الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مَن أفسد شيئًا فعليه إصلاحه

مَن أفسد شيئًا فعليه إصلاحه

العنوان عاليه قاعدة فقهية وقانونية لا تقبل الشك، وتتنافَى تمامًا مع ما يدور من حديث عن عدم مشروعية قبول العوَض أو المحاسبة فى حالة ارتكاب الخطأ أو الجهل به، وتنسف تلك الثقافة الفاسدة التى استشرت فى مجتمعنا وتخالف الشرع والقانون عن العوض وقبوله، ثقافة اعتاد ترديدها بيننا من حين لآخر مَن يحترفون عدم احترام القانون، ثقافة تكونت لبنتها الأولى عندما اتبعت بعض الأسَر أنماطًا خاطئة فى تربية أطفالهم، من المؤكد أنها مع الوقت أثرت على تكوين شخصيتهم فى المستقبل، بدأت بالصرامة والشدة، ثم مرت بالدلال الزائد والتسامح حين ارتكاب الخطأ وعدم الاعتراف به، وتبع ذلك عدم الثبات فى المعاملة والعدل بين الإخْوَة من أبناء الأسْرة الواحدة، حدث هذا اعتقادًا من أولياء الأمور بأن ذلك فيه الخير وصلاح حال أطفالنا، ولكنها للأسف أنماط غير تربوية بالمَرّة وصلت بنا وبأولادنا إلى عدم تحمُّلهم المسئولية وتنشئتهم على الجُبْن والخوف والهلع والفزع، المقترن فى أحيان كثيرة بسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين، وعدم احترام الكبير وحقوق الغير وحق المجتمع نفسه، لذلك تواجَد بيننا فلذات أكباد يقومون بتدمير وتخريب المنشآت العامة، مثل ما حدث مؤخرًا من أعمال هدم على ممشى أهل مصر، الذى تعدّت تكلفته ملايين الجنيهات، ومثل قيام بعض الطلاب بتكسير لجان الامتحانات ومحتوياتها للتعبير عن سعادتهم بانتهاء امتحانات الثانوية العامة، أو الاعتداء على مدرسيهم بالضرب لمجرد توجيههم، ومثل قيام بعض الأطفال بإلقاء الحجارة على وسائل النقل العام والقطارات لمجرد اللهو أو اللعب؛ لأنهم ومنذ الصغر لم يتعلموا أو يتربوا على احترام المِلْكية العامّة أو حتى الخاصة، حتى وصل بنا الحال إلى إهدار ثروتنا من المياه التى تعنى الحياة لجميع أبناء الشعب المصرى، والتى من أجلها تخوض الأمَمُ الحروبَ بصورة مُبالغ فيها، وذلك عبر رشها فى الشوارع لتلطيف الجو أو غسل السيارات.. جميعها سلوكيات ناتجة عن أنماط تربية غير سوية ساهمت بعضُ الأسَر فى تكوينها وزرعها داخل نفوس أطفالها، وأثرت بقصد وتعمُّد فى عدم الإحساس بالخطأ، رُغْمَ ما تبذله الدولة من جهود لرفع مستوى معيشة المواطن المصرى على جميع المستويات، وعندما يأتى الوقت الذى تضع فيه الدولة الأسُس والقوانين التى تهدف إلى حماية مكتسبات مواطنيها؛ يردد هؤلاء أن هناك تعسفًا فى استخدام المجتمع لحقه فى فرض الإصلاح على مَن أفسد وعلى مَن يقف خلف هذا الفساد، سواء كان رب أسرة أو مسئولًا، رُغْمَ عِلْمى وعِلْم غيرى أن استعمال الحقوق واستغلالها يؤدى فى النهاية إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبالتالى لا يصح أو حتى يجوز الحديث عن قبول العوَض أو غيره من قبَل مَن يتقولون بذلك.



وهذا تحديدًا ما جعل البعضَ يتحدث عن عدم قبول العوَض، علمًا بأن العوض فى الإسلام له أحكام وضوابط عند إتلاف الأشياء أو ما يُعرَف بضمان المتلفات، وبالمناسبة هو جائز وليس به شىءٌ ضد قواعد الدين؛ طبقًا للقاعدة الفقهية (مَن أتلف شيئًا فعليه إصلاحه)، وبشكل عام قبول التعويض عند وجود أسبابه ليس حرامًا، وهذا ما يجب أن يحدث ويتبع مع الأفراد إذا تضرروا من شىء، فما بالك إذا ما تعرضت له منشآت الدولة وخدماتها التى يستفيد منها المواطنون، وهنا أعتقد جازمًا أن تطبيق القانون على جميع مَن أفسد أو خرَّب أو دمَّر يجب أن يكون ضروريًا وحتميًا، دون أى اعتبار لحسيب أو قريب، وإذا أهملت الدولة (وأنا أشك فى ذلك) فى تنفيذ تلك القاعدة؛ فعليها هنا أن تتحمل ما سيحدث فى المجتمع المصرى وقتها من مشاكل وأزمات، ستصل فى النهاية إلى حد ارتكاب الجرائم، وهذا ما أكدته وحذرتنا منه مقولة «معظم النار من مستصغر الشرر»، فما نستهين به اليوم من أخطار قد تبدو صغيرة، إلا أنها تحمل فى أحشائها مقومات النمو التى تجعل منها أخطارًا مهلكة فى المستقبل.