إدمان يسكن الألم النفسى مؤقتًا ثم يتحول إلى وسواس قهرى «النوموفوبيا» مرض العصر أفرزته التكنولوجيا ووسائل التواصل
جانا عزام
باتت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، ومع التطور والتقدم ازداد استهلاكها، ونتج عن الاستخدام السلبى للتكنولوجيا والتعلق بالهاتف المحمول نوع حديث من اضطرابات القلق يسمى النوموفوبيا، ويطلق عليه البعض رهاب القرن الواحد والعشرين، وهو الخوف من الابتعاد عن الهاتف أو احتمالية فقده أو نفاد شحنه حتى ولو كان الشخص وسط مجموعة من الناس.
ووفقًا لدراسة نشرتها صحيفة «ديلى ميل» يزيد هوس السيدات بالهاتف عن الرجال وتعتبر معدلات الإصابة منتشرة أكثر من سن 18 إلى 24 عامًا، وذلك لأن 77 ٪ منهم لا يقدرون على التخلى عن الهاتف، ولو لدقائق، بينما وصلت نسبة الإصابة للسن من 25 إلى 34 عامًا إلى 68 فى المائة.
وتقول الدكتورة ميرفت العمارى، استشارى العلاج النفسى: إن النوموفوبيا مثل الإدمان فهى ناتجة عن جرعة زائدة من استخدام الهاتف وتحدث حالة من الهلع والشعور بالعجز فى حالة ابتعدت عنه ولها أعراض مثل الارتجاف وزيادة التعرق والقلق والارتباك والإغماء والشعور بالدوار وزيادة معدل ضربات القلب وضيق التنفس.
ويرجع ذلك إلى عدم الثقة بالنفس وضعف الشخصية وأيضًا قد يعانى المريض بالخوف من الوحدة والانعزال أو الاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية، وقد يكون السبب الأساسى هو تعرض الشخص إلى قلة اهتمام واستهزاء بحديثه وعدم شعوره بالأهمية عند المقربين منه فيعوض احتياجاته بالانعزال بالهاتف وإنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى والبعض منهم يغير اسمه الحقيقى أيضًا، وكل تلك الأسباب نتج عنها وجود مشكلة فى التواصل بين الناس.
مفتاح السعادة
وتضيف العمارى: إن التواصل هو مفتاح السعادة، فنحن نحتاج إلى الاستماع إلى بعضنا البعض والتكلم وجهًا لوجه والاختلاف والاتفاق وخَلق تواصُل بصرى بينك وبين الآخر، فالمصاب بالنوموفوبيا هو شخص لا يستطيع التحدث مع الآخر ولا التعبير عن مشاعره سعيدًا أو حزينًا، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه إلا من خلف الشاشة وعادة يلجأ إلى التواصل بالرسائل النصية أو الصوتية؛ لأنه شخص يخاف من المواجهة بسبب الشعور بعدم الأمان والخواء النفسى، ومعظم العلاقات تفشل بسبب التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعى دون التعامل وجهًا لوجه أو حوار، فيرسم كل طرف صورة خيالية وهمية عن الآخر، مما يؤدى للصدمة مع أول خلاف واكتشاف أنه شخص مختلف عن تخيلاته الوهمية.
وترى، أنه يجب أن يكون للمجتمع وأدواته مثل الإعلام والتعليم وكل القوى الناعمة دور فى نشر الوعى بين الناس عن خطر النوموفوبيا وكيفية تجنب الإصابة به، وأهمية التواصل بين الناس وخَلق حوار بنّاء، كما أنه على الأمهات والآباء الاهتمام بالصحة النفسية للطفل والتواصل معه عن طريق اللمس والحديث معه حتى يكون له حصيلة لغوية، وألا تزيد مدة جلوسه على الهاتف أو الحاسوب أو البلايستيشن على ساعة يوميًا، والاستماع إليه وإعطاؤه الأهمية حتى نتجنب أن يصاب بالنوموفوبيا؛ لأن التنشئة السليمة مهمة، وهى أساس نبنى عليه لشخصية سوية فى المستقبل.
معاناة الطفولة
فى السياق تقول الدكتورة أمل محسن، استشارى الصحة النفسية وتحرير المشاعر، عضو المجلس الأمريكى للاستشاريين النفسيين: إن علم النفس الحديث يقول إنه لا يوجد تغيير فى السلوك الإنسانى إلا وكان سببه نفسيًا، وهذا السبب النفسى قد يكون حدث فى الوقت الحاضر وظهرت بعده الأعراض أو بسبب مشكلة من الماضى أو قلق من المستقبل، وفى علم النفس نشبّه الإنسان بالوعاء وهذا الوعاء يحتوى على طبقات مثل معاناة فى الطفولة من المَدرسة مثلاً أو من الأهل مثل التفرقة فى المعاملة بين الأخوة أحيانًا، أو نتيجة صدمة عاطفية من خيانة وغدر أو فقْد أو أى إحباطات أخرى فى الحياة ويفقد الإحساس بقيمته بالحياة، ويبدأ فجأة العقل اللا واعى يكون عند هذا الشخص استراتيجيات يحافظ بها صاحب هذا الألم على نفسه ومن ضمنها الفوبيا بشكل عام؛ لأن الشخص المصاب بأى نوع من الفوبيا كفوبيا المرتفعات مثلًا، يرى من وجهة نظره أنه يحمى نفسه من الموت؛ لأن بالعقل اللا واعى يرى أنه إذا صعد لمبنى عالٍ سيموت، فيصاب بنوبات هلع ويمتنع عن ممارسة الحياة الطبيعية.
عالم افتراضى
وتضيف محسن: إن من الظواهر الحديثة التى نتجت عن التكنولوجيا مثل الهواتف والآيباد والأشكال المختلفة للحاسوب، هو أنه أصبح لكل فرد عالم افتراضى موازٍ للعالم الحقيقى، فيرى المصاب بالنوموفوبيا أنه يهرب من الواقع والمواجهة وإيجاد حل لمشاكله ويعوض تعاسته فى الحياة بإدمان الهاتف والتعلق بمواقع التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام أو يوتيوب وغيرهما، ومع الوقت تصبح مثل إدمان المخدرات تمنحه سعادة مؤقتة ومزيفة، مثل من يتناول المسكنات لتسكين الألم ولكنها ليست الحل، فهناك إحصائيات تقول إن السيدات يطلبن الطلاق بسبب أن زوجها مدمن بلايستيشن أو يجلس دائمًا على الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعى ولا يتواصل مع زوجته أو يستمع إليها، فنحن من أوصلنا أنفسنا وأولادنا إلى تلك الحالة وهى هروب من الواقع الذى تحول إلى فوبيا وسيتحول إلى وسواس قهرى.
وتنصح كل شخص مصاب بالنوموفوبيا، أن يسأل نفسه متى يمكنه مواجهة التحديات فى حياته؟ وماذا يمثل لك الهاتف؟ فإذا تحاور كل شخص مع نفسه حتمًا سيصل إلى حل؛ حيث يقول تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهى قاعدة من الله وتطبقها العلوم الحديثة حول العالم لأنه لا يوجد إنسان تستطيع تغييره أو مساعدته فى أى شىء دون إرادته هو فى التغيير للأفضل، غير ذلك يعتبر إهدارًا لوقتك ووقته أيضًا، ويجب أن يشعر الشخص نفسه أن الهاتف لم يعد يعطيه نفس السعادة أو المُسكن المؤقت ويبدأ فى البحث عن الحلول، وأن يشعر أنه قادر على مواجهة مشكلاته، ويطلب المساعدة من طبيب نفسى أو متخصص فى تحرير المشاعر، فالعلاج النفسى ليس وصمة عار أو شيئًا مخجلاً؛ بل مهم وأساسى، فلكل مرض أسباب وعلاج.