الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مسلسل «الاختيار» وثيقة وطن

مسلسل «الاختيار» وثيقة وطن

عادةً ما تقوم الدول والأنظمة بالإفراج عن الوثائق السرية الخاصة بحقبة أو حدث معين بعد فترة من الزمن تختلف من دولة لأخرى؛ اعتمادًا على مبدأ حق الناس فى المعرفة، لكن الدولة المصرية انتهجت هذه المَرّة نهجًا جديدًا أكثر سلاسة، عن طريق تأريخ وتوثيق هذه الأحداث من خلال الدراما؛ حيث يُعتبر الجزءُ الثالث من مسلسل (الاختيار) وثيقة من الدولة للشعب المصرى، الذى عاصر حقبة حُكم الإخوان بين عامَى 2012 و2013 دون أن يعرف ما يدور خلف الكواليس، أبرزَ فيها المسلسل كيف كانت تُدار البلادُ من قِبَل مكتب الإرشاد وليس قصر الاتحادية، وكيف سرّبت جماعة الإخوان تقارير الأمن القومى لأعداء وخصوم الدولة؛ بهدف كسر وتفكيك الجيش والشرطة والعبث بالعقيدة القتالية الخاصة بهما؛ حيث أظهر المسلسل كيف تأخذ الجماعة البلاد نحو الهاوية. 



وهنا لا يمكن تقييم الجزء الثالث من مسلسل (الاختيار) كعمل درامى بالمعنى الحَرفى؛ بل يُعتبر «أوبريت» دراميًا فنيًا من فئة الأعمال الوطنية التى تشبه الأفلام الوثائقية التى ترصد وتوثق الأحداث المهمة فى تاريخ الدول، ويشترك المسلسل مع جميع الأعمال الوطنية التى قُدمت من قبل فى تاريخ الدراما أو السينما المصرية وتحت إشراف الدولة وأجهزتها المختلفة؛ كتوثيق لعمل وطنى يحث على دعم الشعور القومى لدى المواطن المصرى، فالمسلسل ليس (biography movie or series) كفيلم (أيام السادات) الذى قدّمه الفنان أحمد زكى قبل 20 عامًا، أو توثيقًا لعملية تأميم قناة السويس فى فيلم (ناصر 56) للبطل ذاته، أو كفيلم (بورسعيد) للفنان الراحل فريد شوقى، الذى وثق جرائم العدوان الثلاثى على مصر، أو عدد من الأفلام التى وثقت نصر أكتوبر، مثل: (العمر لحظة) أو (الرصاصة لا تزال فى جيبى)؛ حيث لا يُعَد إنتاج المسلسل سابقة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عرض أحداث تاريخية.

ورُغْمَ اشتراك هذا العمل مع الأعمال الأخرى كونه عملاً ذا هدف وطنى ونبيل؛ فإنه يختلف عن كل الأعمال المذكورة فى أنه يُجَسِّد شخصية الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى، (أو الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى فى تلك الفترة) وهو اليوم فى السُّلطة حتى لا يتم تزييف التاريخ بَعد ذلك، وكيف تعامَل مع جماعة الإخوان الإرهابية فى فترة من أصعب الفترات التى مَرّت بها مصر؛ حيث كان جريئًا ولم يفرط أو يهادن الجماعة على حساب المصريين، فى خطوة جديدة على الدراما المصرية، تدل على مدى صدق الدولة فى كفالة حق الناس فى المعرفة؛ خصوصًا أن المسلسل تشرف عليه وزارة الدفاع، ما يجعله وثيقة رسمية فى شكل عمل درامى.

لم يَقدم صُناعُ المسلسل على إنتاج هذا العمل الوطنى إلا لهدف واحد؛ هو توضيح واستجلاء الحقيقة للناس، حتى لا تبقى حبيسة لفئة النخبة أو مَن فى دوائر السُّلطة؛ بل لكى يعيش المصريون الأحداث بكواليسها. 

ويُعد إنتاج مسلسل (الاختيار) بشكل عام فى أجزائه الثلاثة أبلغَ رد على رواية المظلومية الإخوانية، فعلى مدار 9 سنوات ومنذ الإطاحة بحُكم الإخوان استجابة لنداء الشعب المصرى فى 2013؛ سعت جماعة الإخوان الإرهابية وأعوانُها إلى فبركة وتشويه الحقائق والتشكيك فى قيادات الدولة والجيش المصرى، عبر إنتاج وثائقيات مفبركة وبمَبالغ ضخمة، من خلال منصاتها الإلكترونية، أو قنواتها المذاعة من تركيا، أو عبر إحدى القنوات العربية التى أنتجت وثائقيًا بعنوان (الساعات الأخيرة فى عهد مرسى) فى عام 2018، بمشاركة وزير الخارجية القطرى الأسبق خالد العطية كشاهد على اللحظات الأخيرة فى عهد مرسى والذى كان مليئًا بالمغالطات والأكاذيب.

ويأتى رد الدولة المصرية موجعًا هذه المَرّة، بَعد سنوات من سرد الرواية الإخوانية لعام حَكم فيه الإخوانُ مصرَ؛ حيث كانت تدس هذه الرواية السّم فى عقل المواطن المصرى، دون رد موثق من قِبَل الدولة، لذا يلعب الجزءُ الثالث من مسلسل (الاختيار) دورًا فى تصحيح المفاهيم عن أيام عصيبة عاشتها مصرُ، حتى أصبح لدى المصريين مناعة ضد تيارات الإسلام السياسى.

أخيرًا بقى علينا أن نتذكر أن الدولة المصرية دفعت ثمَنًا باهظًا لاستعادة هويتها واستقرارها، من دماء أبنائها الشرفاء فى مواجهة الإرهاب بعد فقْد 3277 شهيدًا و12000 مصاب منذ 2013 (بحسب تصريحات الرئيس السيسى)، ومن انهيار فى الخدمات كالكهرباء والبنزين، وتدهور فى الاقتصاد فى تلك الفترة، حتى يكون ذلك مدعاة للحفاظ على استقرار البلاد واستكمال بناء الجمهورية الجديدة، فى إقليم تتدهور فيه أوضاع غالبية البلاد اقتصاديًا وأمنيًا، وعالم منهك اقتصاديًا بسبب تداعيات فيروس «كورونا» والحرب «الروسية- الأوكرانية».