الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مين قال.. إنهم عيال حرية الابتكار والإبداع بوابة للنمو الاقتصادى وتقدم البلاد

«مُخّى مش طاقق لا ده موزون.. كل محطة مخطط ليها لون.. ذهنى حاضر وجتلى فكرة.. فسيبونى أشوط يمكن تيجى جون.. فمين قال لازم الطريقة دى.. ليه مش الطريقة دى.. أو الطريقة دى.. مين قال لازم أبقى تابع ليك».. تأتى كلمات تتر مسلسل (مين قال) الذى عُرِض فى رمضان الماضى لتصف حال الأبناء فيما يواجهون من سيطرة الآباء على إبداعاتهم ودورها فى توجيه العقول وإحجام الإبداع.. مع محاولة الأبناء المستمرة فى كسر قالب التفكير التقليدى للمجتمع المتمثل فى المستقبل الآمن والاستثمار المضمون. 



يأتى هذا بالتوازى مع حادث مُعلمة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية،  التى خرجت من المَدرسة تحت حراسة الشرطة بعد أن تجمهر على بوابة المدرسة مجموعة من الطلبة والأهالى عاقدين العزم الاعتداءَ عليها لرفضها السماح بتسهيل الغش على الطلاب داخل اللجان. وهو ما يوضح اهتمام الأهل بفكرة نجاح الأبناء على الورق دون اهتمام بتحصيلهم أو تعلمهم مهارات حياتية حقيقية. 

 التربية الناعمة والهشاشة النفسية

وفى هذا السياق يؤكد الدكتور إسماعيل عرفة فى كتابه «الهشاشة النفسية» على الدور السيئ للتربية السلبية الناعمة التى يقوم فيها الأهل بحماية الأبناء بشكل زائد، ودورها فى إضعاف النفس البشرية وإصابتها بالهشاشة حتى يصبح الشخص كالورقة فى مهب الأزمات. ويوضح أن أغلب التجارب الناجحة التى غيرت العالمَ جاءت من الطبقات الفقيرة المعدمة التى واجهت أسوأ الظروف مما أصابهم بالقوة النفسية وحرّر عقولهم نحو الإبداع. وأشار فى معرض حديثه إلى ما ذكره الداعية محمد الغليظ فى أحد دروسه قائلًا: «الناس لا يربون أبناءهم على أنهم رجال ولهم قرارات يتحملون مسئوليتها؛  لأن أغلب الناس فى الطبقة الوسطى وما فوقها للأسف فى زمننا هذا يرفع عنهم والداهم جميع التكاليف ويتحملون كل مسئولياتهم،  ولا شىء يهم الوالدان سوى أن يذاكر الولد ويكون مؤدبًا حتى يصبح ناجحًا لا أكثر. لذا فإن أغلب الناس الذين غيّروا الدنيا تجدهم ينتمون للطبقات المعدمة لا الطبقات المدللة، فهؤلاء صارعوا الحياة وصارعتهم،  فكوّنوا عضلات إرادية وأنشأوا بداخلهم روحًا هائلة للتحدى، أمّا الولد أو الفتاة ممن يُربون على حياة خالية من المسئوليات فلا عضلات إرادية لهم وإرادتهم ضعيفة فلا يستطيعون مجاهدة أنفسهم لأن تربيتهم كانت مشوهة. فأى حزن يكسره لأنه يعيش ضعيفًا لا يتحمل الحزن ولا صراعات الحياة. وغاية نجاحه أن يعيش فى حياة مستقرة لا صدامات فيها ولا صراع ولا مواجهة.

قيود الأسرة والتعليم تعوق الإبداع

وفى سياق متصل يشير د.أيمن عامر أستاذ علم النفس المعرفى والإبداع بكلية الآداب جامعة القاهرة، إلى دور القيود التربوية (الأسرية والتعليمية) فى الحد من إبداع الأبناء. فيقول إن واحدة من أهم معوقات الإبداع هى قيود التنشئة الأسرية التى تظهر فى عدة صور، منها  الوقوف حيال تنمية الأبناء لاهتماماتهم الفنية: مثل إجبار الابن على الالتحاق بكلية متعارضة مع اهتماماته الفنية، أو الوقوف أمام إشباع الابن لاهتماماته الأدبية أو الفنية إذا ما تعارضت مع الدراسة الأسرية. وأيضًا دعم سمات مناقضة للحرية والإبداع،  كدعم سمات السلبية والمجاراة والاعتياد على القهر والخوف. أو قد تظهر فى شكل قيود تعليمية تظهر فى عدة صور، منها كبح السمات المُهيئة للإبداع كما فى عدم الاهتمام بتكوين رؤية نقدية لدَى التلميذ،  وكبح حرية التلميذ فى التعبير عن رأيه، وعدم الاهتمام بتنمية الخيال مقابل الحفظ، واستخدام أساليب تعليمية غير مناسبة، وأيضًا دراسة مواد دراسية لا تتفق واهتمامات التلميذ.

ويضيف د. أيمن عامر: قد يصل الأمْرُ إلى حد شعور بعض الأفراد بالحرية عند وفاة الأب كمَصدر السُّلطة. ويشير فى معرض حديثه إلى ما ذكرته نوال السعداوى عن تحرُّرها من القيود الإبداعية بوفاة والدها قائلة: «بدأت أعلن عن غضبى ضد جميع السُّلطات من تحت إلى فوق،  بداية بسُلطة الأب.. وما أن مات أبى حتى تحررتُ من الوعد. وانطلقتُ فى الحياة بلا رغبة فى إرضاء أحد. فحين يتحرر الفردُ من الرغبة فى إرضاء الآخرين يبدأ الإبداع». 

 سياسات التعليم وسوق العمل 

ويُرجع د.جمال أبو شنب أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة حلوان، فكرة سيطرة الآباء على إبداع الأبناء إلى السياسة التعليمية المتبعة فى مصر،  فيقول: إن سياسات التعليم ترتبط بشكل كلى بسياسات الدولة فينعكس النظام السياسى على نظام التعليم. فمنذ ثورة 1952 اعتمدت سياسات الدولة على ثقافة التعيين، أى أن تقوم الدولة بتعيين الطالب لكى يجد وظيفة يعيش منها،  واستمرت تلك السياسة حتى الثمانينيات، لكن بسبب تكدس الموظفين توقفت الدولة عن التعيين وتحولت إلى القطاع الخاص لكن لم تتوقف تلك الثقافة. يرجع هذا إلى أن سياسات التعليم لم تتحول هى الأخرى بما يتناسب مع إعداد الخريج وتجهيزه للمستقبل وتنمية مهاراته بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وهو ما نتج اهتمام الآباء بحصول الأبناء على درجات عالية توفر لهم الالتحاق بإحدى كليات القمة لكى يكون له القدرة على المنافسة فى سوق العمل دون الاهتمام بالحصول على مهارات حقيقية، فأصبح الشاب يخرج لسوق العمل بلا عمل أو يعمل فى مجال يختلف عن دراسته نتيجة للمنافسة الشرسة من خلال شركات القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات على من يمتلك أكبر قدر من المهارات التعليمية والخبرات الشخصية. فيبدو الأمْرُ فى شكل بطالة مقننة وعبء على الدولة وفقدان لرأس المال البشرى. ومن ناحية أخرى توجهت الأسر ميسورة الحال إلى المدارس الأجنبية التى قامت بتنمية مهارات الطلاب بما يتناسب مع سوق العمل، لكنهم أصبحوا يفتقدون لعنصر الهوية والانتماء المتمثل فى دراسة اللغة العربية والدين فلم يَعُد الطالبُ الذى يدرس فى تلك المدارس يشعر بالهوية والانتماء للوطن؛ وإنما ينتمى للدولة التى يدرس بلغتها حتى إنه يتم استقطابه إليها بعد التخرج وهو ما يُعتبر فقدانًا لرأس المال الاجتماعى للشباب.

ويضيف د.جمال: «كما تساهم ثقافة الأهل بشكل كبير فى تأهيل الشباب لسوق العمل. فإذا كان لدى الأهل الوعى والإدراك بتوجيه الأبناء لنوعية التعليم التى تتناسب مع استعدادهم وقدراتهم من البداية سيُحدث فرقًا كبيرًا على مستوى الفرد والمجتمع؛ لأنهم يساهمون فى بناء شخص ناضج واعٍ. 

قناع المتسلط والبحث عن السيطرة والأمان 

ومن جانبه يشير الداعية مصطفى حسنى فى برنامجه «القناع» إلى فكرة تسلط الآباء على الأبناء قائلًا: «إن مَن يفرض آراءه على الآخرين ويهمش آراءهم هو شخص يرتدى قناع المتسلط. ومرتدى هذا القناع لديه احتياج للشعور بالسيطرة والأمان، لكنه تربّى على أن التعامل بلين ضعف والشخص غير القادر على فرض رأيه على مَن حوله ضعيف. وهو ما يخالف سُنّة النبى «ص» الذى كان يأخذ بالمشورة ويبتعد عن فرض الرأى فى التعامل. فحينما كان يخرج مع صحابته فى رحلة كان يستشير أصحابه فيما يأكلون. فيقول أحدهم أنا أذبح الشاه، ويقول آخر وأنا أسلخها،  فيما يقول النبى «وأنا أجمع الحطب». ففى هذا الموقف سمح النبىُّ للناس بالحديث وإبداء الآراء؛ بل إنه اختار أقل وظيفة.  ويضيف «حسنى»: إن الشخص الباحث عن السيطرة عليه خَلع قناع المتسلط والتحلى بالشخصية الصادقة شخصية القائد المشارك التى تؤمن بالله المهيمن وتؤمن أن قلوب العباد بين يدى الرحمن وهو وحده المسيطر والمتحكم فى شئون الكون والعباد. وعليه أن يتحلى ببعض الصفات، أن تكون أغلب أوامره فى صورة اقتراح لأنه يحترم رأى الناس ونفسيتهم ولا يجعل مَن حوله يشعر أنه يتسلط عليه. فحينما أرسل الله سيدنا موسى لفرعون قال له (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). أن تكون لديه ًالقدرة على التفويض، أى أن يجعل من حوله يشعرون بالثقة،  فحينما أرسل سيدنا عمر أحد الولاة عنده فى مهمة معينة ذهب الرجل لسؤاله كيف أفعلها قال «لا تسألنى، ولكن انظر أين وجه الحق وامضِ به». كأنه يقول له أنا أثق بك. ومن أهم صفات القائد المشارك الصبر على التغيير. فحينما أنزل الله الصلاة على العباد قال (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا). فالصلاة من أهم عبادات ديننا، لكنها تحتاج للصبر والتعود.

عم عبده 

وفى هذا السياق نستعرض بعضَ التجارب الناجحة لأبناء سلكوا طريقًا إبداعيًا خارج الصندوق. فيقول «خالد أحمد- 26 عامًا» صاحب تطبيق «عم عبده» الناشئ: «منذ دخولى الصف الأول الثانوى لم أكن مقتنعًا كثيرًا بنظام التعليم، فأنا كنت أحب الكمبيوتر لماذا يتوجب عليّ دراسة الآداب والتاريخ والكيمياء ولِمَ لا تقتصر دراستى على الكمبيوتر الذى أحب؟. توسمت عائلتى فينى أن أحذو حذو النماذج الناجحة فى عائلتى، لكن كان لى طريقة تفكير مختلفة كنت أرى فى المستقبل شيئًا مختلفًا أردت تجربته. ومع بداية الصف الثالث الثانوى توفى والدى ولأننى الابن الأكبر كان على عاتقى أحمال كثيرة. كان رأسى مليئًا بالأفكار التى أردت الخوض فيها، لكن لم يكن عندى الحرية المالية لترك الدراسة وتنفيذ أفكارى وكان من الصعب إقناع عائلتى بالأمر. حصلت على مجموع 84% فى الثانوية العامة عام 2014 فلم أستطع الالتحاق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية. بحثت فى جامعات الأقاليم حتى التحقت بكلية العلوم جامعة أسيوط. درست لمدة عام فيها، لكن لم يعجبنى الوضع فعدت والتحقت بكلية الهندسة فى إحدى الجامعات الخاصة فى الإسكندرية لأدرس شغفى الكمبيوتر. وإلى جانب دراستى عملت فى مجال الكمبيوتر وحصلت على عمل فريلانسر. لم أعمل فى أى مكان سابقًا، لكن كان لدىّ المهارات فبدأت أجد عملاً قبل التحاقى بالكلية نفسها. عندها أدركت أن شغفى ليس فى دراسة الكمبيوتر؛ وإنما فى صنع شىء جديد. قضيت عامين فى الكلية وحصلت فيهما على مجموع امتياز. ومع بداية عام 2019 كنت حينها أملك الحرية المالية بعد أن بدأت أجمع الأموال من عملى. «قلت أنا دلوقتى معايا فلوس ليه أضيّع وقتى فى الكلية،  أنا أقدر دلوقتى أبدأ حاجة خاصة بيّا وبدأت فكرة عم عبده الاستارت آب بتاعتى» تركت التعليم وتفرغت لمشروعى، كان الوضع صعبًا جدًا فى بدايته نفسيًا وماديًا، أمّى وأخوتى كانوا يرفضون الأمرَ، لكننى كنت أومن بما أفعل واستمررت فى طريقى وبعد عام 2020 تفرغت بشكل كامل لمشروعى. 

تقوم فكرة مشروعى على الربط بين ربات البيوت ومحلات السوبر ماركت فى محيطها مثل طلبات وانستا شوب، لكنها على نطاق الإسكندرية فقط حتى الآن. معرفتى بعلوم الكمبيوتر سهّل علىّ إنشاء التطبيق وتوفير النقود، لكننى أضعت الكثير من الوقت فى التخطيط للمشكلات. وعندما نزلت على أرض الواقع كانت المشاكل التى واجهتها مختلفة. بدأت باللف على السوبر ماركت لمدة شهر كامل، واجهت كمًا كبيرًا من الإحباط من المحلات حتى اقتنع أحدهم بالفكرة وبدأ بالعمل معى وبدأت الأمور تتحسن تدريجيًا. بدأت فى الالتحاق بمسرعات الأعمال من أجل توجيهى بشكل صحيح والآن أحاول الحصول على تمويل وشراكات من أجل توسيع نطاق عملى بباقى المحافظات. الآن نحن 5 أشخاص فى الشركة منهم اثنان دائمان والباقى فريلانسر. لا أعرف إذا كنت سأعود لاستكمال دراستى يومًا ما، ربما يحدث ذلك بعد أن تصبح الأمورُ أكثرَ استقرارًا فى عملى».

 شركة Bagger

وقد يسلك الأشخاصُ الطريقَ التعليمى المباشر، لكنهم قد يرغبون فى التغيير. فيقول «شادى هانى- 29 عامًا» المدير التنفيذى ومؤسّس مساعد لشركة bagger الناشئة: «تخرجت فى كلية التجارة إنجليزى جامعة القاهرة عام 2014، وكنت أعمل فى شركة توظيف وكذلك كان باقى مؤسّسى الشركة ومن بيننا محمد إبراهيم صاحب الفكرة كان يعمل فى شركة الشحن الشهيرة تريلا. وبعد عامين من الأمان الوظيفى تحديدًا عام 2017 بدأت فكرة شركة باجر وبينما كنا عائدين من رحلة سفر بدرت لصديقنا محمد فكرة عمل تطبيق لمساعدة المسافرين فى تقسيم الحمول، لكنها لم تنجح لعدم مناسبتها للسوق المصرية من الناحية القانونية، وقمنا بتطوير الفكرة لتناسب السوق بشكل أكبر وأصبح هدف التطبيق مساعدة الأشخاص الراغبين فى شحن المنتجات على اختيار أنسب شركات الشحن من ناحية التكلفة والسرعة والوقت. 

اختلفت الدراسة الأكاديمية عن الواقع الذى واجهنا بعد التخرج، ولذلك حاولنا تنمية مهاراتنا فى السوق بالتوجُّه إلى حاضنات ومسرعات الأعمال لنكتسب خبرات عملية أكبر تساعدنا على التوجه الصحيح. فذهبنا إلى جامعة النيل والتحقنا بمسرعة أعمال لمدة 6 أشهُر لتنمية مهاراتنا العملية فى السوق،  ونزلنا رايز آب وهو عبارة عن معرض يأتى إليه الأشخاصُ لمعرفة ما نقوم به ويقدمون لنا النصائح بخصوص مشروعنا. وقابلنا منافسين فى السوق ومستثمرين ونصحنا أحدهم بالسفر للسعودية وتجربة مشروعنا هناك وسافرنا وتعرضنا للسوق الخليجية وتعرفنا على نوعية أكبر من الأشخاص وفكر أكبر وأوسع واكتشفنا أننا لا نزال فى حاجة للالتحاق بمسرعات أعمال أخرى فعُدنا والتحقنا بمسرعة أعمال الجامعة الأمريكية v-lab وقضينا فيها 6 أشهُر أخرى. فى الوقت الحالى معنا 3 شركات شحن،  و70 عميلاً مسجلاً يستخدم الشركات الثلاث وقمنا بعمل أكثر من 3 آلاف شحنة داخل مصر ونرغب فى القيام بـ 500 شحنة خارج مصر خلال الربع الأخير من 2022. 

بالحديث عن نفسى كانت واحدة من الأزمات التى واجهتنى عدم وجود دعم عائلى، فأنا عائلتى كلها فى سلك الشرطة والجيش فكان من الغريب التحاقى بكلية التجارة من البداية. كنت بالنسبة لهم بلا مستقبل ولن أجد وظيفة. وكان المشروع بالنسبة لهم مغامرة بالأموال لم يصدق به أى من الآباء. فهم عادة يفضلون فكرة الأمان الوظيفى للأبناء والدخل الثابت آخر الشهر لكى تستطيع الزواج وتحمُّل مسئولية بيت وأسرة. ربما يأتى الدعم من الأخوة لأنهم فى نفس العمر ويعيشون نفس التجارب الحياتية. لا أعتقد أن عائلتى ستؤمن بالفكرة إلا عندما يرون النتائج بشكل صريح. كأن أركب المرسيدس؛ لأن كل تلك الأمور مستحدثة لم تكن تتواجد فى عصرهم فهم لا يفهمونها».

 القانون يدعم حرية الإبداع

ويوضح الأستاذ أشرف عبده يوسف المحامى فى شئون الأسرة، أن حرية الإبداع مكفولة للجميع ولا توجد قيود رسمية قانونية تمكن الأهل من فرض سيطرتهم على إبداع الأبناء، وإنما يتم الأمْرُ خوفًا على الأبناء وعلى مصالحهم. وهناك مجموعة من القوانين فى الدستور التى تكفل حرية الإبداع، منها قانون الحماية الدستورية لحرية الإبداع ومدى مخالفة بعض التشريعات لها،  منها المادتان (98) و(178) من قانون العقوبات، اللتان تُعرفان بمادتَى ازدراء الأديان وخدش الحياء العام على التوالى. وأيضًا قانون «تجريم إهانة العَلم المصرى» والتقدم بمشروع قانون بتجريم إهانة الرموز التاريخية اللذان يمثلان خطورة بالغة على حرية الإبداع. 

 الأهلية القانونية لمزاولة التجارة عند الـ21

ويوضح أ.عمر عبد اللاه القاضى محامى الاستشارات القانونية وتأسيس الشركات وتسجيل العلامات التجارية: «إن القانون المدنى حدّث سِنّ الأهلية القانونية الكاملة للشخص الراغب فى ممارسة التجارة بسِنّ الرشد 21 عامًا. فلا يجوز للأشخاص إنشاء سجل تجارى أو المشاركة فى شركة تجارية إلا إذا كان أكبر من 21 عامًا أمّا إذا كان أقل من هذا العمر فلا بُد من وجود ولى عليه يقوم بالتسجيل القانونى بالنيابة عنه و«ينص قانون التجارة على أن يكون آهلاً لمزاولة التجارة مَن بلغ سن الرشد متمتعًا بقواه العقلية ولم يُحجَر عليه،  يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية. وسن الرشد هو 21 سنة ميلادية كاملة. وعلى ذلك فإن الشخص الذى بلغ 21 سنة كاملة يكون له حق مزاولة التجارة والالتزام بالالتزامات التجارية بشرط ألا يكون قد أصابه عارضٌ من عوارض الأهلية يعدمها،  كالجنون والعته،  أو ينقصها كالسَّفَه أو الغَفلة. فيما أجاز المشروع المصرى فى المادة (57) من قانون الولاية على المال الصادر سنة 1952 لكل مَن بلغ 18 سنة مزاولة التجارة بعد الحصول على إذن من المَحكمة بذلك وللقاضى مطلق الحرية بعد دراسة أحوال القاصر فى قبول الطلب أو رفضه. كما يستطيع القاضى أن يمنح القاصر الإذن مقيدًا سواء تعلق القيد بالمَبلغ المسموح الاتجار فيه أو نوع التجارة. أمّا عديم الأهلية القاصر الذى لم يبلغ 18 عامًا فلا يجوز له ممارسة التجارة وإن مارسها يكون أى تصرف صدر عنه قابلاً للبُطلان لمصلحته لأنها من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر». 

 «رواد 2030»

ومن ناحية أخرى تساهم الدولة فى دعم الشباب من خلال إطلاق برامج ريادة الأعمال والتدريب الوظيفى من أجل تأهيليهم لسوق العمل ومساعدتهم على الابتكار كنوع من أنواع التحرُّر من المعوقات الإبداعية وتغيير طريقة التفكير لآخر إبداعى. وتوفر كلٌّ من وزارة الشباب والرياضة ووزارة الاتصالات  ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، عددًا من الدورات التأهيلية ومسابقات ريادة الأعمال لتنمية التفكير الإبداعى والتأهيل لسوق العمل، ومن أبرز المبادرات التى تقوم بها الدولة مشروع «رواد 2030» التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية الذى بدأ منذ العام 2018 لنشر فكر ريادة الأعمال وثقافة العمل الحُرّ بين الشباب، والمساهمة فى تغيير طريقة تفكير الشباب لأخرى تعتمد على الإبداع والابتكار. وتعمل المبادرة مع الجامعات المصرية فى التدريب على ريادة الأعمال، وإقامة حاضنات الأعمال داخل الجامعات لمساعدة الشباب على تحويل أفكارهم إلى مشروعات قابلة للتنفيذ من خلال تلك الحاضنات. 

تعزيز ثقافة الإبداع التكنولوچى

وأكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات، حرص الدولة على تعزيز ثقافة الإبداع التكنولوچى لدى الشباب ودعم رواد الأعمال والشركات الناشئة؛ وذلك لوضع مصر على الخريطة العالمية فى مجال ريادة الأعمال وتطوير القدرات التنافسية للدولة فى صناعة الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات وبناء مصر الرقمية من خلال الاستفادة من الحلول التكنولوچية المبتكرة لخدمة المواطنين فى كل المجالات. وأضاف: «إن تنمية ورعاية الإبداع الرقمى يُعتبر أحد مَحاور استراتيچية مصر الرقمية. 

ولقد أثبتت التقارير أن مصر مصنفة الأولى على شمال إفريقيا والشرق الأوسط استثمارًا فى الشركات الناشئة. كما أنها ذات تصنيف مرتفع فى قارة إفريقيا فيما يتعلق بعدد الشركات الناشئة. وتَصدّر قطاع التكنولوچيا المالية نشاط الصفقات المبرمة؛  حيث سجّل 17% من إجمالى عدد الصفقات فى مصر فى 2021. 

 مبادرة «رواد النيل» 

ويشير د.إسلام ثروت عبدالحليم دكتور بكلية تكنولوچيا المعلومات وعلوم الحاسب بجامعة النيل، إلى ما تُقدمه جامعة النيل من دعم الإبداع فى مصر قائلاً: «تقدم جامعة النيل خدمات احتضان للطلبة والخريجين فى حاضنة أعمال مقرها جامعة النيل ومقدمة من البنك المركزى فيما يُعرف بـnile premiere أو مبادرة رواد النيل. وهى تأخذ مشروعات المتقدمين وتقوم بتطويرها وعمل شركات ناشئة. فتحاول الجامعة عمل ريادة أعمال للطلاب أصحاب المشاريع،  وتوفير حاضنة أعمال تساعدهم على كيفية تأسيس شركة، كيفية البحث عن فرص البيزنس ماركت، أى أنك تستطيع تحويل فكرتك لمنتج حقيقى تنافس به فى السوق وتبحث عن أرباحه وتعمل دراسات اقتصادية.

«تلك المبادرة لها أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام، واستطاعت خلال تلك الفترة إنشاء أكثر من 50 إلى 100 شركة ناشئة توفر لهم الدعم سواء ماديًا أو من خلال الدورات التدريبية أو من خلال التعرف على المستثمرين،  والبحث عن فرص للتمويل، أى أننا نحتضنهم فترة على أن يعتمدوا على أنفسهم ويكبروا. نوفر ذلك لعدد كبير من الخريجين نحو 50 أو 100 احتضان سنويًا لشركات ناشئة وهى مبادرة لكل جامعات مصر وليس فقط جامعة النيل. يستطيع أى شخص التقديم فيها سواء خريجى جامعة النيل أو من أى جامعة أخرى أو الشباب الذى لديه فكرة مشروع يرغب فى تطويره وتحقيقه».

حرية الابتكار تعنی نمو الاقتصاد

وعلى الجانب الاقتصادى يقول د.أبو بكر الديب مستشار المركز العربى للدراسات والباحث الاقتصادى: إن الاقتصاد عامّة يحب الحرية الاقتصادية،  وكلما كانت الدول تعزز قيم الحرية الاقتصادية أصبح الاقتصاد أكثرَ نموًا وتطورًا. وكلما تتيح لأفكار أن تتفاعل بحرية أدى ذلك لنتائج إيجابية على الاقتصاد والدخل القومى لأى دولة. وعلى المجتمع أن يترك الحرية الاقتصادية للشباب؛ وبخاصة فى المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ليبدع فيها؛ لأن الشباب لديه قدرة أكبر على الابتكار والإبداع يستطيع من خلالها إيجاد حلول جديدة للمشكلات. وليس مطلوبًا من الدولة سوى أن تُقدم الخبرة والمعلومات والتعليم للشباب فقط، وتترك لهم حرية التفكير والابتكار للوصول لنتائج إيجابية، ولكن التوجيه الإجبارى أو التخطيط المسبق أو فرض الأمْر الواقع على الشباب يؤدى لموت الابتكار وموت التفكير خارج الصندوق. 

فلو نظرنا للمجتمعات الغربية سنجد أن أغلب المشروعات الكبرى والشركات العابرة للقارات مثل فيسبوك أنشأها طالب فى الجامعة. كل شركات التكنولوچيا العملاقة مَن أنشاها شباب كانوا صغارًا فى سن الابتكار. هذا بسبب ترك الحرية الاقتصادية لهذه الأفكار أن تنبت وتترعرع وتنشأ فى جَوّ من الحرية. وعلى المجتمع تقديم المساندة فقط وليس عليه التدخل. ولا يزال حجم تواجد الشباب فى سوق ريادة الأعمال فى مصر بسيطا جدًا يمكن تقدير النسبة بنحو من 20 إلى 30% فنحن لا نزال فى بداية الطريق.

وعلى الأشخاص ألا يعتمدوا على فكرة الاستثمار الآمن كأن يضعوا أموالهم فى البنوك لأن هذا يعنى خطرًا على دورة الإنتاج فى البلاد،  وهو ما ينتج عنه من ناحية أخرى الركود؛ حيث لن تكون هناك مشروعات وفى المقابل تزداد نسبة البطالة وترتفع معدلات التضخم والفقر، وعلى العكس تمامًا أن يلجأ المجتمع ككل للاستثمار فى المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر يؤدى لفرص عمل وتوافر الاستثمار وزيادة الإنتاج وزيادة الدخل القومى ورفاهية المجتمع. 

خلال السنوات الخمس الماضية عملت الدولة على الاهتمام بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بتوجيه من السيد الرئيس وخصص البنك المركزى 200 مليار جنيه لدعم تلك المشروعات لأهميتها لأن اقتصاديات العالم تقوم عليها فتتراوح ما بين 35% إلى 40% من حجم الاقتصاد المصرى. ولا يزال هناك بعض العراقيل فى عمليات التسويق، وعلى الحكومة أن تمد يدها للشباب فى عملية تسويق المنتج سواء فى الأسواق المحلية أو الدولية.