الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«عند منتصف الطريق» مصر من 2014 وحتى 2030   كيف نراجع ما سبق؟ كيف ننظر للقادم؟ ولماذا يُشكِّل الحوار الوطنى علامة فاصلة! "1"

«عند منتصف الطريق» مصر من 2014 وحتى 2030 كيف نراجع ما سبق؟ كيف ننظر للقادم؟ ولماذا يُشكِّل الحوار الوطنى علامة فاصلة! "1"

على مدار العقد السابق وتحديدًا الفترة من 2011 وحتى 2021 كان المشهد العربى أننا أمام إقليم يُشكل ساحة من الجغرافيا المتحركة وتهديد واضح للدول العربية فى سيادتها الوطنية على ترابها الوطنى وبلغ التحدى مداه باقتطاع أجزاء من الجغرافيا العربية ليهيمن عليها الإرهاب ويُقيم دولته المزعومة.



 

فى الوقت نفسه كانت مصر وهى الدولة العربية الأهم والأكبر ومركز الثقل الاستراتيجى فى منطقتها ساحة للتاريخ المتحرك.. عقد من الزمن تصارعت فيه الأحداث ما بين الأمل وسرقته ثم استعادته ثم انطلاقه لأفق طموح.. صارع التاريخ نفسه بنفسه؛ عاشت مصر مرحلة محاولات طمس التاريخ وهى نفسها الأمة التى أوقفت حركة التاريخ لتكتبه من جديد.

وبين تفاعلات التاريخ الجديد الذى تصنعه مصر والجغرافيا العربية المتوترة بحزام من الميليشيات الإرهابية كان المنتج منطقة عربية جديدة تمتد إلى شرق أوسط مختلف تتماشى مع حركة التغيير مع النظام العالمى الذى يتم تشكيله الآن.. والسؤال الذى يفرض نفسه على الجميع هو موقعه فى هذا النظام العالمى.. كيف يمكنه أن يعظِّم مصالحه ويحتفظ بمحددات دوره ويطور مفاهيمه دون أن يفرِّط فى ثوابت شخصيته.. هذا هو السؤال الإجبارى للأمم الآن.

الإجابة عن هذا التساؤل لن تكون وليدة اللحظة؛ ولكنها ستكتبها الدول بسلوكها وأفعالها.. ستُسطِّرها الشعوب بقدراتها فى العام 2030 ستقف الرمال المتحركة فى الجغرافيا العربية عند موضع السكون بواقع جديد ليبدأ التاريخ حركته الجديدة.

السؤال الذى يهمنا الآن هو مصر؟

التساؤلات التى نسعى للإجابة عنها الآن كلها تدور حول مصر.. وفى إجابات مصر %90 من أجوبة المصير للدول العربية.. والأشقاء يدركون ذلك أو ربما بعضهم، ولهذا عند لحظات المصير تجد الأشقاء العرب صفًا لإبقاء مصر القوية.

حدث هذا فى كل فترات المحن ما بين نكسة يونيو 1967 وحتى نصر أكتوبر 1973، وتكرر بعد محاولات إسقاط مصر بعد يناير 2011 وحتى العبور للجمهورية الثانية بعد ثورة يونيو 2013 التى نعيش الآن باكورة أيام ذكراها التاسعة.

إن التاريخ الذى كتبته مصر وإن كانت حقبته واحدة؛ لكن صفحاته مختلفة والحديث التاريخى هنا هو فى الأصل كلام فى صميم السياسة.

وبالتالى أجد نفسى أمام مرحلتين.. الأولى تبدأ من العام 2014 وحتى العام 2022 والثانية من العام 2022 وحتى العام 2030 ووفق هذه القراءة فإنه من الأمانة أن نعترف أننا عند منتصف الطريق؛ ولكننا لسنا فى مفترق طرق.. بون عميق بين المعنيين.. ووفق هذا الفهم الذى يتفاعل معه المنطق الذى يقنعنى والأمل الذى يسيطر على قلمى فإن الحوار الوطنى للأمة المصرية هو نقطة المركز الآن.. بعيدًا عن الصخب الدائر وكله صحى وقليله مُغرض، وهذا هو حال السياسة فى الكون كله، لكنه عمل سياسى فارق تحتاجه مصر.. عمل سياسى مهدت له السياسة وتصنعه السياسة وتقوده السياسة ومنتجه السياسى يشكل قدرًا كبيرًا من علامات على الطريق فى المستقبل خلال الثمانى سنوات المقبلة.

المرحلة الأولى ( 2014 – 2022 ) 

خلال هذه المرحلة ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية شهدت هذه الحقبة الزمنية عدة تقسيمات داخلية مرحلية؛ بمعنى أنها تعددت عناوين خطواتها لتحقيق هدف استراتيجى، وهو الحفاظ على الدولة المصرية وأمنها واستقرارها وتنميتها وتعظيم قدراتها لكى تكون قادرة على التفاعل مع تحديات عالمها.

الكلام سهل.. لكن العمل شاق، التخطيط ممكن.. لكن التنفيذ يحتاج إلى جهد وصبر مضنٍ وحجم التضحيات مهول وفى طليعة التضحيات دماء شهداء الوطن، ولولا ما جرى ما كنا الآن عند منتصف الطريق، لكن كنا سنصبح عند مفترق طرق.

هذه المرحلة كان عنوانها استعادة ثقة المصريين فى أنفسهم وفى دولتهم وأن تستعيد الدولة ثقتها فى نفسها وفى مؤسساتها وأن تستعيد المؤسسات فاعليتها ودورها.

شهدت مرحلة الثبات المؤسسى تحديات ليست هيّنة.. أخطرها مهمة تفكيك البنية التحتية للإرهاب من جهة ومواصلة البناء والانتقال بالبنية الاقتصادية والعمرانية لمراحل غير مسبوقة تعزز من جودة الحياة للمصريين من جهة، وتستوعب معدلات البطالة المرتفعة من جهة أخرى والتى كان مطلوبًا منها أيضًا استيعاب ملايين من العمالة المصرية العائدة من الدول العربية التى ضربها جحيم الفوضى.

وعندما ذهبت إلى العاصمة الإدارية الجديدة والتقيت بالعمال وجدت العديد من هذه النماذج.. فى الوقت نفسه كان المطلوب إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية لا نملك فيها رفاهية الانتظار أو التسويف وفى الوقت نفسه أيضًا مراعاة الأبعاد الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة.

وبالتوازى مع هذه المرحلة كان هناك مرحلة تحدٍ أخرى، وهى لا تزال مستمرة وعنوانها (تعظيم القدرات المصرية) فى كل المجالات.. بعض الأشياء لو كنا سمعنا عنها قبل 2011 أنها ستتحقق فى مصر ما كنا لنصدق.. إذ استطاعت الدولة المصرية أن تُعظِّم قدراتها العسكرية وتنوع مصادر تسليحها وتطور من صناعتها العسكرية وأن تحكم قبضتها على ثرواتها فى شرق المتوسط وتفرض وجهة نظرها وتتحول إلى مركز الطاقة فى المنطقة، وأن تتجه إلى الاكتفاء الذاتى النسبى فى الغذاء والدواء.

فى هذه الفترة وللتاريخ.. تحمّل الرئيس السيسى ما لا تطيق على حمله الجبال.. وضع الرئيس شعبيته أمام مصلحة وطنه وشعبه واتخذ قرار إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى ومعالجة عيوبه المتوارثة من الستينيات وخشى الجميع من الاقتراب منها، وكان كل عهد يرحّلها للعهد الذى يليه ليسلمه تركة مفرداتها أن نظل فى حالة عوز اقتصادى دائم؛ ولكن السيسى تصدى لهذا الأمر.. كذلك عندما اتخذت الدولة المصرية قرارها بترسيم حدودها البحرية فى كل الاتجاهات الاستراتيجية حينها شكك المشككون واليوم نعرف قيمة ما جرى ولو لم تتمكن مصر من تحقيق هذه الخطوات كان من الصعب أن نخطوها الآن.

ومع كل يوم من الأيام المصرية كان هناك تحدٍ دستورى.. مفاده أننا أمام دستور طموح وواقع قدراته ترسم محدداته، ومطلوب أن الدولة تعمل وفق هذا الدستور، وهو ما فعلته الدولة قدر استطاعتها للحفاظ على احترام الدستور لأنه السبيل إلى الجمهورية الديمقراطية الحديثة.

بمسارات متوازية كان يمضى المنهج الإصلاحى لتمكين المرأة، والاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة، وسكان المناطق الخطرة ونقلهم إلى سكن إنسانى، وإعادة بناء العلاقة بين الدولة والشباب، وتحقيق تمكين حقيقى للشباب بعد إعدادهم للقيادة من خلال مؤسسات علمية وفى مقدمتها الأكاديمية الوطنية للتدريب التى تعد إحدى العلامات المؤسسية للجمهورية الثانية.

فى مارس 2021، كان إعلان الرئيس السيسى عن ميلاد الجمهورية الثانية أو الجمهورية الجديدة وكان الإعلان منطقيًا لأن العمل الوطنى أغلق صفحة من صفحات التاريخ ويبدأ الآن صفحة جديدة لبناء جمهورية ديمقراطية حديثة تتسم بالقوة وامتلاك القدرة وتنامى قدراتها الشاملة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية بما يجعلها جمهورية قابلة للبقاء.. وكأن كل ما سبق من 2014 وحتى 2021 كان معطيات تقود إلى هذه النتيجة، مع هذا التطور كان بُعد اجتماعي جديد يدخل فى المفهوم المصرى أو العمل الحكومى المصرى لكى نكون أكثر دقة بمشروع حياة كريمة، وهو منتج فكرى لصانع القرار السياسى بحشد القدرات فى اتجاه مشروع قومى يستهدف الغالبية من سكان مصر.

مضت هذه المراحل وقد أسميتها فى كتابات سابقة بـ«البناء تحت القصف» كانت الأمة المصرية تتحدى كل شىء تُحارب الإرهاب وتُحارب الحرب النفسية التى حاول خصومها فرضها عليها بدوائر من الشائعات السلبية التى تستهدف الحالة المعنوية للمجتمع، فضلاً عن متغيرات كونية ودولية.. متغير كونى تمثل فى انتشار وباء عالمى نال ما نال من قدرات الدول وتمكَّنت مصر من اجتيازه بأقل الخسائر، ثم دخل العالم فى مرحلة ترتيب أوراق نظامه الجديد مع الحرب «الروسية-الأوكرانية» لتضغط على مفاصل القدرات الاقتصادية للدول.

كل هذا كان يمضى ومضى وفق عقد اجتماعى يرسخ نفسه يومًا بعد يوم يعتمد على المشاركة فى تحمُّل العبء العام والعهد ببناء جمهورية ديمقراطية حديثة عنوانها الإنسان المصرى، فكان إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن جاءت دعوة الرئيس للحوار الوطنى فى حفل إفطار الأسرة المصرية.

خذ كل ما سبق من معطيات تجد أن النتيجة منطقية.. بأننا أمام نقلة ديمقراطية كبرى ونقلة ديمقراطية حقيقية.. مغناطيس وطنى يجذب التضاد على طاولة واحدة لأن السياق التاريخى يفرضه.

لكن الأمر أيضًا ليس بهذه السهولة.. فإننا وإن كنا الآن عند منتصف الطريق فهذا يعنى أننا لا نملك رفاهية التحرك خطوة إلى الخلف والمضى قدمًا نحو الهدف إجبارى.. ولكى نخطو خطوة واحدة إلى الأمام علينا أن نقف أمام التشخيص السياسى للرؤى والأفكار المصرية فى مختلف الاتجاهات، فهى أيضًا بحاجة إلى الكثير من المراجعات من وجهة نظرى، وهو ما سنتناوله فى الحلقة القادمة من هذه السلسلة من المقالات.. لوجه الله ولوجه الوطن.

وللحديث بقية..