السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ماذا حدث للشخصية المصرية؟! (2)

ماذا حدث للشخصية المصرية؟! (2)

أستطيع أن أؤكد أن ما حدث فى جريمة جامعة المنصورة الشهيرة، التى ذَبحَ فيها طالبُ الآداب زميلته علنًا فى الشارع وفى وضَح النهار، يُعَد نذيرَ شؤم على المجتمع المصرى وعليه أن يتداركه قبل فوات الأوان؛ فقد حدثت تحولات خطيرة فى مكونات الشخصية المصرية، وتمكنت منها عدة أمراض اجتماعية يأتى على رأسها العنف والبلطجة وعدم احترام القانون، حتى وصلنا إلى عدم احترام الأكبر سنًّا فما بالك بالأبَوَيْن.. أمراضٌ لم يكن لها وجودٌ على أرض الواقع من قبل، فعقب انشغال الأب والأم بتوفير (لقمة العيش الكريمة) خرجت الأسرة طواعية من المنظومة التربوية ولم يعد لمؤسّسيها الوقت الكافى للمتابعة والتوجيه الصحيح إذا لزم الأمر، وكان العَوَض عن هذا الغياب مواقع التواصل الاجتماعى والأصدقاء والموبايل الملعون والبحث عن ركوب الموجة أو ما يُطلق عليه التريند، بالطبع لا يخلو الأمر من مشاهدة مواقع جنسية أو متطرفة، يحدث هذا فى الوقت الذى غابت فيه المراقبة والمتابعة ومن قبلهما النصح والإرشاد، وللأسف تزامَن هذا مع الضعف الواضح لكل ذى عين للعملية التعليمية التى أصبحت طاردة أكثر منها جاذبة، مما أدى إلى عدم حضور الطلاب للمدارس؛ خصوصًا فى المرحلة الثانوية، وأصبح ما يشاع عن نسب الحضور والغياب كلامًا إنشائيًا لا يُغنى ولا يُسمن، وبالتالى أضحت علاقة أولادنا بالتعليم منحصرة فى أداء امتحان نهاية العام فقط لا غير.. الحال نفسه ينطبق على الجامعات لدرجة وصل معها الحال إلى فقدان الشهادة الجامعية قيمتها، وأصبحت مجالات العمل متاحة فقط لمن يملكون النفوذ وكروت التوصية، أو للشباب الذى تم إعداده علميًا بصورة صحيحة وتم الصرف عليه فى الجامعات الخاصة بدفع أموال طائلة لا قدرة للغالبية العُظمى من الأسَر المصرية على الوفاء بها، وهذا تحديدًا ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة لدى الشباب، فعادت المخدرات بوجهها القبيح لتنتشر بين شبابنا وما نتج عنها من مشاكل اجتماعية واقتصادية حتى وصلنا إلى ارتكاب جرائم التحرش وهتك العرض والذبح كنتيجة طبيعية لإدمان المخدرات، التى دمرت المخ وجعلت العقل يَقدم على ارتكاب العديد من الجرائم البشعة، واكب ذلك موجة غلاء فى الأسعار غير طبيعية مما سبّب أزمة اقتصادية يعانى منها العالمُ بأجمعه، ورفع وتيرتها انتشار فيروس «كورونا» وما نتج عنه من ركود اقتصادى وتضخم مصحوب بموجة غلاء ليس لها من مثيل، ناهيك عن انتشار عدد كبير من القيم السلبية مثل الانتهازية والنصب والاحتيال والكذب والرشوة والمحسوبية ومحاولة الكسب السريع بأقل جهد، مما دعم الشعور بالظلم الاجتماعى لدى أفراد المجتمع.. وجميعها أسباب ساهمت فى تحول الشخصية المصرية وجعلتها أكثر عرضة للأمراض الاجتماعية والنفسية، وأثر بالسلب على الأسر المصرية وساهم فى تفككها، وهنا وقع البعض من شبابنا ضحية وفريسة سهلة لفتاوَى المتشددين وأصحاب مناهج التطرف والعنف والقتل وإباحة سفك الدماء، بعد تعرضهم لعمليات غسيل مخ من قبل هؤلاء المجرمين المتمسحين فى الدين، عقب غياب تعاليم الدين الوسطى السمح الذى يقبل باختلاف الآخر، ويدعو للحب والتسامح الذى افتقده مجتمعنا وترك الساحة خالية للمتطرفين هذا من جهة، ومن جهة أخرى غاب الانتماء الوطنى بفعل فاعل، كنتيجة طبيعية لتراجُع الدور السياسى لأغلب الأحزاب السياسية فى الشارع الذى يكاد ينعدم، مما أعطى للمواطنين إحساسًا بعدم وجود قنوات تعبير مؤثرة عمّا يمرون به أو يرونه، وصاحب هذا تدنى الدور الثقافى والفنى فى إنارة العقل وتنمية قدراته؛ مما أفقد أطفالنا وشبابنا الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمان وعدم القدرة على التفاعل مع المجتمع.



بالطبع القضاء على ظاهرة العنف فى المجتمع المصرى ليس بالأمر اليسير ويحتاج إلى الكثير من العمل والجهود، يأتى فى مقدمتها نشر ثقافة القانون والمحاسبة وتوفير العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع، مع ضرورة نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، وتعلم مهارات الحوار وفض النزاعات وحل المشاكل واحترام الاختلاف، مع تقليل مَشاهد العنف التى تُقدَّم فى الأعمال الفنية وتُعرَض على وسائل الإعلام، بالإضافة إلى قيام المؤسّسات التعليمية بدورها الأكمل فى تخريج شباب مثقف علميًا وتربويًا واجتماعيًا ونفسيًا، مدرك لظروف المجتمع الذى ينتمى إليه، من خلال تدريس مناهج تساعده على المساهمة فى بناء مجتمعه، وتوفر له فرص العمل المناسبة للقضاء على البطالة، مع نشر تعاليم الدين الصحيح التى تدعو إلى التسامح والإنسانية ونبذ العنف والعنصرية وإيذاء الآخرين؛ للقضاء على الجهل والتخلف، من خلال توعية الشباب والاهتمام بالمحتوى التعليمى الذى يقدم لهم.. وقتها فقط يمكن القضاء على ظاهرة العنف التى تفشت فى مجتمعنا نتيجة لظروف عديدة مَرّ بها؛ خصوصًا فى السنوات الأخيرة، حتى تعود للشخصية المصرية سماتها التى تميزت بها عبر تاريخها.