السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. أحبك. أعشقك. أدوب فى هواك!!

كدهوّن!.. أحبك. أعشقك. أدوب فى هواك!!

المصريون يعشقون الرقص الشرقى ولكنهم لا يحترمون الراقصات ويتكالبون على مَشاهد الإثارة والإغراء ويحتقرون السيدات المثيرات وكِدَهُوَّن.. السيدة الوحيدة التى فَلتت من تلك المَصيدة الشرقية بمنتهَى الذكاء والوعى والرُّقىّ هى الفنانة هند رستم، حتى إن المصريين عبر تاريخهم قد اختلفوا على أشياء كثيرة ولكنهم اتفقوا على أنوثة هند رستم المتوهجة التى أفسحت لها مكانة خاصة جدًا فى قلب وعقل جمهورها لم تقترب منها أى ممثلة كانت قبلها أو جاءت بَعدها..



 

تظل هند رستم أيقونة الأنوثة الطاغية فى وجدان المصريين رغم ملامحها الأوروبية وطريقتها المميزة فى نُطق الحروف والكلمات وكأنها تتحدث لغة أخرى غير التى نعرفها ونستخدمها فى حياتنا اليومية، فما زلنا نتذكر من قاموسها الخاص كُليمات مثل «ياسونة يا خاين. أحبك. أعشقك. أدوب فى هواك».

وكِدَهُوَّن لقد أبدعت وصفتها السحرية التى خلدتها إلى الأبَد فمَزجت الإثارة بالأرستقراطية والإغراء بالبراءة والأنوثة بالقوة فتحولت إلى أسطورة من أساطير السينما المصرية رغم أن فترة توهجها الفنى ونجوميتها على الشاشة لا تزيد أبدًا على خمس أو ست سنوات، وهذا هو المثير فى أمرها؛ فقد بدأت عام 1947 وسطع نجمها كبَطلة سينمائية لأول مرة عام 1955 وتوهج حضورها على الشاشة كنجمة إغراء لا تنافسها نجمة أخرى فى هذه المنطقة بداية من 1957 واستمر حتى 1963 قدمت خلالها أفضل أعمالها السينمائية على الإطلاق، ثم بدأ العَد التنازلى للهبوط حتى خَفُتَ نجمُها إلى الأبد رغم استمرار عطائها السينمائى إلى عام 1979 حيث اعتزلت الفن تمامًا.

وكِدَهُوَّن عشقت هند رستم نجوميتها المتأخرة جدًا عن بنات جيلها بحوالى ثمانى سنوات؛ فقد بدأت عملها فى عالم الفن عام 1947 مع الفنانة شادية فى فيلم (زهور وأشواك) فى أدوار صغيرة إلا أن شادية ركبت صاروخ الشهرة والمَجد بأقصى سرعة وتحولت فى وقت قصير لأهم نجمات تلك الفترة وبقيت هند رستم وحيده تكافح فى صفوف المَجاميع والأدوار الهامشية والثانوية حتى إنها عادت للعمل مرة أخرى مع شادية ولكن هذه المرة ليست كالبدايات؛ فقد اختلف الأمر، فشادية تلعب دور البطولة بينما هند مجرد كومبارس فى أكثر من فيلم مثل (الستات ما يعرفون يكذبوا) و(بنات حواء)، واستمر الحال على هذا المنوال حتى جاء المخرج حسن الإمام ليمد لها يد الحظ والنجاح ليعيد اكتشافها من جديد ويمنحها قُبلة الحياة لتعود مرة أخرى فى ثوب نجمة تشبه لحد كبير النجمة الأمريكية ذائعة الصيت والشهرة فى ذلك الوقت «ريتا هيوارث» فأخذت منها كل تفاصيلها بدءًا من تسريحة شعرها المموج ولونه الأحمر النارى ونهاية بأزيائها المثيرة الراقية والأهم هو شخصيتها القوية وحضورها الطاغى على الشاشة حتى باتت نسخة طبْق الأصل من النجمة الأمريكية ولكن بروح ولمسات مصرية وتصبح هند رستم مؤهلة تمامًا لتحمل بطولة الأفلام بمفردها فيسند لها المخرج حسن الإمام بطولة فيلمين متتاليين يقدمها كنجمة إغراء جديدة أحدهما من إنتاجه، هما (الجسد) بجوار فاطمة رشدى وحسين رياض وكمال الشناوى، وفيلم ميلودراما (بنات الليل) مع مديحة يسرى وكمال الشناوى، ورغم عدم نجاح تلك الأفلام وسقوطها من ذاكرة الجمهور تنجح هند رستم فى إثبات نفسها كنجمة إغراء جديدة ذات طابع خاص يسد الفراغ الذى تركه موت كاميليا وهجرة سامية جمال فى هذا الوقت لأمريكا وتقدَّم العمر بتحية كاريوكا لتفسح الطريق أمام ملكة الإغراء القادمة من الصفوف الخلفية لتتقدم خطوات سريعة للمقدمة لتعوض سنوات الإحباط والفشل وتكتسح الجميع وتتحول فى لحظات لأيقونة الأنوثة على الشاشة وتعود مرة ثالثة لتقف أمام شادية بندّيّة لتشاركها البطولة فى فيلم (أنت حبيبى) إخراج يوسف شاهين الذى يعود فيقدمها فى العام التالى فى واحد من أهم أدوارها على الشاشة هو دور هنومة فى فيلم (باب الحديد)، وتتوالى الأدوار والبطولات على هند رستم فراحت تصول وتجول وتسجل بصمتها الخاصة بها فتشارك فاتن حمامة بطولة فيلم (لا أنام) بعد أن قدمت معها قبل ذلك دورًا هامشيًا فى فيلم (بابا أمين)، ويخطفها المخرج فطين عبد الوهاب فى عدة أدوار مميزة جدًا ورسخت بشكل خاص فى وجدان الجمهور فكرة الأنثى البريئة الأقرب للطفولة فى أكثر من فيلم؛ خصوصًا بعد أن تخلصت من لون شعرها الأحمر النارى لتتحول إلى اللون الذهبى فتقوم ببطولة فيلم (ابن حميدو، وإسماعيل يس فى مستشفى المجانين، وإشاعة حب، واعترفات زوج)، وتقدم مع المخرج صلاح أبو سيف فيلم (بين السماء والأرض) دور نجمة سينمائية تشبه شخصيتها فى الواقع، وتتألق مع المخرج عاطف سالم فى دور الغازية فى فيلم (صراع فى النيل) مع رشدى أباظة وعمر الشريف؛ حيث رقصت رقصتها الشهير على المَركب وسط النيل بينما صوت محمد قنديل يشدو بأغنيته الرائعة «روح بلدك ياغريب».

كل تلك الأفلام هى التى صنعت أسطورة هند رستم الخالدة وتأتى الستينيات من القرن الماضى برياح التغيير وتختفى ريتا هيوارث من الأضواء ويشرق شمس مارلين مونرو وتصبح حديث العالم كله، وبالطبع تأثرت هند رستم هذه المرة بالنجمة الهوليوودية وتقرر أن تواكب الموضة وتضحى هى الأخرى بريتا هيوارث وتستعير تسريحة مارلين مونرو ولونه الأشقر الفاتح جدًا وأزياءها إلا أن هند فشلت فى تقليد نموذج مارلين مونرو (بعكس التصور الشائع) مثلما نجحت من قبل فى تقليد ريتا هيوارث ربما لاختلف شخصيتهما السينمائية وتفرد مارلين مونرو لشخصية الفتاة الضعيفة المستكينة على عكس قوة شخصية هند رستم كما أن لون الشعر الأشقر الفاتح جدًا منح هند شحوبًا على بشرتها وأضاف عدة سنوات إلى عمرها الحقيقى فظهرت بمظهر الأكبر سنًا من بنات جيلها وكِدَهُوَّن.

مع التغيرات الاجتماعية والسياسية التى طرأت على العالم وغيّرت ملامح السينما واتجاهها لأفلام الواقعية حاولت هند أن تغير من جلدها فعادت مرة لمكتشفها الأول المخرج حسن الإمام لتقدم مجموعة أفلام ميلودراما مثل (امرأة على الهامش، والحب الخالد، وشفيقة القبطية، والراهبة) لكنها لم تلاقِ نفسَ النجاح؛ فقد كان هناك شىءٌ قد اختفى من توهجها وفقدت البوصلة التى طالما وجَّهتها للنجاح الفنى والجماهيرى؛ خصوصًا مع ظهور جيل سعاد حسنى ونادية لطفى وكِدَهُوَّن.

 لقد عشقتْ هند رستم نوميتها وتشبثت بها بكل قوتها حتى باتت أقوى من أى شخصية دارمية تقدمها فى أفلامها حتى فقدت مع الوقت لياقتها كممثلة وفقدت أيضًا تلقائيتها وعفويتها التى مَيّزتها فى بدايتها حتى صار الجمهور يشاهد النجمة فقط فى كل أعمالها حتى وهى تقدم دور معلمة بنت بلد فى فيلم (الزوج العازب) أو عالمة فى فيلم (سيد درويش) أو الصحفية والشاعرة فى فيلم (الخروج من الجنة)؛ حيث ارتدت فيه ملابس وباروكات تناسب نجمة وليس شخصية صحفية جادة.. وهكذا طغت نجومية هند رستم على أدائها حتى خفتت نجوميتها مع الوقت لتعتزل الفن نهائيًا فى هدوء وكِدَهُوَّن.

حققت هند رستم المعادلة المستحيلة عندما قدمت الإغراء والإثارة والرقص الشرقى واحتفظت بمَحبة المصريين واحترامهم لفنها وشخصها رغم كونها نجمة إغراء فى مجتمع شرقى متحفظ وكِدَهُوَّن.. فالمصريون يعشقون الرقص الشرقى ولا يحترمون الراقصات ويتكالبون على مَشاهد الإثارة والإغراء ويحتقرون السيدات المثيرات.. الوحيدة التى فلتت من تلك المصيدة بمنتهى الذكاء والوعى والرُّقىّ كانت هند رستم التى احتلت مساحة خاصة جدًا فى وجدانهم لم تصل إليها أى ممثلة من قبلها أو بعدها؛ بل تحولت مع الوقت ورغم الاعتزال الطويل إلى أيقونة الجمال والأنوثة والإغراء بلا منازع.