
حسن عيسى
كدهوّن!.. ترشيحات صادمة (3)
ما زال الجمهور المصرى يرتاح كثيرا لوضع نجمه المفضل فى قالب ثابت لا يتغير وفى أدوار بعينها لا تتبدل أبدا فيحصر الممثلين فى دور واحد فقط كأن يتخصص فى أدوار الشر أو الإغراء أو تقمص دور الفتاة البريئة إلى الأبد, ولا يريده أن يخرج من هذه الشرنقة أبدا حتى وإن فقد الممثل القدرة على أدائها بحكم السن واللياقة أو لأى سبب آخر، فنجد ممثلا أربعينيا يقدم دور طالب جامعى أو فنانة فى الخمسين من عمرها تقدم دور إغراء، مبررة ذلك بأن جمهورها يتوقع منها هذه الأدوار ولا يريد أن يقتنع أنها فى هذه المرحلة تصلح لأداء الأمهات والنساء الناضجات وكدهون.
وطالما نجح فى أدائها فلماذا المجازفة والتغيير، حتى يأتى مخرج له رؤيا خاصة فيعيد اكتشاف موهبة هذا الممثل فيقدمه فى أدوار تختلف تماما عما يتوقعه ويريده الجمهور وقد يصدم فى أول لحظة ثم يتجاوب مع التغير ويعجب به وفى حالات أخرى يرفض تماما مشاهدة نجمه المفضل فى أدوار مختلفة عما يتوقعه، وكدهون أتذكر أنى شاهدت مقابلة تلفزيونية مع الفنانة العظيمة فاتن حمامة ذكرت فيها أنها قررت تحدى الجمهور والنقاد الذين يتهمونها دائما بأنها لا تتنوع فى أدوارها فقررت أن تقدم شخصية عاهرة مبتذلة فى فيلم يقدم قصصا قصيرة منفصلة من إنتاجها (حكاية وراء كل باب) بكل تفاصيلها الفنية والنفسية وتقمصت الشخصية تماما حتى أنها أصيبت بالخوف عندما شاهدت نفسها فى عرض خاص وقبل العرض الجماهيرى لم تحتمل أن يراها جمهورها فى هذا القالب الصادم لها والمخالف عما يتوقعه الجمهور منها فقررت عدم عرض هذه القصة وحذفت تلك القصة من قصص الفيلم حتى تحافظ على الصورة الذهنية لها فى وجدان جمهورها حتى إنها قدمت شخصية العاهرة فى فيلم الخيط الرفيع دون أن نشعر بالفعل بانحراف الشخصية الدرامية لأن فاتن حمامة شخصيتها الحقيقية كانت أقوى حضورا من الشخصية الدرامية التى تقدمها على الشاشة فلم يشعر جمهورها بالتغير ولم يصدم عندما شاهد فاتن حمامة أيقونته الفاضلة التى اعتاد رؤيتها فى هذا الإطار بصرف النظر عن الشخصية التى تقدمها على الشاشة ولهذا ظلت فاتن حمامة تقدم نفس الأداء (المتقن جدا) مهما اختلفت الشخصيات التى تلعبها سواء كانت ناظرة أو مطلقة أو خادمة أو مديرة أو عاشقة، تظل شخصية فاتن حمامة هى الأقوى دائما من كل تلك الشخصيات، وكدهون ولعل المخرج كمال الشيخ خير مثال على تلك الترشيحات الصادمة جدا للجمهور عندما رشح الفنانة الرقيقة ماجدة التى اعتادها الجمهور فى أدوار الفتاة الحالمة والرومانسية أن تلعب دور خادمة لعوب فى فيلم (رجل فقد ظله) ولأول وهلة يشعر المشاهد بشىء مريب وقد يرفضة تماما عندما نرى ماجدة خادمة فى قصر الباشا تمارس علاقة غير شرعية مع ابن الباشا مما يدفع سيدة القصر إلى التخلص منها وطردها وتسليمها إلى الرجل العجوز الذى يعمل لديهم (عماد حمدى) حيث تمارس معه ألاعيبها الأنثوية للإيقاع به فتورطه فى علاقة غير شرعية ثم تجبره على الزواج بها وربما كانت المرة الأولى والأخيرة التى تقدم ماجدة دور إغراء على الشاشة وهى التى أطلق عليها الجمهور لقب عذارء الشاشة لبراءة أدوارها وارتباطها فى وجدانه بأدوار المراهقات والفتيات الرومانسيات ليجدها هنا امرأة محنكة تستغل أنوثتها لإغراء رجل عجوز لا يقوى على مقاومتها وهو دور يتوقعه الجمهور من هند رستم أو سامية جمال أو حتى ناهد الشريف على سبيل المثال وكدهون، نفس دور الخادمة الفقيرة قدمته أيضا الفنانة نادية لطفى فى فيلم (قاع المدينة) إخراج حسام الدين مصطفى إلا أن الجمهور لم يصدق أن نجمته الشقراء يمكنها أن تتحول إلى خادمة فقيرة مطحونة تتحايل على المعيشة حتى يمكنها من إنقاذ أطفالها وزوجها المريض من الفقر وذل الحاجة خصوصا وأن نادية لطفى، فى هذا الفيلم لم تتنازل عن نجوميتها من حيث الشكل والمضمون رغم أنها حاولت أن تتحدث بأسلوب شعبى وبأداء مميز ولكنها لم تستطع أن تتخلص من النجمة السينمائية بداخلها فلم تقترب من ملامح شهرت الخادمة البائسة التى تضطر للانحراف الأخلاقى من أجل لقمة العيش، وكدهون ونفس دور الخادمة قدمته أيضا الفنانة لبنى عبدالعزيز فى فيلم (هى والرجال) إخراج حسن الإمام ولكن الجمهور لم يقتنع بأن هذه السيدة الراقية المثقفة يمكنها أن تتحول لخادمة فقيرة تنتقل للعمل فى أكثر من شقة ومع أكثر من أسرة ولم ينجح الفيلم بالطبع لأن شخصية لبنى عبدالعزيز كانت أقوى من الشخصية الدرامية التى تتقمصها فلم يصدقها الجمهور وشعر بأنها تخدعه وكدهون.
صممت الفنانة لبنى عبدالعزيز على إعادة التجربة ذاتها مع المخرج حسن الإمام فى فيلم إضراب الشحاتين وأيضا لم تنجح فى إقناع الجمهور بأنها متسولة متشردة متمرسة على حياة الشوارع حيث إنها قدمت أداء مصطنعا أقرب لأداء المسرح ولا يناسب الأداء السينمائى خصوصا أن الفيلم يقدم دراما موسيقية واضطر المخرج حسن الإمام للاستعانة بصوت المطربة سناء البارونى بدلا من صوت لبنى عبدالعزيز غير المؤهلة للغناء أساسا وقد كان الدور أقرب لإمكانيات سعاد حسنى أو شادية ولهذا أسقط الجمهور هذا الفيلم من حساباته ولم يتذكره أبدا من ضمن أفلام لبنى عبدالعزيز التى نجحت من قبل فى أدوار الفتاة القوية والمستقلة والمثقفة وكدهون، على عكس ماجدة ولبنى نجحت الفنانة شادية فى سلاسة تحسد عليها فى تقديم دور الخادمة التى تتحول إلى عاهرة محترفة ثم سيدة محترمة فى فيلم (نحن لا نزرع الشوك) مع المخرج حسين كمال حيث حافظت على البعد الإنسانى لدور الخادمة ولم تتعمد تقديم كاركتر خالٍ من المشاعر والأحاسيس بدافع التغير فقط ولهذا نجحت مع الجمهور وصدقها فى كل مراحل الفيلم حتى إنه تعاطف معها عندما فقدت طفلها الوحيد فى نهاية الأحداث رغم صعوبة تعاطف الجمهور الشرقى مع عاهرة وهذا نجاح يحسب بالطبع بقدرة شادية الفائقة على التلون استيعاب طبيعة الشخصية الدرامية والوقوف على مفرداتها وتفاصيلها مع الاحتفاظ بالبعد الإنسانى لها حتى تحتفظ بمصداقيتها وكدهون ولعل من أكثر الترشيحات الصادمة فى تاريخ السينما المصرية هو ترشيح المخرج داود عبدالسيد للفنانة عبلة كامل لتلعب دور فتاة ليل فى فيلم (سارق الفرح) ولا أدرى كيف قفز هذا الترشيح لعقل المخرج رغم أن طبيعة عبلة كامل الشخصية من حيث الشكل والمضمون بعيدة كل البعد عن تلك النوعية من الأدوار التى تعتمد بشكل كبير على الإثارة والإغراء وربما أكثر من اعتمادها على إجادة التمثيل والتقمص إلا أن عبلة كامل قدمت شخصية العاهرة بشكل صادم للجمهور دون أن تلجأ إلى المشهيات التقليدية بل وجعلته يضحك من خفة ظلها فى بعض المشاهد عندما سألها الفنان محمد هنيدى عن طبيعة عملها فقالت له: بعفوية استغفر الله العظيم فعاد يسألها: يعنى بتشتغلى إيه؟ فقالت له بمياعة: ما قلت لك أستغفر الله العظيم ثم أطلقت ضحكة خليعة عالية فهمها هنيدى وأضحكت الجمهور من فرط صدمته وهو يشاهد عبلة كامل فى مثل هذا الدور الذى كان يناسب أكثر فى تلك الفترة الفنانه سلوى خطاب أو وفاء عامر، وكدهون وتتوالى الترشيحات الصادمة على السينما المصرية فيفاجأ الجمهور بنجمته المتحفظة جدا آثار الحكيم تقدم دور عاهرة محترفة فى فيلم النمر والأنثى أمام الفنان عادل إمام رغم أن الترشيح الأقرب للدور والشخصية هى الفنانة مديحة كامل أو الفنانة يسرا أو الفنانة إلهام شاهين إلا أن المخرج سمير سيف قرر المجازفة السينمائية وقدم آثار الحكيم لتلعب دور الأنثى البريئة وبدون إغراء أو إثارة كما يتوقع الجمهور دائما فى مثل هذه الأفلام خصوصا أن اسم الفيلم يوحى بأن القصة تحتوى على الكثير من المناظر والمشاهد المثيرة للغرائز وهو ما لم يحدث فعليا وقدمت الفنانة آثار الحكيم دور العاهرة بمقاييسها الشخصية وبنفس أدائها السابق عندما كانت طالبة جامعية فى فيلم أنا لا أكذب ولكنى أتجمل أو دورها فى فيلم (بطل من ورق) فلم تتلون ولم تمسك بتفاصيل كثيرة لشخصية العاهرة فشعر الجمهور بأنها تلك القناة البريئة التى يعرفها وتناسى أنها تقوم بدور عاهرة محترفة بعكس الفنانة عبلة كامل رغم بعدها تماما عن مواصفات شخصية العاهرة إلا أنها قدمتها بتمكن وتقمص جعل الجمهور يصدقها ويتفاعل معها ويضحك عليها أحيانا أخرى وكدهون تستمر لعبة الكراسى الموسيقية بين الممثلين وبدعم وتشجيع من المخرجين فى محاولات جادة لتقديم شىء جديد ومختلف ولإعادة اكتشاف مساحات جديدة من موهبة الممثل قد تصدم الجمهور فيحبها أو يرفضها ليعود الممثل إلى قواعده ليقدم نفس الدور الذى يجيده بدون أن يقدم على مجازفات صادمة.