الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان مهزلة العفو الأمريكى عن قتلة السادات "8"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان مهزلة العفو الأمريكى عن قتلة السادات "8"

لا يمكن النظر إلى القرار الأمريكى بشطب الجماعة الإسلامية من قوائم الإرهاب الأمريكية سوى أنه مهزلة جديدة من مهازل التعامل الأمريكى مع الإرهاب كتهديد جدى للحياة، لقد قدمت الإدارة الأمريكية مكافأة مجانية للمتورطين فى قتل الرئيس الشهيد محمد أنور السادات بعفوها عنهم وإعادة تنظيمهم للحياة مرة أخرى، لقد تسامحت أمريكا مع الجماعة التى قادها عمر عبدالرحمن أحد المتورطين فى تفجيرات نيويورك ومركز التجارة العالمى الإرهابية وحاكمته المحاكم الأمريكية وتوفى فى سجونها.



لم تعطِ الولايات المتحدة أى أسباب مقنعة لمثل ذلك القرار الذى يقوّض عمليات مكافحة الإرهاب، بل فاجأت العالم بتحرك مثير للجدل بحذف 5 مجموعات من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بينها «الجماعة الإسلامية» و«مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس» وهما حركتان متشددتان ولهما تاريخ من العنف، وذلك دون أن تعطى أسبابًا مقنعة.

لا تريد الإدارة الأمريكية التعلم من دروس الماضى وتستمر فى التعامل المتراخى مع المنظمات الإرهابية وتسامحها مع أنشطتهم ودعوتهم للعنف بما يمثله ذلك من تهديد خطير على حالة حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط وتعانى منه دول عربية مثل مصر، بل إنها اتخذت قرارًا سابقًا بحذف جماعة الحوثى من قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ما أعطى لتلك الجماعة المساحة لتهديد السعودية واستهداف منشآتها النفطية، وهو ما أثر على أسواق الطاقة وساهم فى زيادة نسب التضخم ومعاناة المواطن الأمريكى مع اشتعال الأزمة الأوكرانية.

فتحت الإدارة الأمريكية بهذا القرار المريب الباب أمام جدل واسع حول الهدف من ذلك القرار خاصة أنه لا يدعم جهود محاربة الإرهاب، وكذلك التوقيت الغريب عقب هجمات تتعرض لها مصر ودول المنطقة من تنظيمات إرهابية ترتبط بشكل عقائدى بأفكار الجماعة الإسلامية وفتاوى منظّرها عمر عبدالرحمن والمستمدة بشكل أساسى من أفكار جماعة الإخوان باعتبارها الحاضنة التاريخية لكل جماعات العنف والتطرف فى العالم.

صحيح أن الجماعة الإسلامية أعلنت قبل سنوات عن مبادرة لوقف العنف، إلا قيادتها لم يتراجعوا عن أفكارهم ودعمهم للإرهاب فى مصر مثل طارق الزمر أحد المشاركين فى قتل الرئيس السادات وأحد كبار داعمى حكم الجماعة الإرهابية والهارب من مصر، والذى كان يحرّض على قتل المصريين فى ثورة 30 يونيو من على منصات الإخوان.

نموذج طارق الزمر ليس الوحيد بين قيادات الجماعة الإرهابية، خاصة مع انتقال العمل الإرهابى إلى اتباع نموذج الذئاب المنفردة والعمل فى مجموعات صغيرة فضلاً عن التحاق بعضهم بتنظيم داعش الإرهابى والذى يمثل تهديدًا خطيرًا على أمن واستقرار المنطقة والعالم.

اللافت أن أمريكا تتعامل باستخفاف شديد مع تلك التنظيمات ومع ما يمثلونه من تهديد متنام للدول المستهدفة من التنظيمات الإرهابية، بل إن انسحابها من العراق عام 2014  أعقبه  ظهور تنظيم داعش الإرهابى فى العراق، وكذلك انسحابها المفاجئ من أفغانستان أعطى إشارة قوة لتلك التنظيمات، حيث لم تتمكن الولايات المتحدة من القضاء عليها بعد أكثر من 20 عامًا من احتلالها لأفغانستان.

التعامل الأمريكى الرخو مع الإرهاب يتناقض مع استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وتعريفها للإرهاب بأن الإرهاب يشمل تخويف السكان أو الحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف، وهو ما يؤدى إلى الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن ودعوة الأمم المتحدة لضرورة منع هذه الأعمال، ووقف تمويل الشبكات الإرهابية والتصدّى لحركتها ونشاطها، من أجل منع انتهاكات حقوق الإنسان فى المستقبل، حيث ينتهك الإرهاب والتطرف العنيف حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجماعات والأفراد.

إذا طبقنا ذلك التعريف على تاريخ الجماعة الإسلامية العنيف نجد أن تلك الجماعة تنطبق عليها تلك التعريفات، فهى من ارتكبت جريمة قتل الرئيس السادات الحائز على جائزة نوبل للسلام، ومذبحة مديرية أمن أسيوط وقتل فيها 118 ضابطًا وفرد أمن، واغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، بالإضافة إلى مذبحة الدير البحرى عام 1997، وقتلهم 58 سائحًا.

وعقب خروج قيادتهم من السجون إثر مبادرة وقف العنف تراجع عنها قيادات فى الجماعة وانخرط القيادى عاصم عبدالماجد وطارق الزمر فى تحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية وحرضوا على قتل من يعارض حكم الجماعة، وفى  يوم 4 مارس 2021، قضت محكمة النقض بإدراج الجماعة الإسلامية ووضع عاصم عبدالماجد وطارق الزمر ومجدى حسين وصفوت عبدالغنى ومحمد الإسلامبولى وإسلام الغمرى ومصطفى حمزة وقيادات الجماعة الإسلامية و76 آخرين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين وما يترتب على الحكم التحفظ على أموالهم ووضعهم على قوائم ترقب السفر والوصول وإسقاط الجنسية.

القرار الأمريكى تجسيد للمعايير المزدوجة بين القول والفعل الأمريكى فى التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، التعهد الأمريكى بمكافحة الإرهاب يستلزم التنسيق فى مثل تلك القرارات مع الدول التى تكافح الظاهرة بقوة، وتعانى اقتصاديًا واجتماعيًا بسبب تصرفات تلك التنظيمات، ومصر دفعت فاتورة باهظة لمكافحة الإرهاب سواء من أرواح شهدائها أو على حساب موارد التنمية المستدامة، وهو ما يؤدى فى كثير من الأحيان إلى تعطيل عملية التنمية وتراجع عائدات مهمة مثل السياحة، والجماعة الإسلامية ما زالت جماعة ترعى العنف وأفكار منظريها وقياداتها موجودة على وسائل التواصل الاجتماعى ووفرت لها تلك الوسائل منفذًا لنقل الأفكار التكفيرية والمتشددة لأجيال جديدة، ومن المتوقع أن القرار الأمريكى سيكون بمثابة إعادة إحياء للتنظيم، حيث سيتحرك قادتها فى الخارج بحرية وستتوقف ملاحقة أموال التنظيم وشبكات دعمه الدولية، وهو ما يعرض مصر ودول أخرى للخطر.

لقد قدمت الإدارة الأمريكية قبلة الحياة للتنظيم الأخطر والمسئول عن عشرات من حوادث العنف داخل وخارج مصر، ومن الخطورة الشديدة التعامل مع تاريخها الحافل بالعنف وانتهاك الحق فى الحياة لأبرياء سقطوا خلال المواجهة مع تلك الجماعة بهذا القدر من الاستهانة، بل إن ذلك القرار المريب يفتح الباب أمام تكهنات المصلحة الأمريكية من وراء ذلك القرار، وهل هناك استخدام أمريكى جديد لتلك الجماعات كما حدث سابقًا فى أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتى.

وإذا ما وضعنا أنفسنا فى مكان أهالى ضحايا ذلك التنظيم سنجد أن القرار الأمريكى يعيد فتح جراح أهالى هؤلاء الضحايا سواء المصريين أو الأجانب، وكيف أن الولايات المتحدة طعنتهم فى الظهر وأحيت التنظيم بعدما نجحت الدولة المصرية بعد سنوات من التصدى القوى والشامل من هزيمة التنظيم، خاصة أن ذلك التوجه لا يخدم ما تقوم به مصر بالنظر إلى أن الجماعة الإسلامية التى يهيمن عليها جناح متشدد هى أهم حليف لجماعة الإخوان ولا يقتصر نشاطها على الداخل المصرى المحلى، بل أثبتت الأحداث البعد الإقليمى لنشاطها وارتباطها بأجندة القاعدة فى دول عدة.

حديث الإدارة الأمريكية عن كمون أو خمول الجماعة يثبت جهل الإدارة أو تجاهلها إلى أن تكتيكات تلك التنظيمات وأن دخولها مرحلة السكون أو الكمون لا يعنى اختفاءها، وإنما هى فترة لإعادة ترتيب الأوراق واستعادة القوة مع حلفائها سواء الإخوان أو القاعدة أو داعش، لذلك من غير المنطقى اعتبارها وتصنيفها غير إرهابية لأن ذلك يخدم خطتها لاستعادة القوة مجددًا بمنحها حرية الحركة والتمويل.

الأهم أن القرار الأمريكى المنفرد فى ذلك الملف يفرض على العالم إعادة النظر فى القصور الذى يشوب عملية تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وضرورة وجود تنسيق وبحث مشترك بين القوى الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة للتعامل مع قرارات العفو عن تنظيمات إرهابية أو استخدامها سياسيًا ودراسة تأثيرها الضار والعنيف على دول أخرى خاصة أن منظومة حقوق الإنسان هى من تدفع التراخى فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب.