
حسن عيسى
كدهوّن!.. نشنت يا فالح
فجأة عندما وقعت فى حمام السباحة أثناء قيامى بتسلق بعض الألعاب المائية فجأت بطفلتى ليلى تقول لى بأعلى صوتها (نشنت يافالح) وهى تضحك بشدة وتنادى على شقيقتها أمينة التى شاركتها الضحك وهى ترانى أغوص فى مياه حمام السياحة فى محاولة لإعادة التجربة فى تسلق الحبال دون جدوى فأعود لأسقط مرة ومرات وتزداد ضحكاتهما فتصرخ أمينة قائلة (بولولوم بولولوم شغلتك على المركب بولولوم) حتى غلبنى الضحك وأعلنت استسلامى وكدهون
سألت ليلى وأمينة بعد ذلك عن الممثل الذى قال نشنت يا فالح لم يتعرفا عليه ولا على الفنان إسماعيل ياسين للأسف رغم عشقهما لأعمالهما الفنية بل يرددان بعض جملهما السينمائية التى أصبحت تراثًا شعبيًا يردده البعض فى حياتهم اليومية دون أن يعرف مصدره أو صاحب المقولة الحقيقى، وهذا هو سحر السينما يموت المبدع ويبقى الإبداع خالدًا لا يموت أبدًا وكدهون من هؤلاء الفنانين الذين برعوا فى صياغة جمل خاصة بهم وتحمل بصمتهم الخاصة على الشاشة الفضية هو الفنان خفيف الظل استفان روستى الذى نجح فى خلق حالة سينمائية خاصة جدًا تميزه عن كل فنانين جيلة من رموز الشر، فقد استطاع بمهارة شديدة أن يمزج الشر بالكوميديا بمنتهى الجدية حتى إن المشاهد يحتار بين ملامحه الحادة جدًا ومظهره الأنيق وتصرفاته الدنيئة وحواره الساخر من كل شىء ومن كل المواقف والثوابت لحد العبث مما يسبب صدمة للجمهور دون أن يلجأ إلى الابتذال أو الفجاجة فهو دائمًا الانسان الأنيق المهذب الراقى حتى وهو يقوم بأدوار مشبوهة أو منحرفة فنشاهده فى فيلم (حب ودموع) يحاول أن يقنع الفنانة فاتن حمامة بمشروب الكونياك رغم عبوثها وتجهمها فى وجهه إلا أنه لا يعبأ بنظرتها الكارهة له واستمر فى عزفه المنفرد فى محبة الكونياك، حيث كان يجسد شخصية صاحب كباريه يستغل فتاة بريئة ويقنعها بتناول الكونيات مع زباين الصالة دون رغبتها وهنا فجر جملته الخالدة (الكونياك مشروب الآنسة المهذبة) ويستمر فى محاولاته الدنيئة هذه بمنتهى الثبات الانفعال وخفة الظل متجاهلا تمامًا نظرات فاتن حمامة النارية وهو يدفعها لمصاحبة أحد الرجال وكدهون يعود مرة أخرى أمام فاتن حمامة فى فيلم سيدة القصر عندما يذهب لها فى مكان عملها ليقنعها بإقامة علاقة غير شرعية مع عمر الشريف، وعندما تنظر له باحتقار كبير وهى تسأله بتلميح مباشر عن طبيعة عمله إيه بالضبط ؟؟؟ يتجاهل هذا التلميح المهين لأى رجل ويرد بعد تردد : مين أنا ؟ مهندس يا فندم مهندس، وعندما تنصرف فاتن وهى تنظر له باحتقار يغير من أدائه المهذب وينظر للشاشة ويقول بصوت قواد محترف (وش فقر صحيح) ويستمر تألقه الخاص فى فيلم سيدة القصر عندما يطلب من الفنانة فردوس محمد الرقص معها فانزعجت من طلبه هذا فتقول له: هو حد حايشك ياخويا ما تروح ترقص فيبتسم فى أدب القرود وهو يقول ثوانى يا هانم أتحزم وأجيلك، ثم يتركها فى حالة ذهول وكدهون، وحتى عندما ينكشف أمره مع زوزو ماضى فى نهاية الفيلم يتقدم فى بجاحة يُحسد عليها ودن أن تهتز له شعرة ليعترف لعمر الشريف بأنه فعلا اتفق مع المشترى على خداعه وأخذ نصف ثمن العزبة مش علشان السرقة ولكن نهاديها لك بعد ماتبيع العزبة ونعملك مفاجأة وكدهون، ورغم أنه يقدم نفس الشخصية الدرامية فى معظم أعماله السينمائية إلا أن ظهوره دائمًا ما يثير الابتسامات على وجوه المشاهدين حتى وهو يموت بعد أن أطلق عليه الفنان محمد توفيق طلق نارى بالخطأ فأصابه فى مقتل فى فيلم (حبيبى الأسمر) فيقول له جملته العبقرية: (نشنت يافالح) فيضحك الجمهور رغم درامية المشهد وأجواء القتل والعصابات وربما لا أحد يتذكر الفيلم نفسه ولكن تبقى جملة نشنت يا فالح يكررها المصريون فى تعليقهم على الأحداث الحياتية الضاحكة أو وحفلات السمر حتى يومنا هذا دون أن نتذكر الفيلم نفسه وكدهون حتى عندما شارك الفنان الأسطورى إسماعيل ياسين فيلم المليونير استطاع أن يقتنص منه إيفية رائع رغم ظهوره فى مشهد وحيد فى الفيلم ولكنه ترك بصمته التى لا تمحى أبدًا من ذاكرة السينما بجملة (أنت تضحك على زكى بشكها ؟ انت تقدر على زكى بشكها ؟؟) ولا أدرى من أين جاء باسم بشكها الذى تحول مع الوقت لإفيهه شهير على لسان المصريين وكدهون يستمر الشرير الأنيق فى رسم البسمة على وجه الجمهور وكدهون ولا ننسى ظهوره بجوار الفنانة زينات صدقى فى فيلم غزل البنات فى مشهد وحيد فى الكبارية ولكنه كعادته ترك بصمته المميزة على هذا المشهد وهو يحاول أن يهدئ من روع الفنانة زينات صديقى وهى تشاهد عشيقها يغازل الست ليلى مراد فيقول لها جملة لا يصوغها غير استفان روستى: إهدى شويه يا جسم من ملبن وعقل من حجر (مش عارف جابها ازاى الجملة دى) سيبى الراجل يشتغل ثم يبتسم فى خبث وهو يكرر: اشتغل يا حبيبى اشتغل لينتهى المشهد وتعيش تلك الجملة فى وجدان الجمهور إلى الأبد وكدهون ارتبط صوت استفان روستى بأغنية ياعز من عينى قلبى لقلبك مال للست ليلى مراد فى فيلم (شاطئ الغرام) عندما قال جملته الشهيرة للفنانة ميمى شكيب أثناء الغناء (عاجبك كده؟ دى اللى كنت جايباها تهزئيها؟! إلا ما فى حد ما أعجبش بيها) وخاصة أنها تتكرر مع كل مرة تذاع فيها الأغنية بعيدًا عن الفيلم وكأنه يغنى دويتو مع ليلى مراد وكدهون يهتف بأعلى صوته؛ فى صحة المفاجآت فى فيلم تمر حنة ويستمر القاموس الخاص بالفنان استفان روستى يميزه عن باقى الفنانين وتطبع أعماله ببصمته الخاصة التى عشقها الجمهور وعاشت فى وجدانه حتى يومنا هذا كأحد فرسان البهجة فى حياتنا، فقد تمتع الفنان الراحل استيفان روستى بموهبة وتلقائية وقدرة على السخرية حتى فى أحلك المواقف التى مكنته من المزج بين الشر والكوميديا، فكان، النصاب خفيف الظل والشرير الضاحك.