الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مدرسة ضد الانقراض بعفوية مبهرة.. «ستات الحرانية» فنانات فى مدرسة «رمسيس واصف» من دون تخرّج

«صابرة» و«حربية» و«نجاح» و«رضا» و«صباح» و«نادرة».....هذه ليست صفات؛ بل أسماء لسيدات أبهرن العالم بأعمالهن اليدوية على مدار سنوات وتخرّجن فى مدرسة «رمسيس ويصا واصف» دون أن يحصلن على بكالوريوس أو ليسانس بل شهادتهن هى التكريم والتشجيع.



«السجادة دى عَيّل من عيالى».. هكذا بدأت الحاجة «بسيمة» كلماتها أثناء عرض أعمالها اليديوية بمعرض «أوبونتو» الذى استضاف فعاليات معرض «ويصا واصف.. مدرسة الإبداع الفطرى» لعرض نماذج من الأعمال اليدوية لسيدات يقمن بالمزج بين الفكرة الفنية والصبر على إتقان المهارة.

رُغْمَ عناء العمل؛ فإن وجوههن امتلأت بالسعادة وهن يصعدن سلم التكريم، وزادت سعادتهن عندما عبر لهن الأستاذ أحمد الضبع- مؤسّس قاعة أوبونتو- عن تقديره لكل يد شاركت فى صنع لوحة فنية يعجز عن صنعها الكثير ممن يقومون بتعلم الفنون فى مختلف الكليات. وأضاف: إن استضافة مثل تلك الأعمال محاولة لإلقاء الضوء على فكر رمسيس ويصا واصف وتأكيد على أن الحرفة فن وأن الحرفى فنان.

تجولن بالمعرض وهن يرون سعادة ومدح وتشجيع الآخرين لهن، كما امتلأ المعرض بالزوار من مختلف الدول العربية ومن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وانبهروا بكل ما فيه وبتأثرهن بالطبيعة والطابع المصرى.

وأشادت زائرة بريطانية بالسجاد وقالت «أعمال عالمية» لا توجد فى كثير من الدول بهذا الإتقان فهى تمزج بين جمال الطبيعة والريف المصرى والأصالة.

أمّا محمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان السابق، فأكد أن الشغل اليدوى أبو الفنون وأن مدرسة رمسيس ويصا واصف تجربة فريدة استطاعت أن تمزج بين الفطرة والموهبة لإبهار العالم بالشغل اليدوى المصرى.

كما قدّم الفنان التشكيلى العراقى سيروان باران، التحية لهذه النماذج المبدعة، وقال إنه نادرًا ما يجد أعمالاً فنية تجبره على الإشادة بها.

كما أشاد الكاتب والسياسى منير فخرى عبدالنور بتلك الأعمال موضحًا أهميتها وضرورة تواجُد مثل هذه النماذج فى مَعارض محلية وعالمية.

مركز رمسيس ويصا واصف

يعتبر المركز منارة لتعلم فنون يدوية عديدة على رأسها «النول»، و«الباتيك» فن الرسم على القماش بالشمع، ليصبح المركز على مدار أكثر من 50 عاما مدرسة فنية داخلية لأطفال وسيدات قرية الحَرّانية فى محافظة الجيزة ويضم المركز عدة غرف بها أنوال يجلس أمامها الفلاحون لإنتاج أجمل اللوحات.

يعود تاريخ إنشاء المركز للمهندس المعمارى رمسيس ويصا واصف، الذى درس العمارة بكلية الفنون الجميلة بباريس، وكان عاشقًا للحرف اليدوية وبعد عودته لمصر قرر الاهتمام بتلك الحرف باعتبارها تشكل جمال وأصالة مصر لأنها تعتمد على لمسة اليد المصرية وليس الآلة.

وقد نجحت فكرة رمسيس ويصا واصف فى التحقق على أرض الواقع عبر جيلين؛ الأول شهده فى حياته، والثانى قادته ابنته بعدما حرصت على اتباع النهج نفسه؛ لتقدّم جيلًا آخر لا يزال مستمرًا حتى اليوم فى العمل، وتقديم إبداعاته بشكل مستمر من دون التقيد بمواعيد أو أفكار يجب تنفيذها بتوقيتات محددة، مع استمرار زراعة النباتات الطبيعية التى تستخدم فى الصبغات بما يجعل السجاد لا يتغير لونه مع مرور الزمن، وهى إحدى المميزات الرئيسية للمنتجات المذيلة بتوقيع المركز.

واهتمت الرسامة سوزان رمسيس- نجلة مؤسّس المركز فى المرسم- وزوجها الفنان إكرام نصحى بتنمية هذه المواهب، فتراها تتحرك بين النساجات، وتتابع عملهن بشكل منتظم، وفى بعض الأحيان يعود إليها بعض النساجات بشأن بعض التفاصيل الفنية خلال العمل، بينما تتواجد باستمرار فى مرسمها الخاص إلى جوارهن.

وتم عرض أعمال هؤلاء الفنانات فى مَعارض ومتاحف وأماكن خاصة فى جميع العواصم الكبرى تقريبًا فى أوروبا، بما فى ذلك لندن وباريس وروما وستوكهولم وأمستردام ولاهاى وبرلين، كما استضافته المتاحف الكبرى بالولايات المتحدة بما فى ذلك المتروبوليتان فى نيويورك ومتحف النسيج فى واشنطن، كما كانت الأميرة الراحلة «ديانا» أحد هؤلاء المشاهير الذين افتتحوا أحد مَعارض الحرانية بلندن.

ستات الحرّانية

بدأت الحاجة «بسيمة» ـ إحدى النساجات ـ  عملها فى النسج على النول منذ طفولتها، جاءت للسيدة سوزان وطلبت منها العمل لتبدأ رحلتها فى عالم النسيج حتى الآن، فخلال 5 عقود قدمت أعمالًا كثيرة بأفكار متنوعة جعلتها قادرة على عمل أى تصميمات للمنسوجات. توضح «بسيمة» أنها تعمل على النول باستمرار من دون ضغط حتى يمكنها أن تقدم أفضل ما لديها. مشيرة إلى أنها ليست مقيدة بساعات عمل يومية.

وقالت بسيمة إنه رُغْمَ انشغالها بالزواج وأطفالها؛ فإنها لا تستطيع ترك هذه المهنة التى أصبحت صديقتها. وقالت إن السيدة سوزان تساعد كل من تلجأ إليها لحل مشكلتها حتى فيما يخص رعاية أطفالهن.

وقالت إن أولادها فخورون بأعمالها اليدوية ورُغم معارضة الزوج فى بداية حياتها بالفكرة؛ فإنها استطاعت إقناعه بعد تدخُّل الأهل واستمرت فيها لأكثر من 40 عامًا.

وأضافت إن عمل السجادة الواحدة يمكن أن يستغرق من 9 أشهُر حتى عام ونصف العام وفقًا لحجمها ومساحتها وألوانها وطبيعة رسمتها الأمر الذى علمها «الصبر»- على حد قولها.

أمّا الحاجة رضا؛ فترى أن صناعة السجاد مثل بناء عمارة لها أساس. وتقول إنها عندما تنتهى من عملها تنظر إلى السجادة وتشعر بأنها «عَيّل من عيالها».

وعن الرسومات المستوحاة من الطبيعة، تقول «منى» إن الرسمة تبدأ عندما تبدأ فى نسج السجادة، لا تعرف شكلها ولا ألوانها ولكن مع استمرارها فى النسج تكتمل الصورة أمامها.

وبالنسبة لـ«نادية»، الطبيعة هى الملهم الأول لغالبية أعمالها، مضيفة أنها تبدأ يومها فى السادسة صباحًا، وبعد أن تقوم بتوصيل أطفالها إلى المدرسة، تذهب إلى المركز لتبدأ عملها وتنتهى من نصفه على الساعة الثانية عشرة ظهرًا تعود إلى منزلها لتجهز الطعام لزوجها وأولادها وتذهب ثانية لاستكماله ثم تعود إلى منزلها فى السادسة مساء.

أمّا الحاجة ثريا حسن، فتقول إنها تستمتع وهى تقوم بنسج السجاد، فهو ليس حرفة بل أسلوب حياتها، ورُغم كبر سنّها فهى لا تمل من عملها أبدًا.

ولم تؤثر جائحة «كورونا» على العمل؛ حيث روت الحاجة «نادرة» أنه رُغم قيام هذه الجائحة بتعطيل الكثير من الأعمال؛ فإن نسج السجاد استمر بتشجيع من السيدة سوزان واصف بعد اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية.