الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السويد وفنلندا تودعان حيادهما فهل ينجح «الناتو» فى تطويق الدب الروسى؟! الأشهر الأخطر فى تاريخ أوروبا والعالم

نتائج مبكرة للحرب الروسية المستمرة على أوكرانيا، أهمها انضمام دول أوروبية جديدة لحلف شمال الأطلسى ( الناتو )، قريبة من الفضاء الاستراتيجى الروسى.



فبالرغم من أن هناك 20 دولة أوروبية إلى الآن غير أعضاء بالحلف، فإن انضمام كل من السويد وفنلندا يمكن أن يفتح مجالا أوسع أمام دول أوروبية أخرى للحاق بهاتين الدولتين اللتين طرقتا مؤخرا باب الناتو لدخوله.

 

لا أحد كان يتوقع أن تنضم دول مثل فنلندا والسويد- المعروفتين بحيادهما - إلى الحلف العسكرى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا، لكن الحرب التى شنتها الأخيرة لإبعاد أوكرانيا من الممكن أن تقرب دولا أخرى للحلف الغربى. 

قمة مدريد 

لتجد موسكو نفسها أمام امتحان وجودى، فالغرب من حولها يتكتل ويرفع ويعزز من قدراته وميزانياته العسكرية، ويفرد لنفسه ساحات مواجهة محتملة أكبر لم تكن مرجحة قبل الحرب، كما أن أهداف التحام حلف شمال الأطلسى (الناتو ) مجددا قد تتحقق كاملة، لاسيما مع انعقاد قمته المقبلة المقررة فى العاصمة الاسبانية مدريد يومى 29 و30 يونيو المقبل. 

إذ تم الإعلان عن أن هدف قمة الناتو المقبلة سيكون «تعزيز التماسك» داخل الحلف، ومراجعة مفهومه الاستراتيجى من أجل مواجهة «التحديات» فى ما يتعلق بالشؤون الأمنية. 

كما سيتم فيها أيضا وضع خطط التزام جميع الدول الأعضاء فى الحلف بتخصيص 2 % من ناتجها المحلى، لتمويل ميزانية الحلف العسكرية التى قد تصل إلى 1.5 تريليون دولار خلال العامين القادمين، حيث تعهدت جميع دول حلف شمال الأطلسى، 21 منها أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بتخصيص 2 % من ناتجها المحلى الإجمالى للإنفاق العسكرى فى عام 2024.

الانتقام المؤجل 

إعلان كل من فنلندا والسويد التخلى عن الحياد والانضمام إلى حلف الناتو، أرجع البعض أسبابه ليس فقط إلى تحريض أمريكى غربى لتلك الدول ولكن أيضا إلى رغبة انتقام مؤجلة لها دوافع تاريخية  لدى تلك الدول من موسكو، إذ تشهد الحدود الروسية الفنلندية على عداء قديم بين البلدين أنشأته مخاوف الاتحاد السوفيتى الأمنية على مدينة ليننجراد القريبة من الحدود مما دفع موسكو عام 1939 إلى غزو فنلندا بعد أن فشلت الجهود الدبلوماسية بإقناع هلسنكى بتبادل أراضٍ مع الاتحاد السوفيتى. 

استمرت الحرب شهورا قبل أن يحتل السوفييت تسعة فى المائة من الأراضى الفنلندية.

وبعد سنتين أقدم الجيش الأحمر على حرب جديدة عرفت باسم حرب الاستمرار، كمواصلة لحرب الشتاء التى حقق فيها نصرا كبيرا على فنلندا مما أوقعها بعد ذلك فى فخ الحياد، وقد شكل النصر السوفيتى حينها هزيمة للنازيين أيضا، إذ كانوا يدعمون فنلندا ونصرا للولايات المتحدة التى دعمت حينها الاتحاد السوفيتى. 

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انتهجت فنلندا سياسة محايدة وعقدت اتفاقية للتعاون المشترك مع الاتحاد السوفيتى حتى كان عام 1990، حين انهار الاتحاد السوفيتى وأصبحت فنلندا عضوا بالاتحاد الأوروبى. 

إلا أنه  فى السنوات الأخيرة،   باتت الدول الاسكندنافية  تتابع ما تراه عودة الأطماع الروسية فى محيطها، ولذلك انضمت كل من النرويج والدنمارك وأيسلندا لحلف الناتو، واليوم تطالب جارتاها فنلندا والسويد بالانضمام للحلف أيضا فيما تعتبره روسيا تهديدا لها.

من الحياد إلى التهديد 

فى هذا السياق، يجد بعض المراقبين أنه إذا كانت أوكرانيا تعد تهديدا محتملا لروسيا لاقتراب الناتو منها، فإن تغيير وضعية السويد وفنلندا من الحياد إلى الانضمام لحلف الأطلسى يُعد تهديدًا جيوسياسيا مباشرا لروسيا، فهذه الدول لا تقل خطورة، بل قد تزيد حتى عن أوكرانيا بالنسبة لروسيا، خصوصا فنلندا التى تبلغ حدودها مع روسيا أكثر من 1340 كم.

وبقرار الانضمام للحلف ستصبح فنلندا وسيلة تهديد الناتو الأمنية لموسكو التى شنت حربا على أوكرانيا للسبب ذاته حماية لحدود طولها 1972 كم، وفى نفس الوقت سيظفر الحلف بالسيطرة على بحر البلطيق بأكمله باستثناء الأراضى الروسية، حيث يشغل بحر البلطيق أهمية استراتيجية لروسيا لكون مياهه شبه دافئة. 

كما أنه بانضمام السويد، سيدخل السلاح السويدى أيضًا خدمة الناتو وهو السلاح الذى يصنف بالسادس أوروبيًا والتاسع والثلاثين على مستوى العالم.

ولذلك وعلى الرغم من التحذيرات الروسية من مغبة انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، ولكن تسارعت الخطى لضم كلا البلدين كأعضاء فى الحلف، حيث أعلنت فنلندا تقدمها بطلب رسمى للانضمام، كما وافق الحزب الحاكم فى السويد «الحزب الاشتراكى الديمقراطى الحاكم» على أهمية انضمام السويد للحصول على عضوية الحلف، وعقد وزراء خارجية الدول الأعضاء فى الناتو اجتماع غير رسمى رحبوا خلاله بانضمام البلدين، والعمل على الإسراع فى إنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بالانضمام، ومناقشة كيفية تقديم ضمانات أمنية وتكثيف حضور قوى للحلف فى منطقة البلطيق وفنلندا والسويد. 

حرب ثالثة 

فالغرب يدرك أن انضمام البلدين إلى الحلف قد يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومى الروسى، لأنه سوف يعزز من التواجد العسكرى الأمريكى الأوروبى على حدود التماس الروسية، وبالتالى انشاء قواعد عسكرية وبطاريات صواريخ تحمل رؤوس صواريخ نووية، فضلا عن نشر مجموعات قتالية متعددة الجنسيات كما حدث من قبل فى كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا فى نوفمبر 2018.

ويأتى ذلك فى إطار قيام دول الحلف بالدفاع عن اى اعتداء على أحد أعضائه، وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف، الامر الذى قد يُنذر بحرب عالمية ثالثة بين الغرب وروسيا.

ولذلك بات العالم أجمع فى حالة ترقب وانتظار لرد الفعل الروسى، الذى قد يحدد شكل الصراع القادم فى المنطقة. 

على الجانب الآخر، يرى مراقبون أن ما لدى موسكو من أوراق ضغط لا يتعلق فقط بمحددات ومستقبل  الحرب على الأراضى الأوكرانية، ولكن ايضا بإحداث اضطرابات فى أمن القارة الأوروبية، وكذا فى أسعار الغاز والبترول والقمح عالميا.

فروسيا تمنع فعليا أى تصدير للقمح من أوكرانيا منذ بدء الحرب، ومع منع الهند للتصدير فالأزمة العالمية ستؤدى إلى خنق الاقتصاديات العالمية وربما تحدث اضطرابات فى الكثير من بلدان العالم الثالث.

تكتيكات هجينة

وعلى الرغم من ان تقديم كل من السويد وفنلندا طلب الانضمام للناتو رسميا قد يشى بأن تلك الدول قد تطوق الدب الروسى بحلف الناتو  جراء الانتشار السريع للحلف على الحدود الروسية، حيث سيشجع انضمامها دول أوروبية أخرى على طرق باب الدخول إلى الحلف وبقوة مثل أسكتلندا التى أعربت مؤخرا عن رغبتها فى ذلك.

ولكن وبالتزامن مع مشاهد استسلام مئات الجنود الأوكران وبينهم عشرات الجرحى، للقوات الروسية فى مصنع آزوفستال المحاصر فى مدينة ماريوبول الأوكرانية، بعد أشهر من القصف، وسيطرة روسيا بالكامل على المدينة، بعدما كان المصنع آخر معقل للمقاومة الأوكرانية، فقد أعربت جهات غربية بعد تلك المشاهد عن مخاوف من احتمالية قيام روسيا بـ«تكتيكات هجينة» ضد السويد وفنلندا، هذا ما نقلته مجلة «فورين بوليسي» عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، بأن «احتمال قيام روسيا بأى تحركات عسكرية علنية ضد فنلندا أو السويد، بعيد المنال، لكنهم حذروا من أن الكرملين قد يقوم بالرد على شكل تكتيكات هجينة، مثل الانتقام الاقتصادى أو الهجمات الإلكترونية أو حملات التضليل». 

وفى هذا الصدد، قالت «فورين بوليسى»: «يعتقد المحللون أن الرد الروسى قد يأتى على هيئة هجمات إلكترونية على البنية التحتية، ومحاولات التدخل، والمضايقات العامة فقط». 

التحفظات التركية 

أما فيما يتعلق بالتحفظات التركية على انضمام الدولتين للحلف دون تحقيق مطالبها التى تحفظ أمنها القومى - كما جاء فى تصريحات المسئولين الأتراك وأبرزها تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فقد أرجعت مسئولة بارزة فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية ذلك إلى أن الرئيس التركى يفكر بمصالح خاصة من خلال اعتراضه على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو. 

وأشارت إلى أنه من خلال التهديد التركى بمنع دولتى الشمال الأوروبى من الانضمام بسبب فشلهما المزعوم فى مكافحة «الإرهاب الكردى»، ربما يحاول أردوغان الضغط على الكونغرس الأمريكى للسماح لتركيا بشراء طائرات مقاتلة من طراز F-16، أو قد يسعى للحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبى لاستضافة أنقرة اللاجئين السوريين.

وأضافت: «من غير المحتمل أن يكون لدى أردوغان هدف سياسى واحد بعينه، لكنه بلا شك يتوقع أن يتم إقناعه ومكافأته فى النهاية على تعاونه، كما فى الماضى».