الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفيروس النادر الخطر القادم من إفريقيا جدرى القرود يغزو العالم

يثير فيروس جدرى القرود يومًا بعد يوم، قلقًا متزايدًا حول العالم، وسط مَخاوف من أن يعيد- هذا الفيروس الذى يصفه العلماء بالنادر- عقارب الساعة إلى الوراء، بينما دول العالم أجمع تتطلع إلى نهاية وشيكة لقيود جائحة «كورونا». 



فبَعد نحو نصف قرن من اكتشافه لأول مرّة؛ يعود «جدرى القرود» ليثير الرعب فى أكثر من قارة حتى الآن، إذ رُصدت عشرات الإصابات فى كل من أوروبا وأمريكا الشمالية وكذلك فى أستراليا إلى جانب شكوك انتقاله إلى آسيا. 

 

الفيروس الذى رُصد للمرّة الأولى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية فى سبعينيات القرن الماضى قبل إعلان القضاء عليه عام 1980.

ظهر فى شهر مايو الجارى فى عدة دول لا يتوطن فيها الفيروس، فيما تجرى الدراسات الآن لفهم هذا الفيروس بعمق ومعرفة مصدر العدوَى، وآلية انتشاره، وطرُق السيطرة عليه.

تحديات الوباء والحرب

فى الوقت الذى أعلنت عدة دول مؤخرًا حول العالم تسجيل إصابات بالمرض؛ حذّر رئيس منظمة الصحة العالمية من أن العالم يواجه تحديات «هائلة»، تشمل جائحة كوفيد والحرب فى أوكرانيا وجدرى القرود. 

جاء تحذير تيدروس أدهانوم غيبريسوس فى چنيف عندما كان يناقش خبراء المنظمة التابعة للأمم المتحدة تفشى مرض جدرى القرود فى 15 دولة خارج إفريقيا. 

حيث تم تأكيد أكثر من 120حالة إصابة بالمرض حتى الآن، فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإسرائيل.

كما نبهت منظمة الصحة العالمية إنه يجرى حاليًا التحقق من 50 حالة أخرى يشتبه بأن تكون لجدرى القرود- دون أن تذكر بالاسم الدول التى ظهرت فيها، وحذرت أن من المرجح تسجيل المزيد من الحالات. 

فبالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإسرائيل، تأكد ظهور إصابات بالمرض فى تسع دول أوروبية. 

 بؤرة تفشى الوباء

أبرزها المملكة المتحدة التى بدأ منها انتشار الفيروس إلى باقى الدول الأوروبية، وقد صرّحت وكالة الأمن الصحى فيها أنها اكتشفت 36 حالة إضافية من جدرى القرود فى البلاد. 

وبإضافة الحالات الجديدة التى عثر عليها فى اسكتلندا، يرتفع إجمالى عدد الإصابات فى المملكة المتحدة وحدها إلى 57 حالة.

فيما اعترفت كبيرة المستشارين الطبيين فى المملكة المتحدة، الدكتورة سوزان هوبكنز باكتشاف المزيد من الحالات على أساس يومى. 

وصرّحت «إن الفيروس ينتشر الآن فى المجتمع- مع اكتشاف حالات كل يوم ليس لها اتصال بأى شخص زار غرب إفريقيا؛ حيث يتوطن المرض». 

لكن هوبكنز قالت إن الخطر على عامة السكان لا يزال «منخفضًا للغاية»، مع وجود معظم الحالات حتى الآن فى بعض المناطق الحضرية.

الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا سجلت حالات إصابة وكذلك إسبانيا والبرتغال أعلنتا تسجيلهما لإصابات مؤكدة أو يشتبه فى أنها جدرى القردة.

فيما أعلنت السُّلطات الأسترالية أنها رصدت حالات عدوَى محتملة بهذا المرض، وأبرزها لمسافر عاد مؤخرًا من أوروبا.

 إسرائيل الأولى فى الشرق الأوسط

وانضمت إسرائيل- تُعَد أولى الدول فى الشرق الأوسط التى تظهر فيها حالات- وسويسرا إلى قائمة الدول الموبوءة كأحدث مَكانين يؤكدان حالات إصابة بفيروس جدرى القردة، مما يرفع إجمالى عدد الدول التى أبلغت عن تفشى المرض إلى أكثر من 15 دولة، بَعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها 12 دولة، وهو ما يرفع حالات الإصابة إلى ما فوق المائة، والحالات الحرجة منهم فوق الـ20.

من جانبه قال الرئيس الأمريكى چو بايدن عن تفشى المرض إنه «إذا انتشر الفيروس على نطاق أوسع سيكون ذلك ما يتم حياله»، ذاكرًا أن الولايات المتحدة «تعمل جاهدة» على استجابتها وما هى اللقاحات التى قد تستخدمها.

 مخاوف عربية

ومع تزايُد التحذيرات العالمية من رصد حالات متزايدة لأشخاص مصابين بجدرى القرود، تتأهب دول عربية لمراقبة حدودها وفرض إجراءات لرصد المرض. وفيما أعلن المغرب عن رصد حالات يشتبه فى إصابتها بجدرى القرود، يخشى البعض من إغلاق جديد.

دول تعلن وأخرى تنفى

وكانت أنباء تحدثت عن وجود إصابة بجدرى القرود فى ولاية قابس بَيْدَ أنَّ السُّلطات الصحية التونسية نفت وجود أى إصابة، وأكدت خلو المنطقة من إصابات بالمرض حتى الآن.

وفى لبنان تحدثت عدة مصادر إخبارية لبنانية محلية عن وجود حالتَى إصابة مشتبه بهما. ووفقًا للمصادر الإخبارية فإنه لم يتم تأكيد الإصابة بجدرى القرود، بَيْدَ أنّ هناك احتمالية لذلك؛ حيث تم رصد الإصابات فى جنوب لبنان، لمسافرين لبنانييْن عائدَيْن من إفريقيا. وبشكل عام تسود حالة تأهب واستعداد فى الدول العربية، والدول المجاورة؛ خصوصًا أنه لم تثبت حتى الآن أى إصابة داخل أى دولة عربية.

الفيروس النادر

أشار خبراء مختصصون فى مجال الأوبئة أن جدرى القرود هو مرض فيروسى نادر، ظهر عام 1970 ويعاود الآن الظهور مرة أخرى؛ وهو بحسب مجلة فوربس الأمريكية مستوطن بغرب ووسط إفريقيا وأن أول حالة بشرية سجلت به كانت فى جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1970؛ وأنه منذ ذلك الحين ظهرت الإصابات البشرية فى الكونغو والكاميرون ومنهما إلى دول إفريقية عدة ثم انتشر خارج القارة السمراء.

ففى عام 2003، ظهر الفيروس للمرة الأولى فى الولايات المتحدة الأمريكية وكانت هذه المرّة الأولى التى يظهر فيها الفيروس خارج إفريقيا وانتقل المرض فى ذلك الوقت عن طريق مخالطة حيوان كلب المروج الذى انتقلت إليه العدوَى من بعض الثدييات وبلغ عدد الإصابات فى ذلك الوقت ثمانى عشرة حالة من دون تسجيل أى وفيات.

وفى عام 2017، شهدت نيجيريا أكبر انتشار للمرض؛ حيث ظهرت 172 حالة آنذاك ومع الانتشار المتزايد لحالات الإصابة بفيروس جدرى القرود زادت المخاوف من خطورة هذا المرض على حياة الإنسان وكيفية الوقاية منه.

لا ذنب للقرود

توصل العلماء إن القوارض هى المستودع الرئيسى للفيروس؛ فرُغم التسمية (جدرى القرود)؛ فإن هذا المرض لا ينتقل فى الأساس من القرود وذلك بحسب خبير مختص فى جدرى القرود، الذى صرّح أن التسمية خاطئة إلى حد ما. مشيرًا إلى أنه ربما ينبغى علينا أن نطلق عليه «جدرى القوارض» مثل السناجب أو الجرذان التى تنشر الفيروس عبر الخدش أو العض أو ملامسة سوائلها.

وأن سبب إلصاق التسمية بالقرود يرجع إلى أن أولى الحالات الموثقة بالمرض ظهرت فى عام 1958 بين القرود فى معمل أبحاث كان يضم قرودًا كانت تجرى عليها تجارب علمية.

أخطر السلالات

أوضح أيضًا بأن جدرى القرود هو مرض فيروسى تشمل أعراضه: الحمّى والصداع والطفح الجلدى والآلام فى العضلات والظهر وتضخم فى الغدد الليمفاوية وقشعريرة وإرهاق ما يفضى فى النهاية إلى طفح جلدى وبثور مؤلمة مليئة بالسوائل.

يظهر الطفح عادة على الوجه ثم يصيب اليدين والقدمين ويميل إلى التطور خلال يوم إلى ثلاثة أيام.

وهناك سلالتان رئيستان من هذا الفيروس؛ الأولى سلالة الكونغو وهى أكثر خطورة، والأخرى هى سلالة غرب إفريقيا ويبلغ معدل الوفيات بها نحو واحد بالمئة.

يصاب البشر بجدرى القرود عن طريق الاتصال الوثيق مع الحيوانات المصابة أو تناوُل اللحوم غير المطهية من الحيوانات المصابة بالمرض، والمرض لا ينتشر بسهولة ولا ينتقل عبر الهواء لمسافات طويلة ولكن عن طريق المسافات القريبة أقل من متر واحد، وعن طريق ملامسة رذاذ الجهاز التنفسى والاتصال الجسدى وينتقل أيضًا عبر الأنسجة الملوثة مثل الثياب وأغطية السرير. 

حرب بيولوچية

وفيما أعرب العديد عن تخوّفهم من فيروس جدرى القرود، اعتبره البعض أزمة عالمية جديدة، ورجّح البعض الآخر أن يكون جزءًا من حرب بيولوچية عالمية. 

كونوا مستعدين

بل كانت هناك رسائل تحذير أطلقها العديد من المختصين عبر حساباتهم الشخصية مفادها «كونوا مستعدين» للوباء الجديد، وذلك تعليقًا على أنباء التوغل البطىء الذى ينتشر به فيروس جدرى القرود عالميًا؛ وبخاصة فى دول أوروبا. 

تدعم هذه المخاوف تفسيرات خبراء الأمن  البيولوچى والصحة عن أسباب ظهور تلك الأمراض فى الآونة الأخيرة؛ وكان أبرز تلك التفسيرات هو تسهيل التطور التكنولوچى لتصميم مسببات الأمراض حسب الطلب؛ لتحقيق أقصى قدر من الانتشار. 

وبأن «كوفيد- 19» ومتحوراته، أظهرت مدى انكشاف الدول على الحرب البيولوچية. 

فبحسب هؤلاء «كان فيروس كورونا المستجد بمثابة دعوة للاستيقاظ».. هذا ما قاله جيمس چيوردانو، المدير التنفيذى لمعهد أبحاث الدفاع البيولوچى وأستاذ علم الأعصاب فى جامعة چورج تاون فى واشنطن، وهو يدرس كيف يمكن تسليح تكنولوچيات العلوم البيولوچية.

خطر محدق: 

ويعتقد أيضًا أن هناك «خطرًا بنسبة 100 % تقريبًا» من جيل جديد من الأسلحة البيولوچية يتم نشرها فى مكان ما فى العالم «خلال السنوات الخمس المقبلة».

وهذا ما جعل البعض أيضًا يربط بين الفيروس والحرب فى أوكرانيا، إذ بدا أنه نوع جديد من الحرب النفسية والدعائية التى يقودها الغرب ضد روسيا، ما نشرته وسائل إعلام بريطانية مؤخرًا من اتهامات ضد موسكو فيما يخص فيروس جدرى القرود، وتوجيه أصابع الاتهام باحتمال ضلوع روسيا فى انتشاره.

فقد زعمت صحيفة «ديلى ميرور» البريطانية، أن روسيا نظرت فى إمكانية استخدام فيروس جدرى القرود كسلاح بيولوچى.

وأيّدوا استنتاجهم إلى تصريحات العقيد السابق فى الجيش السوفيتى، عالم الأحياء الدقيقة كاناتشان أليبيكوف. الذى انتقل بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، إلى الولايات المتحدة؛ حيث تواصَل بنشاط مع وسائل الإعلام المحلية حول عمله.

وبحسب الصحيفة؛ فإن أليبيكوف ادّعى وجود تجارب جارية على جدرى القرود. كما أشار عالم الأحياء الدقيقة إلى أن العمل على صنع أسلحة بيولوچية فى وطنه لم يتوقف. 

واعتبر خبراء آخرون أن انتشار هذا الوباء فى أوروبا قد يشير إلى طفرات جديدة أصبحت قادرة على الانتشار خارج البيئات الاستوائية الماطرة.

هلاك أمْ طوق نجاة:

وفى سياق ردود الأفعال العالمية حول انتشار الوباء، يرى العلماء أنه لا يوجد لقاح محدد لهذا المرض لكن لقاح الجدرى يوفر بعض الحماية بنسبة 85 % ؛ وهو يجعل أنه من غير المرجح تحوله إلى جائحة عالمية مثل «كوفيد 19».

ومن ثم برزت تساؤلات مثل: هل يُعَد تطعيم الجدرى وحده كافيًا لمواجهة هذه الجائحة العالمية أمْ تكون الحرب الدائرة فى شرق آسيا سببًا فى انتشار المرض أمْ يكون الفيروس طوق النجاة لانتهاء الحرب.