الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل الحل فى شرق المتوسط؟ أزمة الطاقة تضرب العالم

يومًا بعد يوم يشهد العالمُ العديدَ من الأزمات الفاقمة التى أخذت تضرب باقتصاديات أكبر الدول وأكثرها استقرارًا دافعة عددًا كبيرًا من الحكومات إلى التوجه لأخذ تدابير اقتصادية خطيرة قد تؤثر على مستقبل الأمم القريب، لكن لا مَفَرّ من هذه التدابير فالمستقبل فى ظل هذه الأزمات لا يزال غامضًا، حتى أكبر المتخصصين ومَعاهد الدراسات فشلت فى التنبؤ بما قد يؤول له العالمُ بعد كل هذه الأحداث المتوالية بدءًا من تفاقم أزمة «كورونا» حتى الأزمة «الروسية- الأوكرانية».



 

وكانت العملية العسكرية الروسية هى القشة الأخيرة التى ضربت اقتصاديات العالم أجمع؛ حيث تتصاعد نُذر أزمة غذائية وطاقة أكثر حدة على جميع الأصعدة الدولية، كما وقع ارتفاع الأسعار بشكل قياسى لمَصادر الطاقة كالنفط والغاز، والمواد والسلع الغذائية الرئيسية، كالحبوب والغلال وفى مقدمتها القمح والشعير والذرة.

حتى إن البنك الدولى توقّع فى أحدث تقاريره مؤخرًا ارتفاع أسعار الطاقة بأكثر من 50 % خلال هذا العام، على وقْع استمرار الأزمة الأوكرانية، وأخذت كبرى الدول أهمها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا والتشيك.. وغيرها التوجه إلى الفحم مرة أخرى لإنتاج الطاقة بعد مطالبات دولية بوقف استخدام الفحم بسبب تأثيراته البيئية الخطيرة، والمتوقع أن الأمْرَ لن يتوقف عند هذا الحد فأكثر المناطق المتضررة من الأزمة «الروسية- الأوكرانية» هى الدول الأوروبية وحليفتها الولايات المتحدة؛ حيث أصبح الأمرُ يُنبئ بوضع كارثى مع دخول فصل الشتاء.. ويُعتبر غاز شرق المتوسط هو الملاذ الأخير الذى قد يضع حدًا لواحدة من أصعب الأزمات التى تمر على شعوب العالم.

 انهيار المخزون الاستراتيچى

أجبر انخفاض إمدادات الغاز الطبيعى أوروبا على استخدام الكميات التى تم تخزينها للاستهلاك خلال ذروة موسم الشتاء المقبل، ويرجع ذلك إلى قرار شركة «غازبروم» تعليق تشغيل توربينات الغاز من شركة «سيمنز» بسبب مشاكل فى الإصلاحات!!، لتتراجع المخزونات فى مرافق تخزين الغاز تحت الأرض فى أوروبا للمرة الأولى منذ منتصف أبريل، وبحسب آخر البيانات، فقد انخفضت الاحتياطيات بنسبة نقطة مئوية واحدة، رُغْمَ أن الغاز عادة ما يتم تخزينه فقط خلال فترة الصيف، ويتم تخزين الكميات الواردة حتى ذروة فصل الشتاء.

وبحسب توقعات شركة، Wood Mackenzie Ltd العالمية، والمختصة بتقديم البيانات الخاصة بقطاع الطاقة، أنه فى حالة الإغلاق الكامل لـ«نورد ستريم»، لن تتمكن أوروبا من الوصول إلى مستوى احتياطيات الغاز التى حددها الاتحاد الأوروبى بحلول بداية موسم التدفئة. فى هذه الحالة، سيتم استنفاد احتياطيات الوقود بحلول شهر يناير.

وكانت شركة «غازبروم» الروسية قد أعلنت أنه بسبب القيود المفروضة على محطة «بورتوفايا»، ستكون قادرة على إمداد الغاز عبر «نورد ستريم» بكمية تصل إلى 100 مليون متر مكعب يوميًا، مقابل 167 مليونًا كان مخططا لها. وبسبب التأخير فى إصلاح وحدات شركة «سيمنز» الألمانية، يمكن استخدام ثلاث وحدات ضاغط غاز فقط فى المحطة، بينما أعلنت شركة «غازبروم» أنها أوقفت تشغيل توربين غازى آخر فى بورتوفايا، واعتبارًا من 16 يونيو، ستكون قادرة على إمداد خط أنابيب الغاز بما لا يزيد على 67 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا.

وفى الولايات المتحدة، الطرف الآخر من المعادلة الذى يواجه أزمة طاقة طاحنة ضربت البلاد شرقًا وغربًا، تتأهب إدارة الرئيس الأمريكى چو بايدن لاستخدام قانون الإنتاج الدفاعى، من أجل زيادة إنتاج وخفض التكاليف داخل محطات الوقود، بما فى ذلك الإجراءات الطارئة، فيما أعاد الكونجرس مؤخرًا المصادقة على القانون ذاته حتى عام 2025.

ومن المقرر الإفراج عن 90 مليون برميل من النفط خلال الفترة من مايو إلى يوليو 2022، والـ 90 مليون برميل الأخرى من أغسطس إلى أكتوبر المقبل، كما أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية أنها ستطرح على البيع 45 مليون برميل للبيع للمرة الرابعة فى أعقاب إعلان بايدن الإفراج عن مليون برميل يوميًا خلال 6 أشهُر من الاحتياطى.

تخبط غربى أمام الأزمة

ويهدف الاتحاد الأوروبى، الذى يعتمد على روسيا فى الحصول على 40% من احتياجاته من الغاز، إلى ملء خزانات الغاز بنسبة 80%  بحلول نوفمبر المقبل صعودًا من مستوى النصف فى الوقت الحالى، حتى يتسنى له تأمين الإمدادات خلال الشتاء عندما يلبى الغاز المخزن لديه ربع الطلب، ويؤكد المحللون أنه فى طريقه لتحقيق هذا الهدف.

لكن تظل هناك فجوة كبيرة يتعين ملؤها من مصادر أخرى، مثل الغاز الطبيعى المسال، وربما تزداد الفجوة اتساعًا حال قررت روسيا قطع التدفقات عن المشترين الأوروبيين، رُغْمَ أن موسكو تقول إنها تلبى التزاماتها، ولا ترى حاجة لوقف الإمدادات الذاهبة إلى عملاء آخرين.

ووفق تصريحات ليرى ليون إزبيكى، مختص الغاز الطبيعى الأوروبى لدى شركة «إنيرچى أسبكت»: «الوقف الكامل للتدفقات الروسية سيكون بلا شك هو السيناريو الأسوأ لأوروبا خلال الشتاء المقبل؛ لأنه من غير المحتمل أن تتمكن القارة من توفير إمدادات كافية، اعتمادًا على منتجين آخرين لتعويض مثل هذا النقص الملموس فى الإمدادات».

وحتى قبل العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، التى فجرت أزمة طاقة فى أوروبا؛ فإن الطلب على الغاز واصل الارتفاع خلال التعافى الذى أعقب جائحة «كورونا»، ولا تتوفر فوائض إنتاج فى سوق الغاز الطبيعى المسال، التى تهيمن عليها عقودٌ طويلة الأجل.

ورفع الاتحاد الأوروبى مشترياته من الغاز الطبيعى المسال وسط زيادة الواردات بنسبة 58% فى الأشهُر الخمس الأولى من 2022، مقارنة بمستويات عام 2021.

وقال إيزبيكى من شركة إنيرچى اسبكتس إن الغاز داخل الخزانات ربما يوفر احتياجات أوروبا من الغاز خلال 2022 حتى فى غيبة الإمدادات الروسية، لكن هذا سيجعلها تعانى عندما يحل الشتاء فى أواخر عام 2023، مما يعنى أن الحكومات لا تستطيع بعد وقف خطط الترشيد، لكن خطط ترشيد الاستهلاك ستكون له عواقب اقتصادية فادحة، ويقدر الخبير الاقتصادى هولجر شميدنج لدى مؤسّسة بيرنبرج أن الناتج الاقتصادى للاتحاد الأوروبى سيقل بنسبة 2%  بنهاية عام 2022 حال وقف الإمدادات الروسية الآن؛ حيث يشكل الغاز أكثر من 20% من استخدامات الطاقة داخل الاتحاد، إذ يتم استخدامه فى تدفئة المنازل، وتوليد الكهرباء، وتصنيع منتجات حيوية مثل الأسمدة.

شرق المتوسط.. استراتيچية المستقبل

مع تعدد تلك التداعيات الغربية؛ فإن الأمل الوحيد للجانب الأوروبى هو غاز شرق المتوسط، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد عَلق على أزمة الطاقة التى ضربت أوروبا وأمريكا بصورة قوية، موضحًا أهمية دور منتدى غاز شرق المتوسط فى التعاون لحل هذه الأزمة الطاحنة.

وأكد الرئيس السيسى خلال الاجتماع الوزارى لمنتدى غاز شرق المتوسط، 15 يونيو الماضى، على قدرة المنتدى على القيام بدور محورى خلال المرحلة المقبلة لحل أزمة الطاقة العالمية، بما يساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة للمنطقة التى سوف تعود بالنفع على شعوبها، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون الثنائى والإقليمى بين الدول الأعضاء لتحقيق الاستفادة المُثلى من مواردها الكامنة من خلال تعزيز الاستكشافات وعمليات التنقيب وزيادة الطاقة الإنتاجية.

وقد زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين القاهرة منتصف الشهر الماضى، فى خطوة لوضع مصر مصدرًا أساسيًا للغاز إلى أوروبا، وذلك قبل وقوع «أزمة تدفئة» متوقعة الخريف المقبل ووسط معارضة مناهضى الوقود الأحفورى من نواب البرلمان الأوروبى، فغاز شرق المتوسط يُعتبر تعويضًا فعالاً لنقص الإمدادات الروسية إلى أوروبا على خلفية الأزمة فى أوكرانيا، والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

 صفقة «مهمة»

وفق تقرير لصحيفة «إندبندنت» البريطانية أوضح المحلل المتخصص فى أمن الطاقة سيريل ويديرشوفين أن اتفاق الاتحاد الأوروبى مع مصر مهم لأن أوروبا لا تواجه أزمة طاقة وحسب؛ بل نقصًا طويل المدى حتى العام 2025 - 2026. وأضاف ويديرشوفين إن إزالة الغاز الروسى من جانب العرض إلى الاتحاد الأوروبى له تأثير ضار، مع احتمال خسارة 150 - 170 مليار متر مكعب كل عام، وفى الوقت نفسه ستتفاقم أزمة النفط ومنتجات البتروكيماويات بشدة بعد الصيف عندما ستؤثر العقوبات فى روسيا بشكل ملموس حقًا.