السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكتاب الورقى يواجه تحديات النشر محتفظًا بمكانته العصر الرقمى يفسح المجال للنشر الإلكترونى

يشهد العصرُ الرقمى ثراءً مَعرفيًا وتنوعًا فكريًا أتاح توافر المعلومات وتداوُلها عبر منصاته الإلكترونية، كما تعددت وسائل القراءة بفضل التقنيات الحديثة؛ حيث أصبحت لم تقتصر على القراءة الورقية بل اتسعت لتشمل القراءة الإلكترونية التى سرعان ما خلقت قراءً وجدوا غايتهم فى الكتب الإلكترونية، بينما التزم آخرون بالقراءة الكلاسيكية للكتاب الورقى الذى يتمتع بمكانته حتى الآن وطقوسه التى يفضلها القراءُ من مختلف الفئات العمرية، ويتضح من ذلك أن ظهور وسيلة جديدة لا يلغى مستخدمى الوسيلة القديمة.



 

لكل وسيلة جمهور خاص تتوجه له وفئة مستهدفة تحقق إشباعتها من التعرض لها، وذلك ما أكده المختصون فى تحقيق أجرته مجلة «روزاليوسف»؛ حيث أوضحوا أن عملية انتقاء الوسيلة يعتمد على ذوق القارئ ورغباته، وأضافوا إن الكلام المقروء يمنح القارئ فرصة أكبر لاستيعاب المحتوى وتذكره، بينما يعطى الكتاب الإلكترونى فرصة تكامُل مع الوسائط المتعددة وسهولة فى الاستخدام.

 الثقافة الرقمية

يوضح د.محمد خليف استشارى الابتكار والتحول الرقمى وعضو مجلس بحوث الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات التابع لأكاديمية البحث العلمى، أن الكتاب الورقى لا يزال يتمتع بمكانته ورونقه وقرائه الذين يفضلونه؛ حيث تتوقف عملية انتقاء وسيلة القراءة على ذوق القارئ وميوله، فهناك من يفضل الكتاب الورقى لكى يشعر بملمس الصفحات، ورائحة الورق، والتعايش معه بشكل شخصى ما يعطى نوعًا من الحميمية يختلف عن استخدام التكنولوچيا، كما أن الكلام المقروء يعطى فرصة أكبر لاستيعاب الحديث وتذكره بشكل أكبر، بينما يميل آخرون إلى القراءة من المحتوى الرقمى كونه يمنحهم أريحية وسهولة فى الاستخدام، ويعطى فرصة تكامُل مع الوسائط المتعددة ليتيح الشرح بالفيديو عبر الروابط الإلكترونية، كما تعتمد عملية اختيار الوسيلة على طبيعة المحتوى؛ حيث يتنوع محتوى الكتاب الرقمى ما بين الصوتى والمرئى ليتيح للقارئ حرية اختيار الوسيلة التى تتوافق مع رغباته.

ويضيف: «طبقًا لأحدث الدراسات التى قام بها مركز بيو للدراسات فإن مبيعات الكتب المطبوعة فى الولايات المتحدة الأمريكية قد زاد فى 2019-2020 نتيجة انتشار جائحة كورونا ولجوء الكثيرين للكتاب الورقى كمتنفس أثناء الحظر؛ حيث زادت مبيعات الكتاب الورقى بنسبة 8 % عن العام السابق وبما يصل لبيع 751 مليون كتاب فى مقابل 191 مليون كتاب رقمى تم بيعها فى الفترة نفسها بنسبة تقارب أربعة لواحد، كما تشير الإحصاءات إلى أن نسب نمو مبيعات الكتاب الورقى بشكل عام زادت بنسبة 13 % بين عامَى 2020 و2021، فى مقابل زيادة نمو مبيعات الكتاب الرقمى بنسبة 22٪ مما يشير إلى أن الجائحة أثرت بشكل إيجابى أكثر على استهلاك الكتب الرقمية، كما يوضح أحد الأبحاث التى أجريت عام 2019 أن 37 ٪ من البالغين فى الولايات المتحدة الأمريكية يقرأ الكتب الورقية «البرنت بوكس»، بينما 28 ٪ يقرأ الكتاب الرقمى والورقى و7 ٪ يقرأ الرقمى فقط، بالإضافة إلى 27 ٪ لا يحب القراءة».

ويضيف: إن استفادة الكتاب الورقى من العصر الرقمى تتمثل فى انتشار ملخصات الكتب على الإنترنت وتوافرها لمحركات البحث، وخَلق نوع من الدعاية والانتشار للكتاب الورقى بشكل كبير، كما أتاحت طرُق التجارة الإلكترونية شراء الكتب الورقية بشكل أسهل، وفرت شبكة الإنترنت والوسائط المتعددة إمكانية ربط الكتاب الورقى بموارد على الإنترنت من خلال استخدام الموبايل الذى بإمكانه أن يقوم بعملية مسح ضوئى لعرض توضيحات بالفيديو أو بالوسائط المتعددة مما يغنى الكتاب الرقمى ويجعل منه شكلا جيدًا. 

ويؤكد أن العمل فى مجال النشر الإلكترونى يتطلب فهم سلوك المستخدم للكتاب الرقمى، كما يتوقف تصميم الكتاب على شخصية الكاتب وطريقة استخدامه، وتختلف الكتابة للمحتوى الصوتى عن الكتابة للورقى والمحتوى المرئى، كما يتنوع كل سيناريو وفقًا لطبيعة المستخدم وسلوكياته فى استخدام الكتاب، فضلًا عن تبايُن أدوات نشرها، كما يتعرض الكتاب الرقمى للعديد من التحديات التى تكمن فى القرصنة والترخيص وحماية المحتوى والبرمجيات والتكنولوچيات اللازمة لصناعة الكتاب الإلكترونى وحمايته، ويستلزم العصر الرقمى مبدعين بشكل يختلف عن فكر الكتاب الورقى، ويتميز الكتاب الرقمى بإمكانية انتشاره بشكل كبير مما يلقى مسئولية كبيرة على الناشر والمؤلف فى عملية التدقيق نتيجة وصوله لأعداد كبيرة بسهولة وسرعة عملية مشاركته معهم.

ويفسر أن الثقافة تعنى مجموعة من المعتقدات والمواقف والسلوكيات التى تنتشر بين أبناء الوطن الواحد أو بين فئة معينة من المجتمع، بينما مصطلح الثقافة الرقمية يوضح فكرة التعامل مع تكنولوچيا المعلومات بصفة عامة والإنترنت، كما يحدث فى طريقة التعامل مع نوع من أنواع التفاعل بين الإنسان والتكنولوچيا ويؤثر هذا التفاعُل على طبيعة حياة البشر العملية والشخصية اليومية، كما أن استخدام البشر للتكنولوچيا والوسائط المتعددة والتقنيات الجديدة فى إنجاز المهام اليومية أدى إلى ظهور التغيرات الثقافية والمعتقدات الجديدة، بالإضافة إلى أن استخدام التكنولوچيا بشكل يومى من شأنه يخلق نوعًا من أنواع الصورة الذهنية أو طريقة تعامُل بشرية جديدة مع الإنسان وما حوله نتيجة استخداماته المتكررة للتكنولوچيا، ويتجلى ذلك فى استخدام السوشيال ميديا الذى نتج عنه تغير فى طريقة تعامُل وتواصُل الأهل والأصدقاء مع بعضهم البعض، ومن ثم حدوث تغيرات فى الروتين اليومى للإنسان بشكل عام.

ويعرف الثقافة الرقمية بأنها مجموع تفاعُل البشر مع التكنولوچيا، ومن خلال ترشيد استخدام التكنولوچيا تنتج أكبر فائدة وقيمة مضافة للاستخدامات فى الحياة، ويؤدى ذلك إلى استخدام أفضل للتكنولوچيا والثقافة الرقمية.

ويرى: «وجزء كبير من الثقافة الرقمية هيأثر فى استهلاك الكتاب الرقمى، يكون لدينا استخدامات تكنولوچيا يومية بشكل كبير فى حياتنا مثل: استخدام الموبايل، السوشيال السيارات الحديثة، فتصبح التكنولوچيا متداخلة فى مناحى الحياة وبالتالى مع هذا الاستخدام المكثف للتكنولوچيا أتوقع الكتاب الرقمى هيصبح له دور كبير لأنه بشكل سهل هيستطيع أن يتكامل مع المنظومة القائمة فى حياة الإنسان والتفاعلات اليومية الروتينية القائمة على التكنولوچيا».

 عادات ثقافية 

ويوضح د.عادل الميرى الكاتب الروائى: «استمرار تواجد الكتاب الورقى فى العصر الرقمى هو مثل استمرار الراديو فى عصر الأقمار الفضائية، فهناك قرّاء يفضّلون الكتاب الورقى، فأنا مثلاً أفضّله لأن كثرة استعمال الشاشة المضيئة مؤذية للعيون، وملمس الكتاب الورقى ورائحة حبر المطابع وإمكانية التخطيط تحت العبارات المهمة وإمكانية كتابة الهوامش هو ما يحبّبنى فى الكتاب الورقى بالإضافة إلى أنه أريح للعين».

ويضيف: «التقدّم العلمى يستمر فى إيجاد وسائل تواصُل جديدة بين الناس والعالم الرقمى أصبح لا غنى عنه فى الوقت الحاضر وبالتالى فإنه لا يمكن تجاهُل الكتاب الرقمى الذى ستكون له مساحات أوسع للانتشار فى المستقبل القريب، كما أن مسألة الكتاب الرقمى هى مثل مسألة التعليم أون لاين التى لا أستسيغها مطلقًا فإن النزول للذهاب إلى الجامعة أو إلى المدرسة ودخول الفصل أو قاعة المحاضرات هى خطوات استعداد لتلقى العِلْم سيحرم منها مَن يتلقى التعليم أون لاين لذلك فإن وسيلة تلقى العلم لا تقل أهمية عن المحتوى».

ويروى«تنمية عادة القراءة منذ الصغر فى حالتى أنا كان بفضل الكتب جميلة الطباعة والألوان التى كانت تهديها لى أمّى فى كل المناسبات فاعتدت منذ الصغر على أن تكون لى مكتبتى كما أنها كانت تذهب معى إلى المكتبة لأختار بنفسى، واعتيادى على الكتاب الورقى منذ طفولتى هو ما يجعلنى أفضّله على الكتاب الرقمى ولكن لا شك فى أن الكتاب الرقمى سيجد انتشارًا أوسع بين الأجيال الجديدة من القرّاء عامًا بعد عام».

 ذاكرة الإنسانية

بينما يرى د.محمد إبراهيم طه القاص والروائى: «من الطبيعى أن يظل الكتاب الورقى لفترة زمنية إلى أن يحل الكتاب الإلكترونى مكانه بالكامل، وسيصبح الكتاب الورقى جزءًا من ذاكرة الإنسانية، وتصبح الحياة كلها مميكنة، وكما تخلت البشرية سابقًا عن الآلة الكاتبة، وعن النسخ بالكربون وماكينات التصوير والتجليد والتغليف، ستتخلى عما قريب عن صناعة الكتاب الورقى ونشره بالطرُق التقليدية، كما أن افتتاح دُور جديدة للطباعة والنشر الورقى نوع من العبث، واللعب فى الوقت الضائع؛ لأنها فى غضون سنوات قليلة ستغلق أبوابها كما أغلقت من قبل محلات الفيديو، والاسطوانات وشرائط التسجيل، وكما اندثرت دُور العرض السينمائى، التخلى أمرٌ لا مَفر منه، حتى المكتبات المنزلية ستختفى، ليدخل الكتاب الورقى فى ذمة التاريخ».

ويوضح: «القراءة موجودة بالفعل لدى الأطفال، واستخدام الأطفال لأجهزة الحاسوب اللوحى والهاتف ودخولهم اليومى على الشبكة العنكبوتية يؤكد تنمية القراءة، كما أن معدل القراءة لدى الأطفال الآن أكثر بكثير من معدله قبل خمسين عامًا، وذلك بسبب إتاحة المعلومات وسهولة الوصول إليها، وحتى اكتساب المعرفة للطفل عن طريق القراءة صار الآن مهددًا بوسائط بصرية أكثر جذبًا من القراءة مثل مقاطع الفيديو المتوافرة على يوتيوب والتى تنقل لك المعلومة صوتًا وصورة فى لحظات».

ويضيف: «لسنوات كنت منحازًا للقراءة الورقية، كان الأمر عاطفيًا لا أكثر، وكنت أعتبر أن الاستغناء عن الكتاب الورقى من قبيل الخيانة، أمّا الآن ومع فضائل القراءة الإلكترونية التى سمحت لى بسهولة التصفح، وتكبير الصفحة أو تصغيرها، وأخذ اقتباسات من النص، أو التعليق عليه، وسهولة الاحتفاظ بالنص واستعادته فى ثوان، ما جعل اللجوء إلى مكتبتى الخاصة والبحث فى أرففها محدودًا، بل قلص التوجه إلى المكتبات العامة أيضًا، فالبحث لساعات بين الرفوف عن كتاب يمكن الحصول عليه إلكترونيًا فى غضون ثوان؟».

ويتابع: يمثل المحتوى أهمية، وسهولة التعامل معه وليس الوسيط الذى نقرأ من خلاله، سواء كان ورقيًا أمْ إلكترونيًا، والتحول من الورقى إلى الإلكترونى قادم لا محالة مع انخفاض الأمية الإلكترونية، وفى غضون سنوات قليلة ستغلق دُور النشر والجرائد والمجلات الكبرى أبوابها، أو تتحول إلى النشر الإلكترونى واسع الانتشار والأكثر فائدة والأسهل والأوفر للقارئ فى كيفية الحصول على الكتاب وقراءته والاحتفاظ به».

تحديات ومواجهات

ويفسر الناشر حسين عثمان مؤسّس دار ريشة للنشر والتوزيع، أن الكتاب الورقى له سحر خاص لا يزال يحفظ له مكانته رُغْمَ سطوة التطبيقات الرقمية على حياتنا بشكل عام، وشغلها مساحة أصبح لا يستهان بها فى سوق النشر، كما أن دُور النشر لا تزال تجتهد فى إخراج الكتاب الورقى بما يواكب إيقاع العصر وملامحه وأذواقه؛ خصوصًا أن كل وسيلة لها جمهورها كقاعدة، فمَن يقرأ «ورقى» عادة لا يقرأ «إلكترونى» أو يسمع «صوتى» والعكس بالعكس.

ويوضّح أن متطلبات العمل فى مجال النشر الورقى تتمثل فى عدة جهود متواصلة ومستمرة تبدأ باستيفاء الإجراءات القانونية اللازمة، وضرورة اتساع الأفق المعرفى ومتابعة سوق النشر ورصد أهم الظواهر المتعلقة بأطراف الصناعة، وتنتهى بمهام التوزيع من خلال مختلف قنواته من مكتبات أو منافذ بيع كبرَى وتطبيقات إلكترونية، مرورًا بإعداد الكتاب ذاته للنشر من قراءة مشروعات الكتب واختيار ما يتوافق منها مع منهج دار النشر ومراجعتها وتدقيقها لغويًا وتنسيق الكتاب داخليًا وتصميم الغلاف واستخراج رقم الإيداع والترقيم الدولى، طباعة الكتاب وتسعيره تمهيدًا لتوزيعه. 

ويشير إلى التحديات التى واجهها الكتاب الورقى فيقول: «فى عصر التطبيقات الرقمية واجَه الكتاب الورقى ولا يزال تحديات جمّة، ومجرد استمراره بمساحة شغف لدى قطاع كبير من القراء يمثل أحد أوجُه التغلب على هذه التحديات، لكنها تحديات متجددة نتيجة سطوة التكنولوچيا على حياتنا بشكل عام، وهى حتمًا ستفرض كلمتها الرقمية يومًا ما، أتصوره فى مدَى زمنى لن يقل عن ثلاثة عقود، بما يواكب عمر جيل يولد فى أحضان التطبيقات الرقمية ولا يعرف للكتاب الورقى طريقًا».

 تاريخ لا ينتهى

ويقول عماد كمال صاحب كشك «دكان الكتب» بالإسكندرية، إن نسبة الإقبال على شراء الكتب تزداد فى فترة الإجازات، وعند انطلاق فعاليات مَعارض الكتاب؛ حيث يقبل القراء على شراء الإصدارات الحديثة، وتقل نسبة الشراء فى فصل الشتاء وعند دخول موسم الامتحانات، كما يقبل الشباب فى الفئة العمرية من 18 إلى 21 عامًا على روايات الرعب والخيال العلمى، بينما تميل المراحل العمرية المتنوعة إلى شراء كتب التنمية البشرية والنفسية والكتب العلمية والتاريخية.

ويضيف: «القراءة تاريخ لا ينتهى، تتبدل العصور وتترك لنا كتبًَا ومَراجع عدة وعلومًا تتوارثها الأجيال، كما تحتفظ الكتب الورقية بمكانتها، وكقارئ أشعر بالكتاب وكأنه صديقى الذى يرافقنى؛ حيث أردت، لذلك لا أتجه للكتب الإلكترونية إلا إذا رغبت فى الحصول على معلومة صغيرة دون تفصيل».

 حتمية بقائه 

وتوضح د.فؤادة البكرى أستاذ الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان، أنه تم تدريس منهج الإعلام لهذا العام بشكل إلكترونى، وهو ما قوبل بالشكوَى من الدارسين الذين وجدوا صعوبة فى المذاكرة من الكتاب الإلكترونى؛ حيث إن عدم الاعتياد على استخدامه وتخطيط صفحاته وإضافة أفكار لأوراقه، جعل البعض يلجأ إلى طباعة الكتاب الإلكترونى وتحويله إلى ورقى ليشعر بملمسه أثناء المذاكرة.

وتضيف: إن التدريس من أى وسيلة لا يمثل مشكلة، بينما يكمن الأمْرُ فى أن الدارس ينتظر الانتهاءَ من الفصل بأكمله ليقوم بطباعته ومذاكرته مما يؤدى لإهدار وقت متابعته للمحاضرات فور الحصول عليها، كما يتضح من ذلك أن الكتاب الورقى يتمتع بمكانة مهمة ودَور كبير يضمن حتمية بقائه لصالح الدارس الذى لم يعتَد على الخدمة الإلكترونية.