الثلاثاء 29 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. الأسطى المذيع

كدهوّن!.. الأسطى المذيع

تقدمتْ الفنانة نيللى فى رشاقة وجَمال وخفة دم تمسك فنجان عبدالحليم حافظ تتفحصه ضاحكة بينما هو ينظر لها بإعجاب خفى بينما التزم سمير صبرى الصمت وهو يتابعهما فى هدوء ووعى بأهمية اللقاء المنتظر وبرغبة الجمهور فى الاستماع والاستمتاع بنبوءات قارئة الفنجان نيللى وما ستخبر به عبدالحليم الذى كان يستعد لغناء قصيدة قارئة الفنجان بالفعل، وكان اللقاء بينهم نوعًا من الدعاية غير المباشرة للقصيدة الجديدة فى ذلك الوقت، كما كان ظهور عبدالحليم حافظ على شاشة التليفزيون حدثًا استثنائيًا له أهميته لدى جمهوره الكبير، ولقد أدرك سمير صبرى- مقدم البرنامج- كل هذه التفاصيل ولم يحاول أن يقتحم هذه الحالة ويفرض نفسه على الحوار أو يتدخل ويقاطعهما من وقت للآخر، ولكنه اكتفى بالمتابعة وكأنه مجرد شخص من جمهورهما يراقب ويبتسم ويتابع ثم يتدخل فى الوقت المناسب للعودة مرة أخرى لموضوع البرنامج وكِدَهُوَّن..



 

 هذا هو سر الصنعة عند المذيع سمير صبرى ومفاتيح نجاحه كمقدم برامج تليفزيونية يجيد الإنصات ويحتفظ لنفسه بابتسامة هادئة تدخل قلبك بدون ضجيج أو افتعال ويتلون على حسب اللقاء والضيف والقضية المطروحة فتتغير شخصية المذيع سمير صبرى تمامًا عندما يلتقى بالجاسوسة المصرية انشراح والتى خرجت بعفو رئاسى فى ذلك الوقت من الرئيس الراحل أنور السادات وأثارت ضجة كبرى وعاصفة من الاستهجان فى الشارع المصرى من ظهور أسرة مصرية بالكامل تعمل لصالح دولة معادية لمصر ورغم ذلك احتفظ سمير صبرى بهدوئه وإن كان يتخلى تمامًا عن ابتسامته ومرحه مع احتفاظه باحترامه لضيفته حتى لو كانت جاسوسة على بلده ليقدم حوارًا جادًا وصريحًا وصادمًا للجاسوسة المصرية فى لقاء تليفزيونى نادر ونجح فى الغوص بأعماقها للوصول إلى سر خيانتها لبلدها وأهلها وأصحابها دون أن يلجأ لنوعية الأسئلة من نوعية أنت ندمانة على تصرفك؟ أو تحبى تقولى إيه للشعب المصرى؟؟ وكِدَهُوَّن.. نجده فى منتهى الرُّقى والاحترام وهو يحاور الملكة السابقة فريدة كجزء مهم من تاريخ مصر المعاصر دون أن يلجأ إلى أسلوب الإثارة والتجريح، فقدّم حديثًا إنسانيًا ممتعًا يرصد التغيرات آلتى طرأت على المجتمع المصرى من خلال رحلة ملكة تحولت إلى رسامة فى سنوات الغربة عن وطنها وكِدَهُوَّن.

أتذكر جيدًا كيف يحرص الجميع على ميعاد برنامج سمير صبرى ويلتف أمام الشاشة الصغيرة للاستمتاع بجولة جديدة من جولات سمير صبرى فى عالم مخملى رائع كل مفرداته تنطق بالجمال والأناقة والذوق الرفيع بداية من أسلوبة المهذب الراقى وثقافته الموسوعية ونهاية بملابسه والديكورات والإضاءة الساحرة والفرقة الاستعراضية التى تصاحبه طوال الوقت لتنتهى الحلقة وقد استمتع الجميع بوجبة تليفزيونية دسمة وممتعة وكأنها رحلة خيالية على بساط الريح مع الساحر سمير صبرى بَعد أن اصطحبنا جميعًا معه فى جولة ممتعة إلى عالمه الخيالى الملىء بالضحك والموسيقى والرقصات والشخصيات المميزة وكأنه عالم يخلو من الأحزان والمشكلات والأزمات ونحن نتابع كل ما يقدمه ونتعلم ونستمتع دون أن نتحرك خطوة واحدة من مكاننا أمام شاشة التليفزيون وكِدَهُوَّن.

بمجرد أن تنتهى الحلقة من برنامجه الشهير (هذا المساء) لتبدأ أفراد أسرتى فى الاستعداد للنوم وكِدَهُوَّن.. كنت أدخل إلى غرفتى الصغيرة وأقف أمام المرآة وفى يدى فرشة شعرى أتخذها كميكروفون وأقف أقلده فى كل تصرفاته ولفتاته وضحكاته ثم أقفز فوق السرير بافتراض أنه خشبة المسرح وأقف أغنى وأرقص على نغمات أغنية محمد فوزى (فين قلبى فين قلبى يا ناس تاه منّى وإزاى ألاقيه) كما كان يفعل سمير صبرى برشاقة وخفة دم وتمكُّن وحرص على استحضار روح الفترة التى قدمت خلالها تلك الأغنية، وأظل طوال الليل أتخيل نفسى مذيعًا وأتحاور مع الكرسى والمكتب والمخدة وأعود لأغنّى مرّة أخرى أغنية فريد الأطرش (قلبى ومفتاحه) كما يفعل سمير صبرى فى برنامجة الاستعراضى الجميل الذى شكّل عقل ووجدان وشخصية المصريين فى تلك الفترة بعيدًا عن برامج النميمة والفضائح والخناقات والردح الإعلامى وإهانة الضيوف والضغط على مشاعرهم حتى تنهمر دموعهم فيكون هذا منتهى نجاحهم على جثة الضيف وكِدَهُوَّن.. فقد كان يقدم جرعة مكثفة من الفكر والفن والثقافة والجمال فى كل مفردات البرنامج الذى يقدمه والذى يشاهده الجميع ويتأثر به وبأسلوبه الراقى فى المناقشات والحوارات ويتعلم كيفية طرح قضية معينة دون أن يجرح أو يهين أى طرف من أطراف المشكلة، فقد كان يعى تمامًا دور الإعلام فى تشكيل شخصية الجمهور والارتقاء بمستوى ثقافة ووعى المصريين، ولعله من أهم الأسباب التى جعلتنى أعشق الإعلام والفنون بشكل عام وأسعى لأن أصبح جزءًا من هذا العالم الرائع وكِدَهُوَّن.

تميز سمير صبرى بشخصية إعلامية خاصة به فى زمن كان لكل مذيع شخصية وفكر وأسلوب منفرد ولا يتشابه ولا يتشابك مع الآخر، فالكل منهم يلعب فى ملعبه، وتلك كانت عظمة مدرسة ماسبيرو، فاستعراض وتنوُّع سمير صبرى تختلف عن وقار محمود سلطان وعُمق أحمد سمير وهدوء طارق حبيب ونُبل عبدالرحمن وخشوع أحمد فراج وكِدَهُوَّن.. فقد كان سمير صبرى وما زال بالنسبة لى هو النموذج المثالى لمذيع برامج التوك شو المثقف الذكى المبهج متعدد المواهب الذى أثر بشكل كبير على ثقافة ووعى المصريين واستيعابهم لكل ما هو جميل فى الفنون والآداب والحياة وكِدَهُوَّن.

سمير صبرى يمثل بالنسبة لى مرحلة ثرية بالفن والثقافة والبهجة والرقى والتنوع وقبول الآخر وحب الحياة والقدرة الرهيبة على تقبل الصدمات والإصرار على النجاح تحت كل الظروف والضغوط فيعود من جديد ليقف على رِجْليه متحديًا الإحباط والانكسارات فيحولها إلى انتصارات ليعيش إلى الأبد فى قلوب المصريين.