الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما تتحول وسيلة التفاوض السلمى الديمقراطى إلى ساحة معركة الحرب الدبلوماسية بين روسيا والغرب

أعلنت «روسيا» منذ أيام طرد خمسة دبلوماسيين كرواتيين، بعد أن أمرت السلطات فى «كرواتيا» العديد من موظفى السفارة الروسية بمغادرة البلاد الشهر الماضى، فى أحدث عملية طرد قامت به «موسكو» لدبلوماسيين أوروبيين.. وتأتى عمليات الطرد الأخيرة، بعد أسبوع فقط من حملة طرد نفذتها «روسيا»، ودول الغرب فى معركة دبلوماسية ساخنة.



 

منذ بداية العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، قامت العديد من الدول الأوروبية، إلى جانب «الولايات المتحدة»، بطرد الدبلوماسيين الروس بمعدل غير مسبوق، حيث تم طرد أكثر من 450 موظفًا بالسفارات الروسية منذ 24 فبراير الماضى.

وتهدف عمليات الطرد الدبلوماسية الضخمة -فى المقام الأول- إلى إظهار عزم «الولايات المتحدة»، و«أوروبا» على الاستفادة من كل أداة متاحة لوضع «موسكو» داخل أقصى درجات الضغط من كل اتجاه.

ومع ذلك، أظهرت عمليات الطرد، أنها لا تخلو –أيضًا- من السلبيات.. حيث كان إحداها هو إعلان «موسكو» عن عمليات طرد متبادلة، مما حد من قدرة الغرب على فهم الديناميكيات الداخلية فى «روسيا» بشكل أفضل.

كما أوضحت موجة الطرد هذه –أيضًا- بعض الاختلافات المقلقة بين أعضاء (حلف شمال الأطلسى)، و«الاتحاد الأوروبى»، وعلى رأسها «المجر»، التى رفضت الانضمام إلى هذا الجهد، فيما قررت «كندا» الحياد.

ولفهم هذه المعركة التى تتحول فيها الدبلوماسية إلى سلاح، من الضرورى الرجوع إلى الوراء قليلًا فى التاريخ، من أجل مقارنة عمليات طرد الدبلوماسيين بين الماضى القريب والحاضر.

  عمليات الطرد بين الماضى والحاضر

فى عام 2018، عندما أعلنت «المملكة المتحدة» -لأول مرة- أنها ستطرد الدبلوماسيين الروس، انضمت نحو 12 دولة لإظهار التضامن معها بعد أقل من أسبوعين. وفى غضون شهر، طردت نحو 24 دولة من دول (الناتو)، و«الاتحاد الأوروبى» أكثر من 125 دبلوماسيًا روسيًا. وبعد ثلاث سنوات، طردت جمهورية «التشيك» 18 موظفًا فى السفارة الروسية، بسبب صلات «روسيا» المزعومة بانفجار مستودع ذخيرة عام 2014؛ فيما استغرقت الدول الأخرى حوالى أسبوع لبدء عملية إعلان الدبلوماسيين الروس بأنهم (أشخاص غير مرغوب فيهم)؛ بينما قامت حوالى ست دول من «الاتحاد الأوروبى»، و(الناتو) بطرد أكثر من 25 دبلوماسيًا روسيًا فى ذلك الوقت.

أما الآن، وفى غضون شهرين من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، طرد أكثر من 25 من أعضاء «الاتحاد الأوروبى» و(حلف شمال الأطلسى) -بطريقة منسقة- أكثر من 400 دبلوماسى روسى. فى حملة قادتها «بولندا، وألمانيا، وفرنسا» عبر طرد أكثر من 40 فردًا لكل منها، مقارنة بأقل من 5 موظفين فى الموجات السابقة.

وفى خلال مارس وأبريل الماضيين، ساءت العلاقات الدبلوماسية بين المعسكرين، بعد تبادل حملات طرد الدبلوماسيين وموظفى السفارات. فبعد «فرنسا، وألمانيا»، طردت كل من دول: «إيطاليا، والدنمارك، والسويد، وإسبانيا، ودول البلطيق الثلاث (استونيا، لاتفيا، ليتوانيا)»، بالإضافة إلى «الولايات المتحدة، واليابان، وبلغاريا، وسلوفاكيا، والبرتغال»، عشرات الدبلوماسيين الروس، مما يمثل مزيدًا من التدهور بالعلاقات مع «موسكو».

ورغم طرد «الاتحاد الأوروبى» 19 دبلوماسيًا روسيًا من «بروكسل» هذا العام احتجاجًا على العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، فإنه كان من الملاحظ أن الحجة أو الأسباب المستخدمة فى بقية عمليات الطرد لا تتعلق –صراحة- بالأزمة الروسية-الأوكرانية، أو على الأقل لا تأتى فى مقدمة الأسباب، بل زعم أغلبهم أن الأسباب تدور بين (الأمن القومى للبلاد)، أو الادعاء بأن (الجواسيس الروس يتخذون من الدبلوماسية غطاءً لهم).

فقامت «البرتغال»، بإبلاغ السفير الروسى فى 5 أبريل الماضى، بقرار طرد 10 موظفين فى السفارة، وقالت إن (نشاطهم يهدد الأمن القومى)؛ وقبلها بيوم قررت «إيطاليا» طرد 30 دبلوماسيًا روسيًا لأسباب تتعلق بـ(الأمن القومى)؛ فيما أعلنت «ليتوانيا» طرد السفير الروسى، بالتزامن مع طرد «فرنسا» دبلوماسيون روس بحجة (تتعارض أنشطتهم مع مصالحها)، موضحة أن (هذا الإجراء جزء من نهج أوروبى).

كذلك، أعلن وزير الخارجية الدنماركى «ييبى كوفود» أن بلاده قررت طرد 15 دبلوماسيًا روسيًا، بسبب (قيامهم بأنشطة تجسس على الأراضى الدنماركية)؛ ومن ثم أعلنت «السويد» طرد ثلاثة دبلوماسيين روس؛ بينما قررت «إسبانيا» طرد نحو 25 روسيًا، لأنهم يشكلون (تهديدًا لمصالح البلاد).

وفى 29 مارس الماضى، طردت «بلجيكا» 21 شخصًا يعملون فى السفارة والقنصلية الروسيتين (للاشتباه بضلوعهم فى عمليات تجسس تهدد الأمن القومى)؛ وفى اليوم نفسه، قررت «هولندا» طرد 17 شخصًا معتمدين كدبلوماسيين فى البعثات الروسية فى الأراضى الهولندية، لكنها اتهمتهم (بالعمل كضباط استخبارات روس).

وفى 23 مارس الماضى، أعلنت «بولندا» على لسان وزير الداخلية ماريوس كامينسكى، طرد (45 جاسوسًا روسيًا ينتحلون صفة دبلوماسيين)!

ومن جانبها، أعلنت الخارجية النمساوية طرد أربعة دبلوماسيين روس؛ فيما طردت «اليابان» ثمانية دبلوماسيين؛ فى الوقت الذى طردت فيه «الولايات المتحدة» 12 دبلوماسيًا روسيًا فى الأمم المتحدة؛ بينما قررت دول البلطيق الثلاث «أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا» مجتمعة طرد 3 دبلوماسيين روس؛ كما اعتبرت «بلغاريا» فى 18 مارس الماضى، أن 10 دبلوماسيين روس (غير مرغوب فيهم).

كما كان من الملاحظ -أيضًا- تلك المرة، مشاركة «اليابان».. فبالعودة إلى عام 2018، كانت «طوكيو» الدولة الوحيدة فى (مجموعة السبع) التى قررت عدم طرد أى دبلوماسى روسى، محاولة التمسك بعمل توازن دقيق بين «موسكو» و(مجموعة السبع) على أمل أن يتراجع انجذاب «روسيا» نحو «الصين».

ولكن، تلك المرة، أعلنت القيادة اليابانية طرد دبلوماسيين ومسئولين تجاريين روس؛ قائلة إنه يجب محاسبة «موسكو» على ما ارتكبته فى «أوكرانيا». وأعقب هذا القرار إجراءات اقتصادية قوية، تضمنت حظر استيراد الأخشاب الروسية، وعقوبات على البنوك الروسية، وتجميد أصول 400 فرد ومجموعة، فضلًا عن اتفاقية لتقليص اعتمادها فى مجال الطاقة تدريجيًا على «روسيا».

أما الأمر الملاحظ الأخير، فهو ما أظهرته هذه القرارات أن الطرد الدبلوماسى، لم يعد من الأمور الهادئة التى تحدث خلف الأبواب المغلقة، بل صار القيام بها -الآن- علنًا، وتستخدم كسلاح دبلوماسى لفرض تكلفة سياسية على «روسيا».

أسباب الطرد الأوروبى الجماعى

كان الهدف الأول من عمليات الطرد الدبلوماسية الجماعية، إرسال إشارة لموسكو بالعزم والوحدة بين الأوروبيين لمواجهتها، حيث تم اتخاذ قرار عمليات الطرد، وسط الغضب العام من العملية العسكرية الروسية فى عدد من المدن الأوكرانية، ولا سيما بعد ما حدث فى مدينة «بوتشا» الأوكرانية، التى نفت فيها «موسكو» مسئوليتها بأنها ارتكبت فيها جرائم حرب.

كما تُعد عمليات الطرد -أيضًا- جزءًا من جهد دبلوماسى أكبر لعزل «روسيا» على المسرح الدولى، بدفع من تحالف كبير من دول الغرب وحلفائهم ضد «موسكو»، حيث تم تعليق عضويتها، أو طردها من مختلف المؤسسات أو الهيئات الدولية، من (مجلس أوروبا) إلى (منظمة العمل الدولية).

رد الفعل الروسى

كان هناك العديد من المخاطر المرتبطة بعمليات الطرد الأوروبية من حيث الانتقام المتبادل، خاصة بعدما وصفت «موسكو» طرد دبلوماسييها من الدول الغربية بأنه (ضيق بصيرة)؛ مهددة بإجراءات رد مدمرة على تلك الخطوة.

وبالفعل، فبحلول مايو الماضى، طردت «موسكو» أكثر من 100 دبلوماسى مجتمعين من «الولايات المتحدة»، و«اليابان»، وعدة دول أوروبية.

كما كان صباح يوم الـ18 من مايو الماضى مزدحمًا فى وزارة الخارجية الروسية..حيث تم عرض ما لا يقل عن ثلاثة سفراء أوروبيين عبر أروقة مبنى «موسكو» لتلقى الأخبار السيئة، إذ اتخذ «الكرملين» قرارًا بطرد عدد كبير من موظفيها الدبلوماسيين المنتشرين فى «روسيا»، ردًا على الطرد الجماعى للدبلوماسيين الروس المتمركزين فى عدة دول. وصار يتعين على ما يصل إلى 85 دبلوماسيًا أوروبيًا حزم أمتعتهم ومغادرة البلاد فى الأيام المقبلة، بما فى ذلك 27 إسبانيًا، و24 إيطاليًا، و17 فرنسيًا.

كما أعلنت «روسيا» طرد دبلوماسيين أمريكيين، بجانب طرد 10 دبلوماسيين من دول البلطيق الثلاث، وطرد 45 من موظفى ودبلوماسى السفارة البولندية، كرد فعل على خطوة مماثلة؛ بينما فقدت «بلجيكا»، و«هولندا» 12 و1 عضوًا على التوالى من بعثاتهما الدبلوماسية فى الأراضى الروسية.

وبعدها بأيام جاء دور «فنلندا» فى عملية الطرد الروسى لموظفيها الدبلوماسيين، قبل أسبوع واحد فقط من تقديمها، إلى جانب «السويد»، طلبهما الرسمى للانضمام إلى عضوية (الناتو). 

ما الذى كشفته عمليات الطرد؟

لقد تركت عمليات الطرد، أكبر صدام دبلوماسى بين «موسكو»، و«أوروبا الغربية» تحديدًا منذ الحرب الباردة. وكان أول من تحدث عن الأمر، هو رئيس الوزراء الإيطالى «ماريو دراجى»، الذى وصف عمليات الطرد بأنها عمل عدائى، لا ينبغى أن يضر بالقنوات الدبلوماسية مع «موسكو»؛ مضيفًا أنه من خلال هذه القنوات، يمكن أن يتحقق السلام.

كما كشفت عن قدرة «موسكو» -أيضًا- على الرد بالمثل وعلنًا فى هذا المجال، إلى جانب تقليص الانتقام الروسى المتبادل من قدرة «الولايات المتحدة»، و«أوروبا» على فهم الوضع المتطور فى «روسيا».

هل هناك عودة للدبلوماسية؟

علقت صحيفة «الجارديان» البريطانية على هذا التساؤل، بأنه لا يبدو أن هناك أى احتمال لمثل هذا التراجع فى الوقت الحالى.

على سبيل المثال، قام رئيس الوزراء الإيطالى «دراجى» بتجميع خطة معقدة من عدة نقاط تم تقديمها رسميًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش»، تشمل الخطوة الأولى فيها: خطة لوقف إطلاق النار الخاضع للإشراف ونزع السلاح من خط المواجهة، أما المرحلة التالية، فستكون معاهدة ثنائية بين «أوكرانيا»، و«روسيا» حول (قضايا الحدود)، بينما ستكون المرحلة الأخيرة عبارة عن صفقة كبيرة بشأن العلاقات بين «الاتحاد الأوروبى»، و(حلف شمال الأطلسى)، و«روسيا»، وإحياء محادثات الاستقرار الاستراتيجى.