسلحة دفاعية بموجب قانون العلاقات مع تايوان الذى يعود لعقود، إلا أنها تلتزم بموقف غامض بشأن ما إذا كانت ستدافع عن الجزيرة فى حال غزو الصين، وهى السياسة التى أطلق عليها اسم «الغموض الاستراتيجى».

وفى عام 1995، أدت زيارة رئيس تايوان «لى تينج هيو» للولايات المتحدة إلى أزمة كبرى فى مضيق تايوان. وأطلقت الصين صواريخ فى المياه المحيطة بتايوان، ولم تنته الأزمة إلا بعد أن أرسلت الولايات المتحدة مجموعات قتالية وحاملات الطائرات للمنطقة فى استعراض للقوة لدعم «تايبيه».

 استفزاز أمريكى

والتقت بيلوسى، رئيسة تايوان تساى إنغ ون، فى تايبيه، حيث أكدت الأخيرة على أهمية تعزيز التعاون بين الدولتين، وشكرت بيلوسى لحضورها من أجل تقديم دعم الولايات المتحدة لبلادها. وأضافت: «بيلوسى كانت مصدر إلهام لبلادنا بدرجة كبيرة».

كما قلّدت رئيسة تايوان الضيفة الأمريكية وشاحًا للتعبير عن شكر بلادها، وشددت على أن أى عدوان على بلادها «سيكون له تأثير على منطقة المحيطين الهادى والهندى»، مشددة بالقول: «سنقوم بما يلزم لتعزيز دفاعاتنا، وملتزمون بالأمن والاستقرار فى المنطقة».

وقالت بيلوسى، التى تزور تايوان ضمن جولتها الآسيوية: إن الديمقراطيين والجمهوريين متحدون فى دعم تايوان، مشددة بالقول: «علاقاتنا مع تايوان وطيدة، وسنعمل على تعزيزها فى شتى المجالات».

كما شددت بالقول: «لن نتخلى عن دعمنا وصداقتنا لتايوان»، مشيرة إلى أن «قصة تايوان هى مصدر إلهام للدول الديمقراطية.. والتضامن الأمريكى أساسى ومهم مع تايوان». وأضافت رئيسة مجلس النواب الأمريكى: «واشنطن تعهدت بأن تقف إلى جانب تايوان قبل 43 عامًا، وأنا هنا لتأكيد ذلك».

وأضافت بيلوسى : «هدفنا هو أن تتمتع تايوان بالحرية والأمن دائمًا ولن نتراجع عن ذلك.. نريد أن يبقى الوضع فى تايوان كما هو الحال الآن ولا نريد تغييرًا بالقوة».

وأعلنت رئيسة مجلس النواب الأمريكى أن وفدها جاء إلى تايوان بدافع «السلام للمنطقة»، بعد أن أطلقت زيارتها العنان لغضب بكين وأثارت عاصفة دبلوماسية.

وقالت بيلوسى، خلال اجتماع مع تساى تشى-تشانغ نائب رئيس البرلمان التايوانى: «نأتى بدافع الصداقة إلى تايوان، والسلام للمنطقة».

وذكرت بيلوسى أن: «تايوان من أكثر شعوب العالم تمتعا بالحرية»، وأكدت أن هناك فرصة جيدة للتعاون بين البلدين فى مجال صناعة الرقائق.

وزارت بيلوسى مقر البرلمان التايوانى وشددت على الرغبة فى تعزيز العلاقات البرلمانية بين البلدين.

توعد صينى

وتوعد وزير الخارجية الصينى وانغ يى بمعاقبة من يسىء إلى بكين حتما. وقالت الخارجية الصينية إن إجراءات رد بكين على زيارة بيلوسى إلى تايوان رغم معارضتنا ستكون «حازمة».

وأضافت: «تطور علاقتنا مع واشنطن فى السنوات الأخيرة لم يجعلها تكفّ عن ممارساتها فى تايوان».

وأشارت بكين إلى أن المجتمع الدولى يعترف بمبدأ صين واحدة، وهناك معارضة واسعة لزيارة بيلوسى إلى تايوان، وإن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى لتايوان لا ترتبط بالديمقراطية وإنما تتعلق بسيادة الصين وسلامة أراضيها.

وأضافت أن واشنطن تنتهك سيادة الصين تحت شعار الديمقراطية.

ومن جانبها، قالت وزارة الدفاع التايوانية إن المناورات الصينية انتهكت المجال الإقليمى للجزيرة، مضيفة أنها سترد بقوة على أى خرق لسيادة البلاد.

وردت وزارة الدفاع التايوانية أن المناورات الصينية: «انتهكت سيادة تايوان بشكل سافر»، مضيفة أن: «المناورات الصينية ترقى إلى حد الحصار الجوى والبحرى للجزيرة».

وقالت الوزارة إن الصين طلبت من الطائرات والسفن الأجنبية عدم دخول منطقة المناورات «الأمر الذى من شأنه أن يؤثر بشكل خطير على التجارة الدولية والقانون الدولى» وفقًا لوكالة رويترز.

كما  حذر السفير الصينى لدى بريطانيا، جونغ تسى غانغ، من رد صينى صارم إذا أقدم مشرعون بريطانيون على زيارة تايوان.

وأضاف السفير الصينى فى لندن أن زيارة مسئولين بريطانيين لتايوان تعد تدخلاً فى الشأن الصينى، ما سيؤدى إلى عواقب وخيمة.

عقوبات اقتصادية

وأعلنت الصين فرض عقوبات اقتصادية على تايوان، ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى لتايوان.

وعلقت إدارة الجمارك الصينية استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان وتصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة، وأكدت أنها رصدت «مرارًا» نوعًا من الطفيليات الضارة على ثمار الحمضيات وسجلت مستويات مفرطة من مبيدات الحشرات.

كما أعلنت وزارة التجارة من جانبها، «تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى تايوان» اعتبارًا من الأربعاء، دون إبداء أى تفسير، وفقًا لفرانس برس.

وعادة ما يستخدم الرمل الطبيعى فى صناعة البيتون والأسفلت، وتعتمد تايوان بشكل كبير على الصين فى توريدها.

وقالت المحللة المتخصصة فى مجال الزراعة لدى شركة «تريفيوم تشاينا» للاستشارات إيفين باى إنه: «نمط كلاسيكى لبكين».

 وأضافت: «عندما تكون التوترات الدبلوماسية والتجارية مرتفعة، تتبنى الهيئات الناظمة الصينية عمومًا موقفًا صارمًا للغاية فيما يتعلق بالامتثال للقواعد.. بحثًا عن أى سبب يبرر الحظر التجارى»، وفقًا لفرانس برس.

وقال مجلس الزراعة التايوانى إن الصين تذرعت بانتهاكات تنظيمية لتعليق استيراد سلع مختلفة من الجزيرة مثل منتجات الأسماك والشاى والعسل.

وتعد الصين أكبر شريك تجارى لتايوان، حيث سجل التبادل التجارى ارتفاعًا بنسبة 26 فى المائة فى عام 2021، لتصل إلى 328 مليار دولار.

غموض استراتيجى

وتنتهج الولايات المتحدة حيال تايوان سياسة خارجية تعرف باسم «الغموض الاستراتيجى» تقوم على الاعتراف بحكومة صينية واحدة وهى سلطات بكين والاستمرار بتقديم دعم حاسم لتايبيه مع الامتناع عن توضيح ما إذا كانت ستدافع عنها عسكريًا فى حال حصول غزو من الصين لإعادتها إلى سيادتها.

إلا أن زيارة بيلوسى حساسة للغاية، فرئيسة مجلس النواب الأمريكى شخصية محورية فى المعسكر الديمقراطى ومقربة من الرئيس جو بايدن، لكن من شأن توقفها فى تايوان، تعقيد مهمة الخارجية الأمريكية التى تجهد لعدم حصول تصعيد إضافى فى العلاقات مع الصين.

وأشارت صحيفة «جلوبال تايمز» القومية التابعة للحكومة فى الصين إلى أن توقف بيلوسى فى تايوان سيشعل برميل البارود فى مضيق تايوان.

ويتوجه مسئولون أمريكيون بانتظام إلى تايوان تعبيرًا عن دعمهم لها، إلا أن زيارة بيلوسى وهى من أعلى المسئولين فى الدولة الأمريكية ولها وزن فى الحياة السياسية، تعد غير مسبوقة منذ زيارة سلفها نيوت غينغريتش العام 1997.

وخلال اتصال هاتفى مباشر مع نظيره الصينى شى جى بينغ أكد الرئيس الأمريكى جو بايدن أن موقف الولايات المتحدة حيال تايوان «لم يتغير» وأن بلاده «تعارض بقوة الجهود أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم أو تهديد السلام والاستقرار فى مضيق تايوان».

من جانبه، قال الرئيس الصينى إنه دعا بايدن «إلى عدم اللعب فى النار» فيما اعتبر ناطق باسم الخارجية الصينية أن زيارة بيلوسى إلى الجزيرة تشكل «خطًا أحمر».

روسيا وكوريا الشمالية ع الخط

وانتقدت كوريا الشمالية ما وصفته بـ«التدخل الوقح» للولايات المتحدة فى الشئون الداخلية للصين بشأن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى إلى تايوان.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية فى كوريا الشمالية: إن بيونغ يانغ «ستدعم بالكامل» موقف بكين، محملاً واشنطن مسئولية إثارة التوترات فى المنطقة.

وأضاف: «إن التدخل الوقح للولايات المتحدة فى الشئون الداخلية للدول الأخرى واستفزازاتها السياسية والعسكرية المتعمدة هى السبب الأساسى لتعكير السلام والأمن فى المنطقة».

واعتبر البيان تايوان جزءًا لا يتجزأ من الصين، وقضيتها تتعلق بالشئون الداخلية للبلاد، مؤيدًا احتجاج بكين الشديد على الزيارة وحق الدول ذات السيادة بـ«اتخاذ إجراءات مضادة».

وندد البيان «بشدة بأى تدخل لقوى خارجية فى قضية تايوان»، مقدمًا: «الدعم الكامل لموقف الحكومة الصينية العادل فى الدفاع بحزم عن سيادة البلاد وسلامة أراضيها».

وتعد الصين حليفًا قديمًا لكوريا الشمالية ومن أبرز داعميها اقتصاديًا، لكن العلاقات بينهما مرت بحالات تقلب بسبب الطموحات النووية المتزايدة لبيونغ يانغ، ويقول الطرفان إنهما يعملان على إصلاحها.

وقال عضو مجلس الدوما، السيناتور الروسى، أرتيوم ميتيليف: إن أمريكا تستفز الصين للدخول فى صراع معها بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى إلى تايوان.

وكتب ميتيليف: «الإدارة الأمريكية غير العقلانية تضغط وتستفز الصين للدخول فى صراع معها بإلقاء الحطب على نار حرب عالمية ثالثة».