الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
التخصص هو الحل

التخصص هو الحل

فى زمن العلم والبحث والتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة والإنترنت فائق السرعة، أصبح من الصعب أن يدرك الفرد منا كل ما يدور حوله من متطلبات هذا العصر، الذى أضحى يتطلب توافر قدرات علمية وبحثية وذهنية وأخرى معرفية، حتى يتماشى مع هذا الزمن الذى لا يعترف سوى بالتخصص، فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يقوم فرد واحد بعمل عدة مهام فى وقت واحد وبتركيز معين دون أن يرتكب أخطاء، خصوصًا فى ظل هذا الزمن المتسارع الوتيرة فى جميع المجالات (سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا) ويتغير بين الوقت والآخر، دون أن يكون هناك سابق إنذار، وهذا تحديدًا ما فطن له الغرب مبكرًا، فقرر الأخذ بالتخصص حتى يتواكب مع هذا العصر، فعالم اليوم أصبح يموج بالكثير من التقدم العلمى والتقنى والانفتاح على الحضارات الأخرى، لمعرفة المزيد مما لدى الشعوب من ثقافات مختلفة، ليتحالف معها أو حتى يضمن التأثير عليها بشكل أو بآخر، لذا يسعى إلى المزيد من التخصص، سواء لتوفير الوقت أو الجهد أو لكشف الأخطاء وسرعة مراجعتها من قِبل المتخصصين حتى يضمن نجاح ما يسعى إليه.. يحدث هذا فى الوقت الذى نجد فيه عالمنا العربى قد أهمل (سواء بقصد أو بدون) أهل العلم والتخصص، فبات الجميع دون استثناء عالمين ببواطن الأمور ويدلون بدلوهم فى كل شىء، لدرجة وصل معها الأمر إلى أن البعض اعتاد إبداء الرأى فيما يعلمه وما لا يعلمه، فلا يتخيل ولو للحظة أن يفتينا طبيب أطفال فى أمور ديننا ودنيانا، لدرجة أن يحرم على الزوج الدفاع عن عرض زوجته إذا اعتقد أنه سيقتل على يد مغتصبيها حفاظًا على حياته، وكيف يعقل أن يخرج علينا البعض من مدمنى مواقع التواصل الاجتماعى مقدمين النصح تارة والإرشاد تارة أخرى فى كيفية إدارة شئون أسرنا الخاصة دون أن يكون مؤهلاً تعليميًا للخوض فى هذا الشأن، بل إن بعضهم أصبح معتادًا الخروج علينا برأى أو تغريدة فى الدين وفى السياسة وفى علم النفس والاجتماع، حتى كرة القدم لم تسلم منه ومن تغريداته، فمؤخرًا طالب أن يلعب المنتخب بالخطة (الفلانية أو حتى العلانية) وهو لم يرتد يومًا «شورت» أو «فانلة» فى حياته، اللهم سوى كونه شخصية عامة شاء قدرنا أن نتعرف على جوانب جديدة منها، بعد أن خفتت عنه الأضواء.



وماذا نقول عمن يدعى أن نوعًا من عسل النحل يعالج الضعف الجنسى ويقوى الانتصاب، دون أن يقرأ مرجعًا أو كتابًا طبيًا فى حياته، ولكن تترك له مساحات على الفضائيات ليتكلم فينا على اعتبار كونه خبير الخصوبة العالمى الذى لا يُشق له غبار، وبماذا نفسر ارتفاع أعداد ما يطلق عليهم خبير استراتيجى وآخر إعلامى وآخر أمنى وهذا اقتصادى وذاك سياحى، وهذا خبير أبراج وتلك خبيرة ضليعة فى إعادة المطلقة إلى زوجها، بالمناسبة أغلبهم يفتقد الخبرة أو العلم فيما يتحدثون بشأنه، بل إن بعضهم يضع نفسه تحت طائلة جرائم النصب والتربح، ولهؤلاء وأمثالهم جميعًا أتوجه إليهم بسؤال طالما أنتم خبراء وعالمون ببواطن الأمور: أين أنتم وأبحاثكم ومجهوداتكم وخبراتكم من قضايا الوطن ومشاكله؟ وأين أنتم من خطط تطويره؟ أم إن الحكاية كلها تنحصر فى مسميات أطلقتموها على أنفسكم، وساهمت بعض وسائل الإعلام فى ترديدها علينا حتى بات البعض يكاد يصدقها ويؤمن بها؟!

وأخيرًا بماذا نفسر خروج من يدعون أنهم سياسيون ليتحدثوا فى سياسة البلد وينتقدوا أداء الحكومة وتناولها لبعض القضايا (خصوصًا الخارجية منها) دون أن يكون أى منهم ملمًا أو عليمًا بما يدور فى الساحة الخارجية من عواصف ومشاكل وأزمات ومتغيرات، فى الوقت الذى يعرف فيه القاصى والدانى أن أمثال هؤلاء ليس لهم دور أصلاً فى الداخل فما بالك بالشأن الخارجى! المؤسف أنهم يصدقون أنفسهم حين يصرحون بأنهم يعبرون عن الشارع ويتحدثون باسمه.

النماذج السابقة ما هى سوى عينة بسيطة مما يعانى منه مجتمعنا من جراء وجود خبراء ومتخصصى الغبرة فى حياتنا، والذى بلانا بهم هذا الزمن، وللأسف ساهم فى فرضهم علينا بعض الجهات الإعلامية غير المدركة لدور الإعلام الحقيقى، وبعض منصات التواصل التى اقتحمت بيوتنا، بينما أهل التخصص الحقيقيون ليس لهم من وجود، لأن أغلبهم مهموم بأبحاثه وعلمه لاكتشاف الأخطاء وسرعة علاجها، بخلاف ألا أحد يبحث عنهم.