الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تطوير الفكر الدينى يحتاج دهاء.. لا أدعياء..  كل شىء فى مصر إلهى

الطريق الثالث

تطوير الفكر الدينى يحتاج دهاء.. لا أدعياء.. كل شىء فى مصر إلهى

كان الأستاذ توفيق الحكيم يستعرض شخصية مصر من أعماق تاريخها، عندما طرح سؤاله الفلسفى المهم: «ما بال تماثيل الآدميين عند المصريين مستورة الأجساد، وعند الإغريق عارية الأجساد؟». ثم يجيب بنفسه عن السؤال: «هذه الملاحظة الصغيرة تطوى تحتها الفرق كله، نعم كل شيء فى مصر خفى كالروح، وكل شيء عند الإغريق عار كالمادة، كل شيء عند المصريين مستقر كالنفس، وكل شيء عند الإغريق جلى كالمنطق».



 

وأتصور أن (الحشمة) اختراع مصرى أصيل، والمرأة المصرية بطبعها أميل إلى الاحتشام، وقبل هجمة المظاهر الوهابية السبعينية المتمثلة فى الخمار والإسدال والحجاب وأخواتهن، كانت نساء مصر مطلع القرن العشرين يرتدين اليشمك والبرقع والملاية اللف، ونظرة على عموم النساء فى ربوع الوطن (بعيداً عن القاهرة وعواصم المحافظات)، سنجد الجلابية الفلاحى هى الزى الرسمى لمعظم نسائنا وبناتنا فى أرياف مصر.

ونكمل مع الأستاذ الحكيم فلسفته، فهو يدعم رأيه السابق عن فن النحت، بنظرة ناقدة لأسلوب النحات، قائلاً: «إن المثال المصرى لا يعنيه جمال الجسد ولا جمال الطبيعة من حيث هى شكل ظاهر، إنما تعنيه الفكرة، إنه يستنطق الحجر كلاماً وأفكاراً وعقائد»، ويخلص مفكرنا الكبير، إلى هذه النتيجة التى تستدعى التأمل: «إن ولع المصريين بالقوانين الخفية ليبلغ حد المرض، مرض إلهى، لو أن الآلهة تمرض لكان هذا مرضها: فرط البحث عن القانون!»، ويختم بهذه العبارة الموحية: «كل شيء فى مصر إِلهيّ».

إن التعامل مع الدين فى مصر مسألة تحتاج عمقا وحكمة وفلسفة وأصالة ودهاء، الدين يجرى فى شرايين شعبنا الطيب ويمنحه سر البقاء، ليست المشكلة فى الحجاب كما يخدعنا طرفا المعركة المستمرة بين السادة المستنورين (أدعياء التنوير) والإخوة المستلزمين (أدعياء التدين)، بإصرارهم المستمر على خلق صراع «الهامش»، منشغلين عن  المتن، هاربين من المعارك الحقيقية والقضايا المصيرية، إن المسألة لا تحمل هذا القدر من السذاجة والتسطيح، فالفراغ فى ملف الفكر الدينى بلغ أشده، ولا أحد يتصدى إلى تطوير حقيقى وتجديد صادق.

قبل أسابيع استوقفنى ما كتبه الباحث إسلام بحيرى عبر حسابه على «الفيس بوك» حيث كتب نصاً: «إن إدارة الأزهر تنشر بيانا رسميا نسخة (طالبان)، تضرب به عمق مدنية الدولة المصرية فى مسألة محظورات العيد، فهذا بيان فاحش الخطأ وعظيم التعدى والعدوان على الدستور والحريات والدولة ولذلك هاجم بيانهم الملايين وليس فقط تيار الإصلاح، لكن أن إدارة الأزهر تعالج هذا الخطأ الفاحش، بأن تجرى تعديلا على البيان فى صفحتها الرسمية فتزيد كلمتين لتغيير المعنى الأصلى للمعنى العكسى تماما». 

ويكمل بحيرى الحديث عن (فضيحته)، ويقول: «المنشور الأول: (خروج المرأة متزينة غير ملتزمة بالحجاب)، لتعدل - بعد يومين- الجملة وتجعلها: (خروج المرأة إلى صلاة العيد متزينة غير ملتزمة بالحجاب)، هذا التصرف هو فضيحة كاملة متكاملة، وكارثة يجب المحاسبة والمساءلة عليها من الدولة المصرية، عيب أن يكون الحل لديها فى مواجهة الهجوم هو الهروب من المسئولية وتعديل الجملة لعكسها، لكن للأسف هذا التصرف ليس جديدا على إدارة الأزهر ولن يكون الأخير، أين الدولة المصرية من هذه الإدارة؟».

أحتفظ بنسخة كاملة «Screen Shoot» من كلام الباحث وتعليقات جمهوره (غير اللائقة)، وقد حذفت من مقالى ما يمكن أن يعرضنا للمساءلة لنشر هذا الهراء، وأجدنى مضطراً لأن أزايد عليه وأسأل مثله، أين الدولة المصرية من كلامه المتجاوز ووقاحة جمهوره والذى يمثل بحكم القانون سباً وقذفاً فى حق مؤسسة الأزهر الشريف؟.

 لقد استشهد (المدعي) بالباطل، بـ«بوست» نشر على صفحة «مركز الأزهر للفتوى» فى ليلة عيد الأضحى، ثم جرى تعديل صياغته (الصحيحة) لتكن أكثر صحة ومواكبة لمناسبته، فاعتبرها هذا (الموتور) دليلاً على فضيحته المزعومة، وكان «مركز الأزهر» قد كتب ناصحاً بالابتعاد عن محظورات العيد، ومنها: «خروج المرأة متزينة غير ملتزمة بالحجاب»، والتقطها (ابن بحيري)، وادعى أن (ملايين) قد عبروا عن غضبهم من هذا الرأى، فاضطر الأزهر لتغيير رأيه.

وهذا تدليس بالطبع، فالمنشور الأول صحيح، لأن الأزهر فتواه ثابتة وراسخة فيما يخص مسألة الحجاب حيث أقر علماؤه «أنه فرض على كل من بلغت سن التكليف من النساء»، ومن تخرج بدون الحجاب «امرأة عاصية آثمة»، بحسب ما أكد فضيلة شيخ الأزهر، فما المشكلة أن يُذكر ذلك ضمن محظورات العيد؟، مثلما ننصح أبناءنا بألا يكذبوا أو يسرقوا وما إلى ذلك من آثام لا تصل إلى حد الكبائر والعياذ بالله، ما الضرر فى ذلك، ولماذا ثارت ثائرة (المستنور) من ممارسة الأزهر لدوره فى نصح الأمة بأمورها الشرعية وتذكير المسلمين بأصول دينهم الحنيف، والتى ترسخ الأخلاق الحميدة فى المجتمع.

لكن الباحث (الصياد)، أوحى له تعديل (البوست) الأزهرى، أن المؤسسة الشريفة قد أخطأت وتصوب خطأها، فى الوقت الذى جرى فيه التعديل فى رأيى، لتكن النصيحة أكثر ملاءمة لمناسبة عيد الأضحى المبارك، وحتى لو افترضنا أنه خطأ وهذا غير صحيح، فما يضيرك يا «أبو تنوير»، أن يتم تصويب الخطأ، أليس هذا من أخلاق العلم والعلماء.

وأختم بما بدأت به المقال، مقتطفات من كتاب «أيام العمر: رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم»، للأستاذ إبراهيم عبد العزيز، الذى ينقل عن عميد الأدب العربى رأيه فى رائعة توفيق الحكيم «عودة الروح»، حيث يقول الدكتور طه حسين: «وأشهد، لقد صورته (يقصد الشعب المصري) فأحسنت تعريفه، فهو شعب يجهل نفسه، وهو على جهله بنفسه يقدر نفسه، يعرفها فى ضميره الخفى، ويجهلها فى ضميره الشعورى. كما يقول أستاذنا الرئيس أحمد لطفى السيد»، ويوضح قائلاً: «شعب غنى قوى، لكنه يجهل ثروته ويجهل قوته.. ويجهل نفسه»، ويختتم العميد قائلاً: «كانت عودة الروح هذه هى التى حببتك إلى عامة الفقراء والقراء، الذين يقربون من الشعب، ولا يسمون إلى أرستقراطية التفكير، ذلك لأنك اقتطعت هذه القصة من حياة الشعب اقتطاعًا.. صورت الحياة المصرية كما يحياها الأوساط من المصريين، والفقراء أيضًا، وصورت هذه الحياة فى كثير من الحب والشغف بها والفناء فيها، كأنما كنت تصور نفسك». 

و«عودة الروح»، هى النص الأدبى الذى تأثر به الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وألهمه بالثورة، قبل أن يكفر بها الحكيم وينقلب على الناصرية بكتابه الشهير «عودة الوعى»، وكلاهما كان (عودة) للتفكير ودعوة إلى الفكر، لا ادعاء فيه. رحم الله أديب مصر ومفكرها الراحل الذى مرت علينا ذكرى وفاته الـ 35 قبل أيام، حيث فارقنا جسده فى 26 يوليو عام 1987، وبقى بيننا بإرثه الإبداعى والفكرى الكبير، ولا يزال أدبه يغذى العقل العربى ويثريه حتى اليوم.