الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. أفلامنا الحلوة أوى

كدهوّن!.. أفلامنا الحلوة أوى

لا يزال لأفلام الأبيض والأسود سحرٌ خاصٌ فى وجدان المصريين حتى يومنا هذا، نحرص على مشاهدتها باستمرار ونتعامل مع أبطالها على أنهم  أفراد أسرتنا نحبهم ونضحك معهم ومنهم ونغضب منهم ونترحم على أيام مضت وذكريات توارت ومفردات حياة نفتقدها وكِدَهُوَّن.. فمن منّا لم يبكِ مع أمينة رزق ويرتعد من صيحات يوسف وهبى المسرحية ويخشى غضب زكى رستم ويتجنب نظرات نجمة إبراهيم القاتلة ويحلم مع صوت ليلى مراد ويرقص مع صوت محمد فوزى ويضحك مع إسماعيل يس ويردد «كتاكيتو بُنّى» مع زينات صدقى ونعيش حلاوة الحب البرىء مع شادية وكمال الشناوى ويتألم من قصص الحب غير المكتمل مع فاتن حمامة ويحضن سعاد حسنى فى خياله العاشق لفتاة أحلامه..



 

 وكِدَهُوَّن تحتل الأفلام الأبيض والأسود مكانًا خفيًا فى قلوبنا ربما لا نفصح عنه وسط دوامه الحياة والأعباء اليومية ولكنه يظل دائمًا فى القلب كجزء جميل من طفولتنا وذكرياتنا يجعلنا نتغاضى عن مبالغتها وأحيانًا سذاجتها فى طرح القضايا وأسلوب تناوُلها ولكنها تحتل دائمًا مكانًا فى قلب كل مصرى وكِدَهُوَّن.. وللفنانة فاتن حمامة مَعَزّة خاصة جدًا فى قلبى منذ طفولتى، كان يبهرنى جمالها الهادئ وأداؤها الرزين وأتعاطف معها بشكل خاص لاعتقادى فى ذلك الوقت أنها مريضة بالفعل وليس مجرد تمثيل؛ وذلك لتكرار قيامها بأدوار الفتاة المريضة بجميع أنواع الأمراض المتاحة فى هذه الفترة من شلل لضعف فى القلب للإصابة بفقدان البصر وأخيرًا مريضة بالسّل كما شاهدناها فى فيلم (أيامنا الحلوة) وبكينا بحرقة لموتها فى نهاية الأحداث وهى تلقى بنظرتها الأخيرة من النافذة على حبيبها عمر الشريف وتمنيت لسنوات طويلة أن تعود الحياة لتسعد بدفء الحب فى أحضان حبيبها ولكن الكلمة الأخيرة كانت لصناع الفيلم الذين كان لهم رأى آخر وكِدَهُوَّن.. لا أزال أستمتع بفيلم (أيامنا الحلوة) حتى يومنا هذا وألمس بشدة طبيعة الشخصية المصرية التى قد تنفعل وتغضب وتتشابك بالأيدى ولكن لحظة المحنة ننسى خلافاتنا ونجتمع على قلب رجل واحد وكِدَهُوَّن.

إعادة قراءة الأفلام القديمة تتيح للمُشاهد اكتشاف مواطن الجمال والمتعة وأيضًا إدراك الهفوات والسقطات التى وقع فيها صناع الفيلم رغم أننا نتغاضى عنها بكامل إرادتنا لعشقنا لتلك الأفلام وكِدَهُوَّن.. عودة لفيلم (أيامنا الحلوة) نجد أن جميع الممثلين بمن فيهم مَن قام بدور الأطباء تجنبوا تمامًا ذكر اسم مرض فاتن حمامة واكتفوا بالإشارة إلى أنه مرض خطير ومُعد مع الحرص الكامل على عدم ذكره صراحة كطبيعة المصريين بشكل عام حتى يومنا هذا يتحدثون بالرموز عند إصابة أحدهم بمرض خطير ويكتفون بكلمة المرض الوحش ويتركون الآخر يستنتج طبيعة المرض وكِدَهُوَّن.. نرى عمر الشريف يدخل غرفة فاتن حمامة بعد معرفته بحقيقة مرضها ليدور هذا الحوار الغريب بينهما.

استمرارًا لأمراض فاتن حمامة السينمائية وكِدَهُوَّن فى فيلم (أيامنا الحلوة) فضلوا يتكلمون طوال الفيلم عن مرض فاتن حمامة (مرض صدرى) من غير ما ينطقوا اسمه بصراحة وكِدَهُوَّن ودخل عمر الشريف عليها أوضتها وكان هذا الحوار المريب: فاتن: الدكتور قال عندى إيه؟ 

عمر: أبدًا مجرد إجهاد وشوية برد.

فاتن: لا يا أحمد أنا عارفة عندى إيه، أمى كانت عندها نفس المرض ده.

عمر: أنت بتقولى إيه، أنت ماعندكيش حاجة أبدًا. 

فاتن بحسوكة: طول عمرى كنت خايفة من المرض ده. 

عمر بسفالة: علشان كده ما كنتيش بتخلينى أبوسك؟

فسبلت عينيها فى حنكة أنثوية فهجم عمر الشريف عليها ليضع قبلة طويلة المدى على فمها لرفع معنوياتها المنهارة ولدعم قوتها على مقاومة المرض. 

وكِدَهُوَّن وكأن أى بنت ترفض القبلة قبل الجواز يبقى عندها السّل بمنطق أصحاب الفيلم!!.. ويأخذ الفيلم منعطفًا آخر بعيدًا تمامًا عن تلك البهجة التى قدّمها فى بدايته وصراع الأبطال على الفوز بقلب الفتاة الجميلة وكِدَهُوَّن.

ورغم أن البطلة كانت مصابة بمرض صدرى (سُل) إلا أن الدكتور طلعت فى دماغة يعملّها عملية جراحية بدون أى أسباب منطقية، إلا أنها خضعت لإرادة الطبيب وأجرت الجراحة العاجلة وفور إفاقتها من التخدير دخل عليها ذلك الطبيب بوجه عابس كبومة سوداء تقف على نافذة بيت مهجور فى ليلة مظلمة وقال لها بابتسامة رجل متمرس على ممارسة السادية على المرضى.

الدكتور: الحالة كويسة جدًا، بس المهم بلاش تتكلمى كتير والأهم بلاش تتحركى خالص. 

فاتن: إمتى يادكتور هاخرج من المستشفى؟

الدكتور باستظراف: أنت أوام زهقتى منّنا؟

فاتن بحسوكة: لا أبدًا، بس أنا وخطيبى اتفقنا إن أول ما نخرج نكتب الكتاب

الدكتور بسماجة: أنت صغيرة أوى على الجواز، استنى سنتين تلاتة. 

فاتن برجولة: ليه يا دكتور؟!

الدكتور بهَطل: فترة الخطوبة دايمًا بتبقى جميلة. 

فاتن بسهوكة: بس أنا وخطيبى لنا ظروف تانية وأنا وعدته أشتغل بكل قوتى علشان أساعده. 

فجأة مال عليها الدكتور بشكل مريب وفى عينيه نظرة مجنون وهو يقول لها: مش قلت لك الكلام بيتعبك، بلاش تتكلمى خالص.  فاتن بفزع حقيقى: هو أنا مش هخف يادكتور. 

الدكتور بسادية: يابنتى أنا هاكلمك بكل صراحة (ياريته ماتكلم)..

المفروض مش هاتخرجى من المستشفى قبل تلت أو أربع شهور وبعدين تقعدى سنتين تلاتة فى راحة تامة ما تعمليش أى مجهود نهائى وأنصحك ما تفكريش بالجواز أبدًا أبدًا. 

فاتن باكية: يعنى لا هقدر أتجوز ولا أشتغل يبقى هاعيش ليه؟!

الدكتور البومة مش يسكت بقى لمّا شافها منهارة وبتعيط ويتنقل لعيان تانى يعكنن عليه وكِدَهُوَّن.. قرر يكمل عليها: قلت لك أى حركة ولو صغيرة فيها خطر على حياتك.

 تنظر له فاتن نظرة ذات مغزى وتقريبًا كانت بتشتمه فى سرّها ثم تقرر الانتحار بأن تتحرك حركة صغيرة إلى الشباك فتأخذ الستارة فى حضنها وتقع وتموت من المجهود الذى بذلته للوصول إلى النافذة، رغم أن الدكتور أكد لى أن العملية نجحت ولكن المريضة ماتت كما تقول النكتة الشهيرة وانتهى الفيلم دون أن نعلم اسم مرض فاتن حمامة.. وكِدَهُوَّن نجد أن أفلام الخمسينيات اعتمدت بشكل كبير على تقدم الميلودراميا والفواجع والنهايات التعيسة حتى إن فاتن حمامة عندما قامت فى تلك الفترة بدور فتاة فى كامل صحتها وحيويتها فى فيلم (لا أنام) اتحرقت فى آخر الفيلم وكأن هذا هو قدر عشاق الفنانة. فاتن حمامة وكِدَهُوَّن نشاهدها وهى تموت مرات ومرات على الشاشة الفضيةلتظل خالدة لا تموت فى قلوبنا.