الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. ترشيحات صادمة

كدهوّن!.. ترشيحات صادمة

اعتاد الجمهور المصرى منذ بدايات السينما المصرية على نمط معين من أداء الشخصيات الدرامية وارتبط أداؤها بممثلين محددين فى اتفاق غير معلن بين الجمهور مع صناع العمل الفنى على تقديم الترشيحات السابقة التحضير،  فنجد ممثلين تخصصوا فى أدوار الشر أو الإغراء أو الفتاة المغلوبة على أمرها وهكذا يستمر الحال على هذه الوتيرة التقليدية إلى أن يقرر المخرج الخروج عن المألوف كسر هذا الاعتياد والمجازفة بتقديم ترشيحات صادمة وغير متوقعة من الممثلين أنفسهم وكِدَهُوّن..



 نتذكر  أفلام من زمن الأبيض والأسود حققت نجاحات فنية وجماهيرية كبيرة وبقيت فى وجدان الجمهور حتى يومنا هذا ورغم مرور السنوات الطويلة كإحدى العلامات المضيئة فى ذاكرة السينما المصرية رغم تعمد صناعها على تقديم ترشيحات فنية صادمة لأول وهلة وغير متوقع من الجمهور فيقدم ممثلون لأداء شخصيات درامية بعيدة كل البعد عن ملامحهم وشخصياتهم وما اعتاده منهم الجمهور ولكن المخرج كان له رؤية مختلفة عن المعتاد والمتوقع من قبل الجمهور فيحدث صدمة للمتلقى فى بداية الأمر وقد ينجح ويترك بصمة لا تمحى من تاريخ السينما وقد يفشل ويرفضه الجمهور ويطالبه بالعودة للأدوار التى تناسبه والتى اعتاد أن يقدمها وكِدَهُوّن.. وربما يكون من أغرب تلك الترشيحات الفنية هو ترشيح المخرج عز الدين ذو الفقار لساحر النساء رشدى أباظة للقيام بدور رجل عصابة شرير لا يتردد فى ارتكاب أفظع الجرائم الإنسانية بقلب ميت ودون أن يغمض له جفن مما يجعله شخصية مكروهة من الجميع؛ خصوصًا بطلة العمل الشحرورة صباح التى تتركه لتهيم عشقا بالفنان صلاح ذو الفقار، وذلك فى فيلم (الرجل الثانى) رغم أن المتوقع أن يسند المخرج هذا الدور لممثل تقليدى اعتاد تقديم هذه النوعية من الأدوار الشريرة مثل الفنان محمود المليجى أو فريد شوقى أو توفيق الدقن على سبيل المثال على أن يقوم رشدى أباظة بتقديم الدور الذى لعبه صلاح ذو الفقار، فهذا هو المنطق ولكن نجد المخرج يخالف كل هذا التوقعات ويسند شخصية الشرير للجان رشدى أباظة لينجح نجاحًا ساحقًا فى هذا الدور الذى يعتبر من أهم الأدوار التى قدمها خلال مسيرته الفنية على الإطلاق رغم  اختلافه عن الصورة الذهنية فى وجدان المشاهد تمامًا كساحر للنساء ومحطم قلوب العذارَى على الشاشة وفى الحياة إلا أنه تقبله وأحب الشخصية التى قدمها رشدى أباظة فى فيلم (الرجل الثانى) رغم أنه ترشيح صادم للجميع؛ وبخاصة النساء.. وكِدَهُوّن.

يكرر المخرج عز الدين ذو الفقار لعبة تبادُل الأدوار الفنية مرة أخرى فى فيلم (امرأة على الطريق) فنصدم بتقديم الفنان شكرى سرحان وهو أحد أهم نجوم تلك الفترة فى دور صادم جدًا للجمهور الذى يتوقع منه دائمًا تقديم الرجل الوسيم ذى الشخصية القوية الجادة الأقرب لدوره فى فيلم (رد قلبى) والذى يجسد الصورة الذهنية للفنان شكرى سرحان فى وجدان الجمهور ولكنه هذه المرة بالاتفاق مع المخرج يقرر أن يصدم جمهوره فيقدم شخصية الفتى المدلل ضعيف الشخصية المنسحق أمام سطوة وجمال زوجته اللعوب التى قامت بأدائها الفنانة هدى سلطان والتى تتركه هذه المرة لتقع فى حب رشدى أباظة وكأن المخرج عز الدين ذو الفقار يستمتع بلعبة الكراسى الموسيقية بين الممثلين فيقدمهم فى أدوار تخالف طبيعتهم الشخصية وما يتوقعه منهم الجمهور فتكون اللعبة الخطرة التى يجازف بتقديمها المخرج وقد تنجح وتصبح إحدى العلامات المضيئة وقد تفشل فشلا ذريعًا.. وكِدَهُوّن من المنطقى أن من يقوم بدور العمدة المستبد الظالم لأهل قريته والذى يستبيح لنفسه اغتصاب أراضى الفلاحين وقهرهم بحكم سُلطته ويضغط على أحد الفلاحين كى يطلق زوجته ليتزوجها هو رغمًا عنها ضاربًا بالأخلاق والأعراف عرض الحائط غير مبالٍ بقانون أو شرع، ومثل هذه النوعية من الأدوار الشريرة اعتاد الجمهور على أن من يقدمها أن يكون ضخم الجثة له شخصية قوية ونظرات حادة تثير الرعب فى النفوس مثل محمود المليجى أو فريد شوقى أو محمود مرسى على سبيل المثال إلا أن المخرج صلاح أبوسيف قرر أن يختار لأداء تلك الشخصية الكريهة الفنان صلاح منصور ذا الوجه الطفولى والأداء المرح الذى يثير ضحكات الجمهور وسخريتهم من سذاجته وانصياعه لمكر ودهاء الفتاة الريفية «سعاد حسنى» التى قررت أن تخدعه لتنتقم لشرفها وتحطم جبروته.. وهنا تكمن عظمة اختيار المخرج الفنان صلاح منصور لتقديم هذا الدور فمن السهل أن يقتنع الجمهور بسلوكه الساذج أمام مكر ودهاء وجمال «سعاد حسنى» بل  ويتفهم أيضًا كراهيتها له وهروبها منه كرجل قبيح الملامح بعكس الحال أو كان من يلعب تلك الشخصية ممثل فى وسامة وحنكة رشدى أباظة أو محمود مرسى مما يفقد العمل مصداقيته من الأساس، ولهذا نجح صلاح منصور نجاحًا مذهلا فى أداء تلك الشخصية التى تحولت إلى أيقونة سينمائية غير متكررة ونجح الفيلم أيضًا بسبب هذا الترشيح غير المتوقع وكِدَهُوّن.

وعندما نفكر فى من سيلعب دورًا كوميديًا لزوج زنديق ومخادع صاحب المغامرات النسائية المتعددة والحياة السرية يخفيها عن عيون زوجته المتسلطة بل ويصل به الأمر إلى اختراع شائعة عن وجود قصة حب ملتهبة بين ابن أخيه وإحدى فاتنات السينما ويشرف بنفسه على صُنع تفاصيل هذه العلاقة الوهمية حتى إننا نراه يضع أحمر شفاه حتى يطبع قبلة على أحد الخطابات المزعومة على افتراض أنها من نجمة السينما فبالتأكيد لن نفكر إطلاقًا فى عميد المسرح العربى يوسف بيه وهبى الذى يتمتع بقوة شخصية وهيبة عظيمة واشتهر بتقديم الفواجع الدرامية على المسرح والسينما إلا أن المخرج فطين عبدالوهاب كان له رأى آخر مختلف عن كل ما هو متوقع من الجمهور الذى اعتاد على أن يقدم تلك الشخصيات الكوميدية الخفيفة ممثل مثل استيفان ررستى أو حسن فايق أو حتى حسين رياض وليس العميد شخصيًا؛ خصوصًا أن تلك الشخصية المخادعة تنبطح دائما أمام شخصية الزوجة بنت سلطح باشا التى لعبت دورها الفنانة الرائعة إحسان الشريف بتمكن واقتدار واستطاعت أن تقف بندية أمام يوسف وهبى ولم نشعر برهبتها أمامه وهى تتعالى عليه بل ولا تتردد فى إهانته فى بعض المشاهد ولم نستغرب جملتها الشهيرة لعمر الشريف «بلدى أوى يا حسين» والتى تحولت مع الأيام لأحد الأقوال المأثورة لدى المصريين فى حياتهم اليومية إلا أن اختيار الفنانة إحسان الشريف لهذا الدور الأرستقراطى يظل اختيارًا صادمًا للجمهور الذى اعتاد أن من تقدم شخصية الهانم المتسلطة هى ميمى شكيب أو شقيقتها زوزو شكيب أو زوزو ماضى إلا أنها نجحت مع المخرج فى صنع بصمة فنية لا تمحى من عقول الجمهور وكِدَهُوّن.. أستطيع أن أتخيل حيرة المخرج عاطف سالم وهو يفكر فى الممثلة التى ستلعب شخصية «زينب» فى فيلم (أم العروسة) تلك المرأة المصرية التى تشبه أمهاتنا بمشاعرهن الجياشة وتصرفاتهن المتناقضة ما بين العصبية الزائدة للحنان الطاغى وتحولها للرقة والرومانسية مع زوجها عندما يغلق عليهما باب حجرتهما آخر الليل رغم صراخها فى وجهه إذا لزم الأمر واحتضانها لأسرتها واهتمامها بأدق تفاصيلها فمن النجمة التى تصلح للدور فى تلك الفترة؟ ومن ترضى بأن تكون أمًا لممثلة فى عمر سميرة أحمد؟ وفى الوقت نفسه يكون لديها القدرة على الحَمْل والولادة ولهذا ظهرت مشكلة كبيرة لصناع الفيلم نظرًا لصعوبة الاختيار نظرًا لعدم توافر نجمة بهذه المواصفات الخاصة جدًا فكانت المجازفة بتقديم الراقصة تحية كاريوكا التى اشتهرت بأداء أدوار الإغراء والإثارة كما سبق أن قدمتها فى فيلمها الشهير (شباب امرأة) إلا أنها هذه المرة مطلوب منها أن تقدم دورًا إنسانيًا بعيدًا كل البعد عن الرقص والإغراء وهى مخاطرة كبيرة لو تدركون، فالجمهور قد يرفضها تمامًا فى هذا الدور وقد يسخر منها ويفقد الفيلم مصداقيته وبالتالى يفشل فى تقديم رسالته التى يريد أن يقنع بها الجمهور، ولكن الفيلم نجح نجاحًا ساحقًا بتحية كاريوكا واقتنع المشاهد بأنها أم مصرية صميمة ونسى تمامًا أدوارها السابقة فكان النجاح حليفها رغم المخاطرة التى تحسب بالفعل للمخرج عاطف سالم وكِدَهُوّن.

ولعل من أغرب الترشيحات التى أقدم عليها المخرج حسام الدين مصطفى فى فيلم (الطريق) هو ترشيح الدلوعة «شادية» لتقديم شخصية كريمة تلك الأنثى الصامتة قليلة الحديث المثيرة إنسانيًا وجنسيًا رغم أن الأنسب للقيام بهذا الدور هى هند رستم أو هدى سلطان أو حتى برلنتى عبدالحميد؛ خصوصًا أن الدور لا يعتمد على الغناء أو الأداء المرح الذى اشتهرت به شادية فى ذلك الوقت فلم تكن قد قدمت بعد مجموعة أدوارها الدرامية المهمة؛ خصوصًا المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ، ولعلها كانت هذه هى المرة الأولى التى تقدم شادية عملا فنيًا من دون أغانٍ على الإطلاق، ولهذا كان ترشيحها لشخصية كريمة ترشيحًا صادمًا جدًا لجمهورها الذى اعتاد منها نمطا معينًا من الشخصيات الدرامية بعيدة كل البعد عن الإغراء والإثارة والشر، ولهذا فهو ترشيح صادم ويحسب بحق للمخرج حسام الدين مصطفى لأن وجود شادية منح شخصية كريمة بُعدًا إنسانيًا بجانب سطوتها الجنسية على البطل مما عمق فكرة العمل وجسّد حالة الضياع الذى يعانى منه بطلا الفيلم، ونجح الفيلم جماهيريًا وفنيًا وانطلقت شادية بعد ذلك فى تقديم شخصيات درامية غير متوقعة منها إلا أنها أجادتها تمامًا وأصبحت من أكثر الممثلات تنوعًا فى اختيار أدوارها على الشاشة حتى إن جمهورها لا يتوقع أبدًا خطوتها القادمة وما إذا كانت ستقدم دورًا كوميديًا أو ميليوداميًا وهل ستقدم أغانى أمْ ستكتفى بالتمثيل فقط.. وكِدَهُوّن نجد شادية من أكثر الممثلات تنوعًا فى أدوار عديدة وغير متشابهة تقبَّلها منها جمهورها بصدر رحب ومنحها الخلود فى قلوب المصريين.