الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. بحب القصرى

كدهوّن!.. بحب القصرى

ما اجتمع المصريون فى أى وقت من الأوقات أو مناسبة من المناسبات سواء كانت سعيدة أو حزينة إلا انطلق إفّيه من الإفّيهات التى شاهدناها مرارًا وتكرارًا فى أفلام الأبيض والأسود التى نجحت بالفعل فى نحت شخصيات درامية من لحم ودم تنبض بالحياة على الشاشة الفضية على مدَى تاريخها الطويل وكتب لها البقاءُ و الخلودُ فى قلوب المصريين ربما أكثر من الأفلام ذات نفسها وكأنها أقوال مأثورة تنتقل من جيل لجيل بمنتهَى السلاسة وبنفس الضحكة التى ضحكناها أول مرّة على هذه الإفّيهات السينمائية  وكِدَهُوَّن..



 

 ما زال  الشاويش عطية (رياض القصبجى) يطل علينا من الذاكرة وهو يقترب فى وجه سُمْعَة  (إسماعيل يس) وقد  شكّلا معًا ثنائيًا ضاحكا أقرب للقط والفأر  فى كل أفلامهما الكوميدية، ففى فيلم (إسماعيل يس فى الأسطول) يتقدم منه ويسأله فى دهشة وهو يكاد يبكى من شدة غبائه:  «شغلتك على المدفع بروروم؟!»،  ويظل وجه سُمْعة جامدًا خاليًا من أى انفعال؛ مما يزيد من ضحكاتنا على هذا الموقف العبثى، ويعود مرّة أخرى الشاويش عطية فيصرُخ بأعلى صوته «عسكرى مَخالى شِل» وسُمعة يردد ببراءة يُحسَد عليها: «إللى اسمه مخالى يتحرك يا جدعان ده راجل شرّانى وأنا عارفة»، دون أن يدرك أنه هو المقصود بصرخات الشاويش عطية  الذى يردد جملته الشهيرة: «هُوَّ بغباوته شكله العِكِر»، وعندما اعتقد الشاويش عطية  أن سُمعة مات فى فيلم (إسماعيل يس فى البوليس الحربى)  قال  وهو يبكى: «الله يرحمه كان  غبى أوى».. ولا ننسى وصف الفنانة فاتن حمامة له فى فيلم (الأستاذة فاطمة) عندما قالت للقاضى:  «موكلى ضخم الجثة عريض المنكبين، ولكن هذا ليس دليلاً على شراسته، فتضخّم الحيوانات مشهورة بطيبة القلب ورقة الطباع زى الفيل والجَمل وسيد قشطة»، وهنا يضحك الجميع بمن فيهم رياض القصبجى نفسه.. وعندما سأله القاضى: «أنت ضربت المجنى عليه؟»، رد بعفوية وببراءة «لا يا فندم هو إللى ضرب نفسه»، وعندما تعجب القاضى من إجابته الغريبة قال موضحًا «أصله قصير وأنا طويل وكل ما يشب علشان يضربنى بونيه تيجى فى عينه وكل ما يشب علشان يضربنى قلم ييجى على وشُّه وفضل يضرب لغاية لمّا بهدلنى خالص يا سيادة القاضى»  وكِدَهُوَّن..  

 ولا نستطيع أن نترك فيلم (الأستاذة فاطمة) دون أن نتوقف طويلاً عند أشهَر مرافعة قانونية فى تاريخ السينما المصرية عندما هتف الفنان الرائع  عبد الفتاح القصرى قائلا فى حماس شديد: «يا حضرات المستشارين يا سيدى الرئيس»، وعندما يرد القاضى مافيش عندنا مستشارين يرد بثقة يُحسد عليها: «وماله يا سيادة القاضى كل شىء فضلتك»، ويستمر فى مرافعته الشهيرة جدًا قائلا: «يا سيدى الرئيس إن قضيتنا اليوم هى قضية الحق ولقد ظهر الحق وزهق الباطل إن المتهم الواقف أمامكم خلف القضبان الحديدية مجرم أثير وقاتل لئيم اعتدَى على الشرف والفضيلة التى والذى يحميهما القانون قتل حقوق الإنسان التى والذى تكفل بها مجلس الأمن، قتل الحرية الشخصية وقتل الحرية العمومية، قتل الأخلاق، قتل الشرف، قتل المدنية والمعمار، قتل هذه وهؤلاء عامدًا مستعيدًا ولهذا أطلب من المحكمة الحكم بالإعدام شنقًا مع سبق الإصرار والترصد»،  وهكذا يستطيع «القصرى» مع المخرج فطين عبدالوهاب تفجير الضحكات من قلب المحكمة؛ حيث الجدّيّة والوقار وكِدَهُوَّن.. يستمر «القصرى» فى تقديم إفّيهاته الخاصة جدًا التى تحمل مفردات لغوية من قاموسه الشخصى مزج فيها الفصحى بالعامية الدارجة فكانت النتيجة خليطا غير متجانس من الجُمَل والمصطلحات العشوائية؛ فنراه يُعنف الفنان كمال الشناوى فيقول له «ياقليل الرباية عديم المجتمع» وكِدَهُوَّن.. يسجل «القصرى» الرقم القياسى فى عدد الإفّيهات التى خلدتها السينما المصرية، منها على سبيل المثال فى فيلم (ابن حميدو) «كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا، لكن المرّة دى تنزل خلاص المرة دى»، وفى نفس الفيلم يوصف الباز أفندى (الفنان توفيق الدقن) فيقول  «راجل  مثأف وآرى وساقط توجيهية ومستوعب الأشياء»، وعندما يفاجأ برفض ابنته عزيزة (هند رستم )الزواج من الباز أفندى فيقول لها «ده راجل أنا ذات نفسى أتمناه»،  ولا ننسى خطبته وهو يحتفل ببيع مركب «نورماندى تو»  فيقول «الآن أيها الإخوان المجتمعين فى هذا الصوان من سالف العصر والأوان أسَلّم ابن حميدو أفندى القرصان المفتاح الذهبى للباخرة العظيمة نورماندى تو» ثم يرقص قبل أن تغرق المركب فى عرض البحر وكِدَهُوَّن..وفى فيلم (إسماعيل يس فى مستشفى المجانين)  يقول للراقصة كيتى «ياخرابى على الدرعات اللى عاملة زى لمض النايلو، الكهرباء عملت كونتاكت»، ولعل أشهَر جُمَل الغَزَل السينمائى كانت فى فيلم (لو كنت غنى) عندما قال لإحدى السيدات  «ياصفايح الزبدة السايحة، يا براميل القشطة النايحة»،  وعندما يشاهد سكر هانم فيقول لها بتعجب «ست؟! ده أنت ست اشهر، أنا مش شايف أيتها ست قُدّامى، ده أنا جانبك أبقى مارلين مونرو، ده أنت قوام عايز بردعة ولجام»، وعندما تسأله «تدينى كام سنة؟»، يرد بعفوية «أديكى ١٥سنة أشغال شاقة».. وكِدَهُوَّن استطاع «القصرى» بخفة ظله وتلقائيته وتفرّده فى تقديم شخصية المُعلم الجاهل المُلم ببعض المصطلحات التى يستخدمها فى حواراته دون وعى أو فهم لها فيفجّر الضحكات والقفشات ويدخل قلوب المصريين من أوسع أبوابها كأحد صناع البهجة فى القرن العشرين.