الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الغزل والنسيج نهضة قادمة على الأبواب

ع المصطبة.. الغزل والنسيج نهضة قادمة على الأبواب

حسنًا فعلتْ القيادة السياسية بتبنّى خطة طموحة لاستعادة صناعة الغزل والنسيج لعَرشها العالمى المفقود، فهذا النوع من الصناعة لا يوفر فقط آلاف فرص العمل؛ بل هو فرصة ذهبية لزيادة إجمالى الناتج الوطنى وتعظيم الصادرات.



ما يتم الآن محاولة جادة لإصلاح موجة تخريب طالت هذا القطاع الحيوى الذى يُعَد القطاع الإنتاجى الثانى فى مصر بعد الصناعات الغذائية، فمع هوجة الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات من القرن العشرين، ثم إصدار قانون قطاع الأعمال العام وخصخصة الشركات، أصيب قطاع الغزل والنسيج بنكبة أدت لهجرة نحو 100 ألف عامل لهذه الصناعة بعدما بلغت خسائرها 33 مليار جنيه.

النهضة الحالية لهذه الصناعة تمتلك جميع مقومات النجاح، فلدينا جميع مستلزمات الإنتاج بدءًا من المادة الخام المتمثلة فى القطن بالدرجة الأولى ثم الكتان والصوف، مرورًا بوفرة الأيدى العاملة التى تحتاج إلى التدريب الجيد، ثم الموقع الجغرافى والموانئ القريبة من الأسواق الأوروبية والآسيوية والإفريقية، ولا يحتاج الأمر سوى الإرادة السياسية، التى أصبحت متوافرة اليوم وبقوة؛ للنهوض بهذه الصناعة من جديد، فى ظل رغبة القيادة السياسية ليس فقط فى انتشال هذه الصناعة من حالة الانهيار؛ بل جعْل المنتج المصرى اسمًا عالميًا.

لدينا فى هذا المجال تجارب دولية ناجحة كلها تؤكد أن ما نملكه من مقومات كفيل بوضع مصر فى الصدارة عالميًا فى صناعة الغزل والنسيج، وسأكتفى هنا بنموذجين فقط، هما بنجلاديش وإندونيسيا.

فى بنجلاديش التى عانت كثيرًا من صراعات سياسية وعدم استقرار أدى لإفقار هذه الدولة حتى وصل الأمر لنشر إعلانات فى الشوارع عن فرص عمل مقابل وجبة طعام، استطاعت صناعة الغزل والنسيج أن تصبح أحد الأعمدة الرئيسية فى النمو الاقتصادى والمَصدر الرئيسى للعملة الصعبة حتى باتت المنسوجات والملابس الجاهزة تشكل 82 فى المائة من صادرات بنجلاديش بما قيمته 31 مليار دولار؛ لتحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الصين، مع العلم أن هذه الصناعة فى بنجلاديش تقوم بشكل أساسى على أكتاف المستثمرين.

أمّا النموذج الثانى، إندونيسيا، التى لا تمتلك المواد الخام وتستوردها من الخارج؛ فإنها استطاعت زيادة قدرتها التنافسية وإنتاجيتها، وفقًا لاتجاهات السوق العالمية؛ حيث نمت صناعة المنسوجات والمنتجات النسيجية فى عام 2021 بنسبة 12.45 فى المائة وأظهرت أداء تصديريًا جيدًا.. وأصبحت إندونيسيا من بين أكبر 10 دول منتجة للمنسوجات فى العالم، كما تحتل المرتبة الثانية عشرة فى تصدير المنسوجات والملابس، مع وجهات تصدير رئيسية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والشرق الأوسط.

نعود إلى مصر التى كانت يومًا أحد أهم المُصَدّرين لدول العالم فى هذا القطاع، إلا أنها باتت تستورد بعض المنسوجات لكى يتم إنتاجها وتصنيعها وتصديرها مرّة أخرى مُصنّعة أو زيادة القيمة المضافة عليها، كما تم إغراق السوق المحلية بمنتجات مستوردة، وتراجعت مساهمة صناعة الغزل والنسيج فى الناتج الوطنى الإجمالى لتصبح 10 فى المائة فقط، فى حين أن معظم تصنيع الملابس الجاهزة فى مصر يعتمد على أقمشة ومصنوعات مستوردة من الخارج بالطريق القانونى أو بالتهريب والتحايل على الجمارك.

فى المقابل تحتاج هذه الصناعة إلى مبادرات تحفيزية أسوة بغيرها من الصناعات المحلية، كما يحتاج العديد من المصانع القائمة إلى إعادة تأهيل تواكب الطفرات التكنولوچية الحديثة، بالإضافة إلى ضرورة وضع استراتيچية وطنية لزراعة نوعية القطن التى تحتاجها ماكينات الصناعة الحديثة.

أخيرًا؛ فإن ما تقوم به الدولة حاليًا هو إعادة تصحيح مسار لهذا القطاع بالغ الأهمية، الذى عانى من الإهمال والتجاهل على مدار عقود مضت، وإذا كانت النهضة به ليست بالأمر اليسير نظرًا لتراكمات عقود التجاهل؛ لكنها أيضًا خطوة ضرورية وواجبة، ولعل ما يبشر بإمكانية تحقيقها ونجاحها وجود إرادة سياسية قوية لإعادة هذه الصناعة إلى مكانتها التى تستحقها.