الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين الإبداع والتزييف الاقتباس لا يصنع كاتبًا

بين طيات الكتب، أفكار وإبداع، تسرد للقارئ لتضيف ثراءً معرفيًا، وتكون حصيلة لغوية، وأبعادًا ثقافية، وتمثل مصدرًا للمعرفة، ومحتوى للتعلم، كما تنوعت هذه المضامين الأدبية ما بين الرواية، القصة القصيرة، الشعر، واتخذت الإبداع عنوانًا، والتميز طريقًا لها، للتعبير عما تحتويه من نصوص، وما تقدمه من حكايات، وما بين الموهبة والإبداع، تشكلت ملامح الكاتب الأسلوبية، طريقته التحريرية، وسرده القصصى، كما خلقت تعبيراته اللغوية، لينتج محتوى أدبيًا خاصًا به ومميزًا له، بينما تأثر آخرون بكتابات من سبقوه، ليقترن التأليف بالاقتباس، ويثرى نصوص المحتوى، ويضيف بعدًا إضافيًا لها، ومثلما خضع التأليف لقواعد تنظمه، وضوابط تحكمه، عملت على تكوين معالمه، وتمييز محاوره، كذلك يلزم الاقتباس توثيقًا لنصوصه المقتبسة، وإشارة إلى مؤلفه، إيضاحًا للعنوان المقتبس منه، وذلك بما يحفظ الحقوق الفكرية لمؤلف العمل المقتبس منه، وحتى لا يتحول الإبداع إلى تزييف يعرف بما يسمى «بالسرقة الأدبية»، كما أوضح المختصون لمجلة روزاليوسف فى تحقيق أجرته أن الاقتباس ضروة فنية للعمل الإبداعى شريطة توظيفه فنيًا وتوثيقه، كما أن تقليد الموضوع كاملًا بما يحتويه من أحداث رئيسية، بمثابة سرقة وانتحال ويمثل أمرًا مستهجنًا.



 اقتباس آمن

يرى الروائى ناصر عراق أنه يجب تحديد مفهوم الاقتباس، وحدوده فيقول: «أتخيل أن الإبداع الإنسانى على مر العصور متاح للأجيال كافة، فكل كاتب يتأثر بما يقرأ أو يشاهد، لكن عليه أن ينتبه كى لا يسطو على أفكار السابقين وأساليبهم فى التعبير، حتى لا يغدو مجرد مقلّد رخيص أو لص مشبوه».

ويضيف: «لعل إنتاجنا المسرحى، ثم السينمائى فى النصف الأول من القرن العشرين يوضح بجلاء حدود الاقتباس وطبيعته، فعندما أسس الفنانون المبدعون أمثال جورج أبيض، ونجيب الريحانى، ويوسف وهبى فرقهم المسرحية اعتمدوا جميعهم على اقتباس النصوص المسرحية العالمية كما هى، أو قاموا بتمصيرها، حتى توافق المزاج العام للمشاهد المصرى، وهذا الأمر كان مشروعًا ومطلوبًا فى ذلك الوقت لأننا لم نكن نملك ساعتها أى ثروة مسرحية أو روائية يمكن الاعتماد عليها إذا حاولنا تقديمها على خشبة المسرح أو شاشة السينما، كما أن الظروف هى التى دفعت هؤلاء الرواد إلى اقتباس نصوصهم المسرحية من مستودع المسرح العالمى».

وعن أسباب اللجوء للاقتباس يوضح: «حين يفتقر المجتمع إلى نصوص معبرة عن أحواله، حيث يضطر إلى اللجوء إلى اقتباس موضوعات ونصوص من المجتمعات التى سبقته، وهذا أمر لا يعيب فى البداية، ولكن المشكلة تكمن إذا اتكأ الناس على وسادة الكسل العقلى واعتادوا فكرة الاقتباس، فلم يحاولوا تطوير أنفسهم ومهاراتهم ليبتكروا فنونهم وآدابهم ومخترعاتهم، فما من كاتب جاد إلا وانفعل بما قرأ للآخرين، بل تأثر ببعضهم فى بداية نشاطه الأدبى، لكن لا يصح ولا يليق أن يظل أسيرًا لأفكار من سبقوه وأساليبهم اللغوية، وإلا فقد شخصيته المستقلة، أو بالأحرى لم يستطع أن يصنع لنفسه شخصية أدبية خاصة به، حيث إن الكاتب الجاد الموهوب يتأثر بالآخرين فى بداية مشواره، ثم يصنع لنفسه أسلوبه وشخصيته المستقلة».

ويؤكد: «إذا كان الكاتب يمتلك أسلوبًا خاصًا يستند إلى مهارات لغوية متنوعة، لن يتأثر بالأسلوب الذى اقتبس منه الفكرة، لذا ليتنا نهتم أكثر بتطوير قدراتنا اللغوية لنتمكن من التعبير عما نريد بشكل أفضل وأجمل، فالأسلوب هو الفيصل فى إبراز أى أفكار أو آراء، فإذا كان الكاتب يتقن قواعد اللغة ويعرف أسرارها جيدًا، سيصبح من السهل عليه أن يبتكر لنا صيغًا لغوية رشيقة وجذابة تعزز الأفكار التى يبغى إيصالها للقارئ، ولا مانع أبدًا من الاقتباس فى أى وقت، شريطة أن يتم الإعلان عن ذلك بوضوح.

أمر مستهجن 

بينما يرى د.محمد نصر الجبالى رئيس قسم اللغة الروسية بجامعة عين شمس أن الكاتب الذى يبحث عن مصدر يقتبس منه فكرته يعد كاتبًا يفتقد إلى الخيال والقدرة على الإبداع، حيث إن الأصل أن يبدع الكاتب أفكارًا وحكايات جديدة تثير اهتمام القارئ حتى لو تشابهت بالمصادفة مع غيره، وعليه أن يطرحها بلون ومذاق خاص به، كما يحدث أحيانًا أن يقتبس الأديب فكرة رواية قرأها بلغة أخرى ثم يقوم بطرح الفكرة فى عمل أدبى خاص به ويحمل صبغة مجتمعه، ويعد هذا أمرًا لا بأس به، أما أن يقوم الكاتب بتقليد الموضوع كاملًا وأحداثه الرئيسية وحبكته فهذا بمثابة سرقة وانتحال ويمثل أمرًا مستهجنًا.

ويوضح أن الاقتباس يتعلق فقط بفكرة الرواية أو القصة، أما السرقة وتتمثل فى نقل الأحداث والشخصيات الأساسية والحبكة، كما أن هناك أدباء أثروا فى أجيال كثيرة بعدهم، فهناك من يكتب الآن الرواية النفسية وفق مدرسة دوستويفسكى أو من يكتب القصة القصيرة وفق انطون تشيكوف، ويتركز التأثر هنا فى المنهج وطريق السرد ونوعية الموضوعات والقضايا واستخدام العناصر الفنية المختلفة والمقصود به التقليد.

ضرورة فنية

يرى د. أيمن حماد الناقد الأدبى أن الاقتباس ضرورة فنية حيث يدعم العمل الإبداعى، الذى يتمثل فى الشعر، الرواية، القصة، المسرحية، كما يوظف الكاتب أو المبدع هذا المقتبس، بما يحويه من إمكانات فنية للإسهام فى بناء عمله وإثرائه، ويلجأ الكتاب للمضامين المتنوعة لاقتباس أعمالهم مثل التاريخ والتراث الشعبى والأدبى والدينى والأساطير والسير الشعبية وغيرها، وذلك على مستوى الحدث والشخصية والزمان والمكان، واللغة أيضًا، كما تتجلى النماذج الإبداعية العربية فى «توفيق الحكيم» فى مسرحياته أهل الكهف، وإيزيس، وبجماليون ويا طالع الشجرة، وكذلك فى «أحلام شهرزاد» لطه حسين»، والسلطان الحائر «لتوفيق الحكيم»، و«ألفريد فرج» فى مسرحية حلاق بغداد، ومسرحية الزير سالم وعلى جناح التبريزى وتابعه قفة، و«نجيب سرور» فى ثلاثيته ياسين وبهية، آه يالليل يا قمر، يا بهية وخبرينى، «صلاح عبدالصبور» فى مأساة الحلاج، ومسافر ليل، والأميرة تنتظر، وليلى والمجنون، وبعد أن يموت الملك، كما امتد فى من جاء بعدهم كـيسرى الجندى وعبدالتواب يوسف وسمير عبدالباقى والسيد حافظ، وكذلك فى الرواية لدى نجيب محفوظ وجمال الغيطانى وخيرى شلبى وغيرهم من الكتاب العرب فى المسرح والشعر كـ سعدالله ونوس، وأدونيس ومحمد الماغوط وسعدى يوسف.. إلخ.

ويضيف: المبدع لا يكتب أو ينجز عمله من فراغ، لكنه يتأثر بقراءاته ومشاهداته وما يمر به من تجارب فى الحياة وعلاقاته مع الآخرين ومعرفة تجاربهم أيضًا، حيث ذهب إلى ذلك المبدع والناقد بول فاليرى بقوله: «فما الليث إلا عدة خراف مهضومة» والتى يقصد بها أن لكى تكون عملاقًا، ينبغى أن تهضم وتأكل كثيرًا، أى لكى تكون عالما كبيرًا ينبغى أن تقرأ وتهضم ما كتبه السابقون.

لا يصنع كاتبًا

 ويضيف الروائى عماد العادلى إن الأفكار على قارعة الطريق تنتظر من يلتفت إليها، فالأمر يرجع لطريقة وطبيعة الشىء المُقتبس والتفريق بينه وبين والسرقة أو السطو الفكرى أو الأدبى، حيث يمكن اقتباس الفكرة وتناولها بشكل مختلف به إبداع وليس به تقليد، كما أن ذلك حدث بشكل كبير عربيًا وعالميًا، فقد تروق بعض الأفكار لبعض الكُتَّاب فيتناولونها بطريقة مُغايرة ويستخدمون أُسلوبًا مُختلفًا ومسارات جديدة، تجعل فكرة الاقتباس نفسها مقبولة، دون التعرض لحقوق الكاتب المُقتبس منه «الأدبية والفكرية».

ويشير إلى أن الاقتباس يفيد النص، إذا تلاءم مع طبيعة الموضوع الذى كتب فيه، بينما يضر بالعمل إذا أُهمل ذكر الكاتب الأصلى مما يلحق بالكاتب المتاعب «القانونية أو الأدبية»، وإذا كان الاقتباس ضعيفًا أو سطحيًا، كما يجب الإشارة إلى صاحب الفكرة الأصلى، مع التأكيد على أن الاقتباس لا يصنع اسم الكاتب، فالكاتب الحقيقى لا بد أن يبدع أفكاره وأسلوبه.

سرقة غير مقبولة

ويوضح المترجم عبدالرحيم يوسف أن الاستيلاء على أفكار وردت فى عمل أدبى سابق أو نصوص كاملة منه دون الإشارة إليه يعد سرقة غير مقبولة، أما الاقتباس لنص أو عبارة وردت فى نص أدبى سابق مع الإشارة إلى اسم العمل وكاتبه فيعد معروفًا ومتداولاً، وقد يأتى هذا على شكل تصدير للعمل يكون بمثابة تعليق بليغ أو مفتاح ما يراه الكاتب مدخلًا لعمله، كما أن الكاتب يمكن أن يتشابه مع نص سابق ويحاوره أو يعارضه كما فى المعارضات الشعرية أو بعض الأعمال الروائية التى استندت إلى فكرة سابقة وجادلتها أو حاورتها، مثل الأديب الكبير نجيب محفوظ، ومثلما يفعل البعض مع قصص «ألف ليلة وليلة» فى هذه الحالة يغنى الاقتباس النص ويمنحه بعدًا آخرًا، حيث يرى البعض أنه لا يوجد نص كامل الأصالة فنصوصنا جميعها هى نتاج هضم نصوص سابقة قرأناها وتأثرنا بها.

ويضيف أن الأفكار قد تتشابك عبر تاريخ الأدب لكن المميز لكل كاتب هو أسلوبه، حيث إن الكثير من الأدباء يتأثرون فى بداياتهم بكتاب بأعينهم ويحاكونهم لفترة قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى صوتهم وأسلوبهم الخاص والمميز.