الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!..  الست ظاظا..

كدهوّن!..  الست ظاظا..

 وقعت منذ طفولتى فى عشق الست ظاظا بنت البلد الجدعة النغشة خفيفة الروح والحركة التى تحمل بين جوانبها قلب أم يسع بداخله كل الكائنات الضعيفة، سواء كانت حيوانات أليفة أو إنسانًا ضعيفًا قليل الحيلة وكدهون، تلك الشخصية التى لعبت دورها الفنانة وداد حمدى فى فيلم «الأيدى الناعمة» بخفة ظل وتلقائية، وفى الوقت نفسه تتمتع بشخصية قوية وصاحبة رأى وقرار يجعلها النموذج النسائى الإيجابى فى الفيلم بعيدًا عن البطلات الثلاث الجميلات اللاتى اختزلن وجودهن فى الحياة فى أنوثتهن فقط، حتى التى اضطرت للعمل كرسامة لجأت للعمل فقط لأنها غير متزوجة ولا يوجد رجل يتحمل مسئوليتها وينفق عليها، وهى الشخصية التى لعبت دورها الفنانة مريم فخر الدين، وكأن الفيلم يروج بشكل مباشر لفكرة أن العمل الجاد مسئولية الرجال فقط، وعلى النساء الاكتفاء بالأعباء المنزلية من طبيخ وغسيل وخياطة وما شابه ذلك.



 فلم نر الفيلم يقدم مثلًا شخصية طبيبة أو مهندسة أو عالمة او مدرسة رغم أن مصر قدمت للعالم العالمة العبقرية دكتورة سميرة موسى منذ الأربعينيات من القرن الماضى، والدكتورة سهير القلماوى، والدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ، والمدرسة نبوية موسى، والمحامية مفيدة عبدالرحمن وغيرهن كثيرات، إلا أن الفيلم كان فى معزل تمامًا عن ذلك الواقع، فلم يقدم أى شخصية نسائية تعمل بشكل جاد باستثناء الست ظاظا صاحبة محل الجزارة وتتحمل مسئولية البيت ومحل الجزارة بمفردها دون أى شعارات أو شكوى ومذلة أو دعم من منظمات نسائية أو للاتحاد النسائى وهى فى ذلك مثلها مثل ملايين المصريات المكافحات بشرف وعزيمة للحفاظ على أسرتهن من الانهيار أو الضياع دون شكوى أو ضجيج وكدهون، وقفت مكان زوجها فى محل الجزارة عندما قبض عليه وهى مهنة شاقة وتحتاج لجهد وشخصية قوية، ولم تقف مكتوفة الايدى تنتظر من يتفضل عليها بالمساعدة أو تتحجج بأن الجزارة مهنة رجال ولا تصلح للنساء، بالعكس أثبتت كفاءتها، وأدارت المحل بحنكة ونجاح حتى عاد زوجها وكدهون، وفى نفس الوقت نلمس إنسانيتها المفرطة وما تحمله بداخلها من طيبة ورحمة وعطف، متمثلة فى حبها الجارف للقطط وتعاملها معها على أنها أفراد أسرتها، وهو سلوك يدركه جيدًا كل من يهتم بتربية القطط أو الكلاب، حتى أنها أطلقت على القطط أسماء بنى آدمين لأنها تراها بروحها وعاطفتها وإنسانيتها وتعتبرها أفراد أسرتها، ولكن صناع الفيلم كان لهم رأى آخر فى تلك الشخصية الساحرة فتعاملوا معها بتعالٍ شديد وطبقية مفرطة، رغم أن فكرة الفيلم تتحيز للعمل كقيمة إنسانية فى حد ذاتها، وتدعو الجميع للعمل وكدهون، نجدهم بالفعل يتحيزون لفئة العاطلين على حساب الست ظاظا التى جعلوها مادة خصبة لسخريتهم هى وزوجها، على اعتبار أن سلوكهم يفتقد للياقة والرقى اللازم لاحترامهم اجتماعيًا، فيركز صناع العمل على زوجها وهو يأكل البطيخ ويلقي القشر على الأرض فى شكل منفر لا يحدث عادة فى الطبيعة، لأن الاهتمام بالنظافة بشكل عام لا يتطلب معرفة عميقة بأصول الإتيكيت، وفى الوقت نفسه نجد صانع الفيلم يغض بصره عن سلوك مريم فخر الدين بنت البرنس وصديقها فى الحديقة العامة عندما انتهت من أكل الجيلاتى وألقت بالكوب الفارغ على الأرض أسفل المقعد الذى تجلس عليه بشكل عفوى جدًا، وكأن شيئًا لم يكن، وكذلك فعل صديقها العاطل عن العمل والذى قام بدوره الفنان صلاح ذو الفقار فى مشهد مستفز للغاية وكدهون، نجد صناع الفيلم يتحيزون بقوة لجانب الفتيات الجميلات، الصبوحة الشحرورة، ومريم فخر الدين، وليلى طاهر، ويدعم استغلالهن لأنوثتهن ولفت انتباه الرجال والاستفادة من ارتباطهم العاطفى بهن للإنفاق عليهن، فنجد الصبوحة تستغل أنوثتها الطاغية (ب فتحة ب بحبك ب كسرة ب بشدة) لإغواء البرنس والسيطرة عليه حتى تسيطر عليه تمامًا ثم تحركة كدمية مسلوبة الإرادة ينفذ كل طلباتها بدون تفكير أو اعتراض، وكأن النساء لن تنجحن فى الحياة إلا باستخدام أنوثتهن فقط، ولا داع لتعليمهن علمًا مفيدًا طالما أن سلاحهن هو أنوثتهن فقط دون الحاجة أبدًا لسلاح العلم والثقافة، كما يقدمهن الفيلم وكدهون، نجد الفيلم بشكل عام لا يؤمن بأهمية العلم والتعليم ويروج لفكرة أن الفنون والسياحة مهن من لا مهنة له، فنجد البرنس فجأة يعمل مرشدًا سياحيًا ويقود أتوبيسًا نهريًا دون دراسة أو تدريب، وكذلك يتحول صلاح ذو الفقار لنجم سينمائى بالصدفة بعد أن قرأ إعلانًا فى الجرايد لشركة إنتاج سينمائى تبحث عن وجه جديد، رغم أنه لم يكن لديه أى رغبة أو اهتمام من قبل بالفنون وبالتمثيل بشكل خاص، ولم يحاول أن يدرس تلك العلوم بشكل أكاديمى على افتراض أنه يمتلك الموهبة وكدهون، ومن الغريب أيضًا أن الفنان صلاح ذوالفقار كان يسخر من عدم رغبة البرنس فى العمل رغم أنه هو نفسه لا يعمل ولا يحاول البحث عن عمل بل ويعيش عالة فى قصر البرنس، ومتفرغ فقط لمغازلة ابنته مريم فخر الدين، ووصل به الأمر أنه طلب منها أن تدفع ثمن الجيلاتى بمنتهى الأريحية وبدون أن يهتز له جفن، قال لها: أنا مش معايا فلوس، لو عايزة ادفعى انت وكدهون، ونصدم بسلوك البرنس الذى يمثل الطبقة الراقية فى السلوك والتربية فى أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم، فنراه يطفئ السيجار فى المقعد الخشبى فى الحديقة العامة ثم يضعه فى جيب الجاكيت، ويلقى بالنوت الموسيقية على الأرض عندما يغضب، ويعبر عن استيائه كأى رجل همجى غير متحضر، ويبقى المشهد الأخطر على الإطلاق فى تاريخ السينما المصرية عندما أقدم البرنس على سرقة قطط الست ظاظا وألقاها فى عرض الطريق بلا رحمة أو ضمير، بل على العكس قدم هذا التصرف الحقير على أنه سلوك كوميدى يثير الضحكات رغم أنه فى حقيقة الأمر سلوك إجرامى يجب أن يعاقب عليه وكدهون، برغم أن فيلم «الأيدى الناعمة» يعتبر من الأفلام التى تمجد من قيمة العمل الشريف ويعلى من قيمة العمال وجهدهم فى دفع عجلة الإنتاج ومشاركتهم فى تنمية المجتمع، إلا أننا نجد المعالجة الدرامية وقعت فى تناقض مع رسالة الفيلم منذ اللحظات الأولى وتعاملت بشكل طبقى مع الست ظاظا رغم جمالها الداخلى، وانحازت للجميلات غير العاملات على حساب الهدف من الفيلم.