الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

70 سنة ثورة يوليو.. حلم جمال عبدالناصر الذى آمنت به الشعوب العربية: كيف عطل كابوس «نكسة يونيو» قطار أحلام «ثورة يوليو»؟

بالحديث عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر تنقسم الآراء بين مؤيد له يعدد الإيجابيات، ومعارض يترصد لكل خطأ.. والتاريخ لا يُقرأ فى ظل هذه الحالة الطفولية من الاستقطاب.. لا خلاف أن ناصر كان زعيمًا كبيرًا وأن حضوره كان طاغيًا فى وجدان كل الشعوب العربية.. ولا شك أيضا أنه وقع فى أخطاء كبيرة.. فكان «عظيم المجد عظيم الأخطاء».



مهمتنا الآن أن نحاول تجنب ما وقع فيه من أخطاء وإكمال ما آمن به من أحلام وتطوير ما فكر به من رؤى.. فالنكسة التى قطعت الطريق على طموحات دولة يوليو كانت ثغرة كبيرة فى الحسبة المصرية.. ثغرة كان الطريق إليها مفروشًا بالنوايا الحسنة والأحلام العظيمة.. كيف عطلت النكسة هذا المشروع الكبير إذا؟

شهدت مصر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر نقلة نوعية لم تشهد مثيلًا لها من قبل، وقد أرست مكانة عربية وعالمية لا يستهان بها. على سبيل المثال لا الحصر، أدت سياسات جمال عبدالناصر المحايدة خلال الحرب الباردة إلى توتر العلاقات مع القوى الغربية، التى سحبت تمويلها للسدّ العالى، الذى كان جمال عبدالناصر يخطط لبنائه. فردّ عبدالناصر على ذلك بتأميم شركة قناة السويس سنة 1956، ولاقى ذلك استحسانًا داخل مصر والوطن العربى. وبالتالى، قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثى باحتلال سيناء عام 1956، لكنهم انسحبوا وسط ضغوط دولية، وقد عزز ذلك مكانة عبدالناصر السياسية بشكل ملحوظ، فضلا عن أنه استطاع أن يحقق حلمه فى وحدة مصر وسوريا عام 1958، وشكل خطرًا على الدول الكبرى فى فترة حكمه.

ومنذ قيام ثورة يوليو، سعى الزعيم المصرى جمال عبدالناصر لترسيخ تغييرات جذرية فى المجتمع المصرى سواء على الصعيد السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى. إذ كانت سياساته تهدف إلى إعلاء شأن مصر وإكسابها مكانة مهمة ورائدة فى محيطها العربى وفى تعاطيها مع الغرب، لكنه بداية عمل بجهد على تحقيق التنمية الاجتماعية والتغيير السياسى من خلال السعى إلى تركيز أسس العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر وتأمين الاكتفاء الذاتى، وقد نجح إلى حد كبير فى تطبيق أهداف الثورة رغم الكثير من الظروف المعاكسة.

 رؤية فى صالح الفلاحين

ووضع ناصر قوانين الإصلاح الزراعى وحدد الملكية الزراعية التى بموجبها صار فلاحو مصر يمتلكون للمرة الأولى الأرض التى يروونها بعرقهم، وتم تحديد ملكيات الإقطاعيين بمائتى فدان فقط، فضلا عن مشروع مديرية التحرير واستصلاح أكثر من نصف مليون فدان تم توزيعها على الفلاحين.

 وهو ما جعل اسم الزعيم عبدالناصر كان يعنى للفلاحين الكثير، فمن كثرة حبهم له سمى معظمهم أولادهم وأحفادهم باسمه، فالزعيم الراحل رائد النهضة الزراعية فى مصر.

ففى سنة 1962، بدأ عبدالناصر سلسلة من القرارات الاشتراكية والإصلاحات التحديثية فى مصر، حيث انحاز إلى طبقة الفقراء من خلال مجموعة من القرارات والقوانين أبرزها الإصلاح الزراعى، الذى جعل عددًا كبيرًا من الفلاحين الأجراء ملاكًا للأراضى واستطاع إنهاء تبعية الفلاحين وعبوديتهم للإقطاعيين، للمرة الأولى، مما أتاح لهم تعليم أولادهم الذين تقلدوا بدورهم وظائف مختلفة، فأصبح منهم الأطباء والمهندسون والمدرسون والقضاة وضباط الشرطة، حين كانت الوظائف والمناصب المهمة بالوساطة والمحسوبية.

ودشن عبدالناصر العديد من المشروعات الزراعية العملاقة التى مازالت قائمة حتى اليوم، هى ميراثه للأجيال الحالية، منها مشروع بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية فى العالم، والتى حملت اسم الزعيم الراحل لأنه كان العقل المدبر لهذا المشروع الضخم.

واستطاعت مصر فى عهده أن تحقق الاكتفاء الذاتى من مختلف محاصيلها الزراعية عدا القمح الذى حققت منه %80 من احتياجاتها، وتضاعف حجم الأرض المزروعة بمحاصيل رئيسية استراتيجية وتحديدا القطن طويل التيلة والقمح والأرز وقصب السكر والفول والعدس والبصل، كما أنشأ الزعيم الراحل هيئة السلع التموينية عام 1961 لتكون مسئولة عن توفير احتياجات الشعب المصرى، سواء من الأسواق الداخلية أو بالاستيراد.

كما  انتصر أيضا للطبقة الوسطى إلى جانب الفقراء لكونه أحد أبنائها، فأبوه كان موظفًا بسيطًا فى البريد، مما منحه درجة أعلى فى السلم الاجتماعى جعلته ضمن الطبقة الوسطى، فالوظيفة قبل ثورة يوليو كانت وسيلة لرفع مستوى المعيشة والارتقاء بالوضع الاجتماعى للأسرة. وكانت مجانية التعليم فى جميع المراحل سبًا فى ارتقاء عدد من الأسر الفقيرة درجة فى السلم الاجتماعى ووصولهم إلى الطبقة الوسطى، ولعل حرص عبدالناصر على مجانية التعليم وتوفير فرص عمل للخريجين بجانب منح الفلاحين الفقراء أراضى الإصلاح الزراعى ومع إنشاء المصانع، وسع مساحة هذه الطبقة حتى أصبحت لها الغلبة فى المجتمع المصرى.

رؤية اقتصادية

واستطاع جمال عبدالناصر أن ينهض بالمجال الاقتصادى، فعلى الصعيد الصناعى، تم بناء مشروعات الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب وشركة الأسمدة والكيماويات، بالإضافة إلى مصانع إطارات السيارات الكاوتشوك ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية.

ويعدّ السد العالى أحد أهم وأضخم ميراث تركه عبدالناصر للشعب المصرى، والذى مازال يخدم المصريين حتى الآن، فقد حمى السد الذى بناه عبدالناصر بمساعدة الخبراء السوفييت مصر من خطر الفيضان، فوفر كميات المياه اللازمة لتحويل ريّ الحياض إلى ريّ دائم، وبفضله تم استصلاح ما يقرب من 2 مليون فدان.

وفى الستينيات، مدت خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، كما تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وتم تمويل كل هذه المشروعات ذاتيا، سبقها كما ذكر آنفا فى 26 يوليو 1956 تأميم شركة قناة السويس وردها إلى مصر. أما فى عام 1960، فأمم الرئيس جمال عبدالناصر بنك مصر، أكبر مصرف تجارى فى البلاد وكل الشركات الصناعية المرتبطة، بعدما سقط هذا الصرح العملاق تحت سيطرة الاحتكارات البريطانية والأمريكية استرده عبدالناصر لمصر.

 دستور عام 1964.. ورؤية إصلاحية 

قدم الرئيس جمال عبدالناصر دستورًا جديدًا فى سنة 1964، وهو العام نفسه الذى أصبح فيه رئيسًا لحركة عدم الانحياز الدولية. وبدأ ناصر ولايته الرئاسية الثانية فى 1965 بعد انتخابه بدون معارضة.

وبدأت مصر مع الهند ويوغوسلافيا منذ بداية الستينيات مشروعًا لتصنيع الطائرات والصواريخ والمحركات النفاثة والأسلحة، وحتى سنة 1967 كانت مصر متفوقة على الهند فى صناعة الطائرات والمحركات النفاثة، وتم صنع الطائرة النفاثة المصرية القاهرة 300.

كما صنعت مصر أول صاروخين من إنتاجها بمساعدة علماء الصواريخ الألمان، لكن شابتهما عيوب فى أجهزة التوجيه، وفى عام 1966 كان الفارق بين البرنامج النووى المصرى ونظيره الإسرائيلى يتناقص، ورغم النكسة كانت مصر على وشك تحقيق توازن القوى فى المجال النووى بينها وبين إسرائيل بحلول سنة 1971.

 سياسة خارجية

أعلن موقفًا واضحًا من دول الغرب وواشنطن من خلال عدم انحياز مصر إلى أى من الكتلتين الشرقية والغربية فى مؤتمر باندونج بإندونيسيا، واتخاذها موقف الحياد بشأن الحرب الباردة، كما عبر عبدالناصر عن عدم اقتناعه بالسياسة الأمريكية. كما أعلن موقفه الرافض للمعونة الأمريكية وتهديد السيادة المصرية، وشن وقتها هجوما حادّا على الولايات المتحدة.

وكانت إنجازات عبدالناصر غير مسبوقة بالنسبة إلى الزعماء العرب الآخرين، إذ جعلت زعامته أن تكون إقامة علاقات جيدة مع مصر إحدى أولويات الرؤساء القوميين العرب، من أجل كسب شعبية بين مواطنى بلادهم.

فكان لعبدالناصر مواقف كثيرة مع دولة السودان، منها تمكنه من حل أزمة مياه النيل بين مصر والسودان التى تكون دائمًا قضية جوهرية حساسة فى العلاقات المصرية السودانية، حيث قام بتوقيع اتفاقية جديدة تم إبرامها فى 1959، عرفت باسم «اتفاقية الانتفاع الكامل لمياه النيل»، وبموجب نصوص اتفاقية 1959، تم إنشاء «اللجنة الفنية الدائمة» تلك اللجنة الثنائية المشتركة بين مصر والسودان.

ومن المواقف الشجاعة مساندته ودعمه الكبير للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى، فى حين كان عبدالناصر أحد مهندسى وصانعى منظمة عدم الانحياز، من خلال الدور الذى قام به عام 1955.

الهزيمة التى عطلت المشروع الكبير

بعد نكسة يونيو 1967، استقال الرئيس جمال عبدالناصر من جميع مناصبه السياسية بسبب هذه الهزيمة، ولكنه تراجع عن استقالته بعد مظاهرات شعبية حاشدة فى مصر والعالم العربى طالبت بعودته إلى الرئاسة.

بين سنتى 1967 و1968 عين عبدالناصر نفسه رئيسًا للوزراء بالإضافة إلى منصبه كرئيس للجمهورية. وشن حرب الاستنزاف لاستعادة الأراضى المفقودة فى حرب 1967. وبدأ عملية عدم تسييس الجيش وأصدر مجموعة من الإصلاحات الليبرالية السياسية.

هكذا عطلت النكسة أحلام ناصر الكبرى.. ووقفت أمام طموح عربى صاعد.